يراعي الفن اليوم اهتمامات الأجيال الجديدة، التي ترافقت نشأتها مع نشأة وتطور التقنية والإنترنت، فما كان دخيلاً عومل بحذر وريبة من قبل الجيل السابق، مثّل للجيل الحالي أساساً من أسس الحياة المعاصرة، ومد أذرعه إلى كل جوانبها، تاركاً أثره من دون ضجيج. هو ذلك الأثر الخافت المتمكن المتحكم، والذي أعاد تشكيل التفاعلات الاجتماعية والمعايير الثقافية وأشكال التعبير الفني.
“عصر الأثر الخافت” هو محور المعرض الخريفي الذي ينظمه معهد مسك للفنون، والذي يضم أعمالاً فنية ذات أبعاد وتصورات عميقة تحاكي تأثير التكنولوجيا على المجتمعات والحياة اليومية في عصرنا هذا، وبعض المحطات التي لا تنسى في هذا المسار، ويلتقي تحت سقفه مبدعون ومبدعات من المملكة والعالم؛ ليناقشوا أعمالهم الفكرية التي تعيد تشكيل الابتكار الرقمي مع عشاق الفن والمتابعين للحركة الفنية الجديدة من أهل الرياض وزوارها، ليطرح أمامهم تساؤلاً كبيراً: هل تغير دور الفنان في ظل سطوة التكنولوجيا؟
تغطية وتصوير: عبير بو حمدان
أعمال تلامس الجميع
بسمة الشثري، مديرة إدارة التقييم الفني في “معهد مسك للفنون”، أشارت في حديث خاص لـ”سيدتي” إلى أن “المعرض يركز على التطور العميق الحاصل على صعيد التكنولوجيا، وعلى حقبة ما بعد الإنترنت، ويشارك فيه 20 فناناً، منهم فنانون سعوديون ومنهم فنانون عالميون، وجميعهم يناقشون أثر الإنترنت والتقدم التقني على المجتمع ككل، وعلى الحياة الفنية والممارسة الفنية والإنتاج الفني”.
وأضافت: “حرصنا في هذا المعرض على وجود وسائط متعددة، حيث إن كل فنان عنده منظور مختلف عن الموضوع ووسيلة مختلفة في التعبير عنه، ورأينا تنوع الجنسيات والأعمار وسنوات الخبرة، وأتى اختيار الفنانين بعد دراسة الأعمال التي يقدمونها، وإذا ما كانت تناسب موضوع المعرض أو لا”.
وأكدت الشثري: “كان يهمنا كثيراً مشاركة فنانين سعوديين ناشئين، ندعمهم في هذا المعرض؛ عبر وجودهم مع فنانين ذوي خبرة، فمثلاً الفنانة سامية حلبي لديها خبرة طويلة لسنوات، وكان مهماً وجودها مع فنانين صاعدين؛ مثل تركي القحطاني وخالد مخشوش وزياد كعكي، فطموحنا عالٍ حول أولئك الفنانين السعوديين، وإن شاء الله سيكون مستقبلهم مضيئاً في الساحة الفنية التشكيلية”.
أما بالنسبة لاسم المعرض، فقالت: “اسم المعرض يدل على أثر التكنولوجيا علينا بالحياة اليومية بشكل خفي، إذ إننا لا نشعر بالتحول بطريقة جذرية؛ أي بين يوم وليلة، لكن مع تطور استخدام التكنولوجيا في حياتنا اليومية، باتت تلامسنا بشكل خافت وتؤثر بنا بشكل عميق، وهذا الأثر لا نستوعبه إلا عندما نركز على تفاصيل هذا التحول”.
ورداً على سؤال حول الفئة التي يمكن أن تتفاعل أكثر مع هذا النوع من المعارض، قالت: “نتمنى أن يلامس هذا المعرض اهتمام الجميع، وأتوقع أن كل شخص سيزور المعرض سيجد عملاً يلامسه أو الوسيلة المستخدمة في بعض الأعمال”، وتابعت: “بعض الأعمال تطرقت إلى الحنين، والأشياء التي كبرنا عليها وتغيرت مثل الجرائد التي كانت موجودة في كل بيت، اليوم بات الناس يحصلون على الأخبار والمعلومات من الهاتف”.
وفي ختام حديثها، تطرقت الشثري إلى أن “هذا النوع من المعالجة للأشياء يخدم تطلعات معهد مسك بأشكال مختلفة وأهمها دعم الفنان السعودي الناشئ”، مضيفة: “من أبرز اهتماماتنا أن نجمع الفنانين السعوديين الناشئين في معارض متنوعة كهذا المعرض مع فنانين عالميين ذوي خبرة عميقة”.
اقرأوا أيضاً: انطلاق منتدى مسك الإبداعي 2024.. إليكم التفاصيل
من المملكة والعالم
معرض عصر الأثر الخافت، والذي يقام في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون في الرياض، في الفترة الممتدة ما بين 3 نوفمبر 2023 و27 فبراير 2025، يشارك فيه 20 فناناً من المملكة والعالم، وهم: سفيان إدريسي، زياد كعكي، خالد مخشوش، أحمـد ماطر، بينيت ميلر، نام جون بايك، جون سالفست، فيصل سـمرة، آنيا سليمان، سامية حلبي، إبراهيم أبو مسمار، مهدي الجريبي، تركي القحطانى، عمر الزهراني، محمد شرورو، أيمن يسري ديدبان، إيمان الجبرين، سعيد قمحاوي، ومنير فاطمي.
لا توجد إشارة
الفنان السعودي إبراهيم أبو مسمار، شكر بداية مجلة “سيدتي” على مشاركة عمله الفني “لا توجد إشارة” مع جمهورها العريق، معبراً عن سعادته بالتواجد في هذا المعرض مع عدد من الفنانين الكبار، وتحدث عن العمل الذي أنجزه عبر السنوات، قائلاً: “العمل هذا يتكون من عملين؛ الأول قدمته في عام 2006 ويتضمن لوحة عليها كلمة لا توجد إشارة، ولوحة أخرى عليها عبارة no signal، أما الجزء الثاني من العمل فأنجزته في عام 2015، ويتضمن لوحة عليها عبارة الاتصال بالإنترنت مقطوع، ولوحة أخرى فيديو لعبة الديناصور، وهي تعيد لذاكرتنا عندما كنا ندخل إلى جوجل كروم ويظهر لنا الاتصال مقطوعاً، فتظهر لنا لعبة الديناصور من باب الإغراء ألا نترك الشاشة، ومن خلال أعمالي حاولت ربط الكلام هذا بالإنترنت وأهميته في حياة الناس وخوف الناس لو انفصل عنهم الإنترنت”.
محفور
الفنان السعودي سعيد قمحاوي، تحدث من جهته عن عمله “محفور”، الذي يشارك فيه في هذه النسخة من معرض “عصر الأثر الخافت”، قائلاً: “أنا سعيد بمشاركة عملي ضمن هذا المعرض الذي يتحدث عن الأثر الخافت للتكنولوجيا، فهو عمل يسلط الضوء على التعليم؛ لأنني أعتبره من أولى وسائل التواصل في تاريخ البشرية، وبحكم أنني كنت مدرساً؛ فأنا أخذت على عاتقي هذا الملف، وأحب التعبير عنه في أعمالي، ولديَّ الكثير من الأعمال التي تتحدث عن التعليم والأثر الذي حققه للبشرية”، وأضاف: “هذه الكتاتيب هي أول ألواح استخدمت لتعليم اللغة العربية والقرآن والنحو والصرف، ولا تزال تستخدم تقريباً ببعض الدول في أفريقيا، وما زالت موجودة في الأعمال التي أشارك بها في معرض الشارقة ومعرض لندن، وأنا أقوم بحفظ هذا الإرث التاريخي”، وختم بالقول: “حان الوقت لهذا النوع من المعارض، لأن هناك جيلاً قادماً يمكن أن ينسى التاريخ وحركة التعليم في ظل تطور التكنولوجيا”.
تيرافورم
الفنانة البولندية آنيا سليمان تحدثت لـ”سيدتي” عن لوحتها “تيرافورم 1″، قائلة: “أنا هنا اليوم لأعرض عملي الذي أنجزته خلال فترة الجائحة، إنه رسم يتعلق حقاً بكيفية نظرنا إلى الطبيعة من خلال الشاشة الآن، وأردت إعادة ربط فكرة الطبيعة بكونها ليست مجرد شيء نراه خارجنا، ولكنها جزء من عالمنا الداخلي بعد الاتصال بالجسد، لذلك أخذت صورة شاشة وجدتها على الإنترنت ورسمت هذا الرسم الذي يتعلق أيضاً بالرقمية، لذلك هناك نوع من العلاقة بين الشكل والأرضية داخل العمل الذي يتعلق بالرقمية، ولكن أيضاً نوع من التفسير الذي يعيد ربط البيئة الطبيعية بشيء بداخلنا أيضاً”، وأضافت: “سعيدة أنه قد تمت دعوتي لعرض العمل هنا في هذا المعرض الذي يتعلق بموضوع التكنولوجيا، وكيف تؤثر التكنولوجيا على كيفية صنعنا للفن اليوم”.
الحبر المتلاشي
من الأعمال التي لفتت الأنظار أيضاً، ضمن معرض “عصر الأثر الخافت”، عمل للفنان الأميركي جون سالفيست، والذي قال لـ”سيدتي”، في حديث خاص عن هذا العمل: “المشروع الذي أقدمه يحمل عنوان “الحبر المتلاشي” وهو يمثل 12 عاماً من الصحف اليومية المتراكمة من بلدة صغيرة في أمريكا، والفكرة هي تمثيل لكيفية اختفاء الصحف الورقية نوعاً ما من الحياة اليومية، لذا توجد كومة من الصحف المتراكمة في المنتصف، ويعلوها كما يبدو للناظر وكأنه سرب من الطيور الخائفة، وهي في الواقع أوراق وصحف تعبّر بشكل ما عن الاتجاه لتصبح ذكرى”، وأشار سالفيست إلى أن “القيمين على المعرض حاولوا تقديم نوع من التوازن لجميع عناصر التكنولوجيا في المعرض، يوجد الكثير من أعمال الفيديو والأعمال الرقمية، وأرادوا ربطها بطريقة ما بالأعمال التي تمثل الحنين إلى ما كان عليه الواقع ذات يوم”.
تدرجات الإنترنت
الفنان محمد شرورو، وهو فنان مفاهيمي من المغرب، تحدث لـ”سيدتي” عن عمله “تدرجات الإنترنت”، وقال: “عملي يتضمن ثلاث لوحات بألوان مختلفة، وهو مستوحى من التدرجات اللونية للإنترنت وكود الألوان الخاص بها، واختيار هذه الألوان تطلب مني التعرف إلى هذا الكود حيث إن في الـ (html) لغة توصيف تستخدم في إنشاء وتصميم صفحات ومواقع الويب، هناك ستة أرقام وكنت أتعامل مع هذه الأرقام وأحولها من الجانب الرقمي إلى الجانب المادي عبر الألوان والأصباغ”، وأضاف: “موضوع المعرض هو موضوعي، ويهمني جداً، فأنا من جيل التسعينات وعايشت التحول من اللعب في الأزقة مع الأطفال إلى تواجد الإنترنت في المنزل منذ صغري، وعندما اطلعت على أعمال الفنانين الآخرين؛ وجدت أن هناك تقارباً في الأفكار بيني وبينهم، وهم فنانون من مختلف الدول من السعودية والمغرب ودول عديدة، ولذلك أحببت المشاركة في هذا المعرض”.
لقطات متنوعة من المعرض
قد يهمكم أيضاً أن تقرأوا: بتجارب فنية إبداعية مسك للفنون يختتم معرض صالة الأمير فيصل بن فهد صيف 2024
#معرض #عصر #الأثر #الخافت #ما #بين #سطوة #التكنولوجيا #والحنين
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.