⌚ #حدثينا #يا #روابي #نجد #ويا #خزامى #الرياض #جريدة #الرياض #منتوف #MANTOWF #ساعات
حدثينا يا روابي نجد.. ويا خزامى الرياض – جريدة الرياض
[elementor-template id=”7268″]
حدثينا يا روابي نجد.. ويا خزامى الرياض
لا أمل عندي أن أستعيد جنتي الصغيرة ومملكتي المفقودة في حي العليّا عندما قرأت ذكريات الأستاذ كميل حوا عن فندق خزامى الرياض الذي بدأت أعمال إزالته في يوليو 2022 ليتيح المجال لتطوير “ذا ديستريكت فيصلية المرحلة الثانية” تذكرت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – يتحدث في مقطع مسجل في اليوتيوب عن الرياض القديمة في الأربعينات.
قال حفظه الله: “لا أذكر في الرياض شارعا مسفلتا إطلاقا، لا أذكر بيتا واحدا بالأسمنت المسلح، كانت الرياض عبارة عن مدينة محاطة بسور وفيه بوابات كبوابة الثميري، وتقفل البوابات بعد العشاء، خارج السور كان قصر المربع الذي كان يسكنه الملك عبدالعزيز، وكان الملك عبدالعزيز يمارس عمله اليومي في قصر الديرة.. وكان يأتي من قصر المربع لقصر الديرة.. لم تكن هناك زحمة سيارات. كان هناك شارع واحد مرصوف بالحجر يبدأ من دروازة المربع إلى بوابة الثميري، خط ضيق متعرج يتسع لسيارتين. هذا الشارع الوحيد في الرياض، كانت السيارات تأتي وتثير الغبار كأن هناك ضبابا، وكنا “عايشين” مع هذا الوضع”.
الرياض ضمن رؤية 2030 الطموحة في طريقها لتصبح من أهم مدن العالم وعواصم المال والأعمال والترفيه والثقافة وجودة الحياة، وأعمال البناء والتشييد فيها على قدم وساق، يقال إن الرياض لا تتغير كل يوم بل تتغير كل ساعة كناية عن وتيرة العمل فيها، ومع التغيير هناك إضافات تشكل نقلة نوعية وهناك أشياء جميلة وعريقة تتراجع وتندثر لتفسح المجال أمام أشياء جديدة ربما تكون أكثر مواءمة لاحتياجات العصر.. ومن بين ذلك فندق الخزامى الذي افتتح في العام 1978 واستمر نحو 44 سنة كإحدى العلامات المميزة في الرياض ضمن منطقة الفيصلية، كلمات استراجاعية لها قيمة توثيقية يقوم بها أحد المبدعين العرب الأستاذ كميل حوا نترككم معها.
كان سحر فندق الخزامى يبدأ بمدخله من شارع العليّا، حيث تنعطف السيارة إلى اليمين وتلتف حوله نصف دائرة قبل أن تقف أمام مدخل البهو، ليأتي من يأخذ الحقائب، ويتهيّأ لك أن انعطاف هذا المدخل يتوازى مع استدارة واجهة المبنى نفسه التي تشكل في مخيلتي جزءاً لا يتجزّأ من طابع الفندق الجذّاب. فندق صغير، راقٍ، حميم، أدواره الستة كأنها ثلاثة، تحيط به الأشجار من جميع الجوانب، ويتسم بمجموعة مزايا لا أظن أن فندقاً آخر، لا في الرياض ولا في غيرها، يتسم بها. وقبل أن يأخذني الكلام، لا يسعني إلا أن أتوقف عند اسم الخزامى نفسه والشعار كذلك، فقد استوقفتني كل منهما على حدة منذ زيارتي الأولى، وبقي لهما في نفسي صدى، وبعد أن تجاوزت استغراب اسم لا يشبه أسماء الفنادق العصرية والمطاعم، لقّنني هذا الاسم العربي العريق درسًا في أصالة التسمية وشاعريتها، وأعجبت باختيار زهرة برية من الجزيرة لاسم فندق سويسري الإدارة، ثم خلبت لبّي رسمة الزهرة البديعة، وكأني بالتسمية والشعار يمثلان ختم فرادة هذا الفندق بأسره، آخر مواقع مملكتي الصغيرة بلغني نبأ البدء بهدم مبنى الفندق، كم أحزنني هذا النبأ، رغم أني توقعته منذ زمن بعيد، بعدما سبقه هدم مركز الخزامى الذي كان يقع بجانبه، والذي لم يترك في نفسي حسرة أقل. خلال سنين، كنت أحدّث أصدقائي عن مملكة صغيرة لي في المملكة، وهي عبارة عن هذا الفندق وهذا المركز وما يجمع بينهما، وكنت أصف بداية يومي هناك حيث أنزل من غرفتي لتناول الفطور اللذيذ في المطعم الرئيس الذي لا يشبه مطاعم الفنادق العصرية الهندسية الجافة (ولمطاعم الخزامى حديث خاص بها). فأثاث هذا المطعم من الخشب، وتزينه لوحات ليثوغرافية لنباتات مختلفة، بأسلوب الرسم العلمي في القرن التاسع عشر، ثم أخرج من المطعم باتجاه مكتبنا في مركز الخزامى عبر ممرّ ضيّق نسبيّا من الشجر والزهر والطيور، يقع خلف الفندق يخترق حديقة تقام فيها مساء وجبة المشويّات، وعند طرف هذا الممر الذي تحف به الأشجار والزهور والطيور، أصل إلى شارع صغير راقٍ وهادئ، لا يشبه الشوارع العامّة ولا تمر به إلا سيارات معدودة فيصون حركة العبور بين الفندق والمركز، أجلس في أحد مقاهي الرصيف لأشرب القهوة ثانيةً وأطالع صحف الصباح، ثم أدخل بهو المركز الهائل مستمتعًا بهندسته الفريدة، وهناك يأخذني المصعد إلى الدور الذي يقع فيه مكتب “المحترف”، فأي زائر استمتع مثلي في الرياض بهذا القرب والانسجام بين سكنه الفندقي ومكتبه ولكليهما مزايا جميلة؟ بين المكان الحميم والمقام المهيب، ولو شئت أن أقارن بين الفندق والمركز لقلت إن الأول حميم ممتع، والثاني مهيب ساحر. كنت أكرر باستمرار أن ليس هناك مبنى يتمتّع بالصفات المعمارية الحديثة برقي مركز الخزامى في الرياض، حتى بعد ظهور مبان شاهقة العلو عصرية البناء، فهو من تصميم المعماري الياباني كنزو تانغي المعروف عالمياً، وللأسف، ليس عندي رسوم أو صور لأبين وأشرح، فهو بديع من الداخل والخارج ولكن داخله أوضح، فبهو هذا المركز شاهق الارتفاع، يتدرّج من الجانبين صوب السقف، تطل عليه شرفات زجاجية تحدّ الممرّات إلى المكاتب والشقق السكنية، وفي منتصف كل شرفة نبتة بسيطة رفيعة مدروسة وكأنها محددة من قبل المهندس المعماري، حافظ عليها أصحاب المركز بلا زيادة أو نقصان، وهذا ما يعطي الزائر الإحساس بالمفهوم الياباني للجمال، وفور دخول المركز، يغمرك شعور بالهدوء والسكينة وكأنك في معبد حديث، واذا ما أمضيت أمسية كاملة تحت سقف مركز الخزامى كنت أشعر أحيانًا بما يشبه المس، ولا أستطيع أن أزيد كثيرًا فالمكاتب والشقق السكنية بسيطة وعملية في هندستها الداخلية وتقوم على خطوط متوازية، عند بدء الحديث عن تجديد المبنى أو هدمه كلًّيًا، كانت تصلنا بلاغات بوجوب إخلاء المكتب، وكنت لشدّة تعلقي بالمكان، أصر على مدير المكتب أن يهمل الطلب رغم احترامي الحقوق والواجبات، ولحسن الحظ حينها، كان تنفيذ الإخلاء يتأجّل، فنمدّد عقد الإيجار لفترة إضافية، ونقبل بالزيادة على بدل الإيجار بكل امتنان، ولكن كان لا بد للمماطلة في الإخلاء من أن تنتهي، ورحنا نبحث عن بديل. ولكننا لم نعثر على ما يمكن مقارنته بما في مركز الخزامى، وفي النهاية قبلنا بمكتب متواضع بسيط في مكان قريب مقابل الفندق في العليّا، كرسي غير كل الكراسي استمررت نزيلاً في فندق الخزامى بعد إخلاء المركز، رغم أن معالم التقادم بدأت تظهر على غرفه، كانت الاستفادة من المساحة في الغرف الصغيرة نسبيًا مثيرة للإعجاب. ويبدو لي -والله أعلم- أن الأثاث لم يتغيّر على حد ما الذي كنت أراه طوال أربعة عقود، كان من تصميم وتصنيع سويدي، كانت جميع قطع الأثاث المفصلة خصّيصاً للغرفة، عملية ومريحة، إلا أن أكثر القطع استحواذا على إعجابي كان الكرسي، ومنه اثنان في الغرفة، واحد للمكتب والثاني لطاولة الطعام ومشاهدة التلفزيون، والفارق بينهما قليل للغاية يقتصر على فارق بسيط في الحجم والميلان، وكانت محدودية الفارق هذه نفسها تزيد من إعجابي بالتصميم، لأنها تعزز مثالية التصميم الذي يأخذ في الاعتبار أن لكل زاوية جلوس مقاييسها مهما صغرت، كم تأملت هذا الكرسي، وقلّبته، وأخذت له صورًا من مختلف الزوايا.
كنت أقول للأصدقاء إنه الكرسي المثالي، كرسي في مرتبة وسطى بين كنبة الصالون الفارعة الأثيرة والكرسي المكتبي المستقيم، جانباه على رقتهما مريحان لوضع الذراعين، وعلى القماش خط رفيع خشبي اللون وكأنّه يضبط الإيقاع، الجلوس عليه مريح، ثابت، مكتمل، وميزانه تام، وكم كنت أقول في نفسي إنه إذا وقع المحظور في النهاية وتم هدم فندق الخزامى، فسوف أهرع للحصول على عدد من الكراسي وعدد من رسوم النباتات الطبيعية من المطعم، والتي كان تفحّصي لها بخبرة محدودة يوحي لي بأنها طبعات أصلية. ومما لا شك فيه أن الخزامى كان يقدم خدمة طعام (إذا جاز التعبير) تفوق مرتبته الفندقية، وقد اجتمعت فيه مزايا أماكن الجلوس المريح مع لذة الأطعمة والخدمة الممتازة، فعلى خطوات قليلة عبر البهو إلى اليمين، كان يوجد مطعم سفاري بديكوره المبتكر وبجلساته الفريدة والمريحة، جلسات هادئة في جو متوسّط الإضاءة، ولائحة طعام مختارة بعناية من الشرق والغرب وتجمع بين الفرنسي والإيطالي، لم تكن الاختيارات واسعة، لكنها تفتح شهية شريحة واسعة من الذوّاقين، من شوربة العدس إلى شوربة اللقطين، ومن الدجاج بالكاري إلى طبق المشويات المتنوعة، وصولاً إلى الهامبرغر على أصوله، وكل الأطباق كانت متقنة وبكفاءة المطبخ السويسري، كان الجلوس في المطعم مع الضيوف يمتد لساعات من دون الشعور بمرور الوقت، ومع انتهاء الوجبة، كان خيار الحلوى والقهوة إما من المطعم وإما من خدمة البهو، وما أدراك ما بهو الخزامى! بهو اللقاءات والذكريات، طبعًا يستطيع المرء أن يقارن بين بهو فندق وبهو فندق آخر، لكن ذلك قد لا يكفي لتفسير أوجه تفوّق أحدهما على الآخر. كان بهو فندقنا الصغير ربما أكثر بهو فندق يتردد إليه المتواعدون في الرياض ومن جميع الأصناف: أصدقاء، شركاء عمل، مترددون دائمون بلا موعد وغيرهم. ويعطيك المكان شعوراً وكأنك في نادٍ مكتظ باستمرار، ولعل أول أسباب هذا الإقبال شكل القاعة المربّع -الذي هو بلا شك أكثر أشكال القاعات رحابة ومتعة للجالس- وسقفها العالي وأثاثها البسيط والمريح والموزّع بدراية والقابل للتعديل حسب الأعداد والاحتياجات، وكانت جلسات بعض زوايا البهو رحبة، ونستطيع أن نقول استراتيجية بسبب إشرافها على مجمل القاعة لدرجة أن كان الناس يتسابقون على حجزها!! إضافة إلى ذلك أنه عند أقصى البهو إلى اليمين، كان يوجد مقصف حافل بأنواع الحلوى السويسرية اللذيذة المتوفرة للجالسين هناك والمشترين من خارج الفندق أيضًا. وفي الجهة المقابلة كان هناك دكان الصغير حيث تحصل على الصحف والكتب وتشكيلة من التذكارات، وبجانبه صالة الحلّاق. وحين يكون الجو العام في مكان ما ممتعاً، تبدو كل الأشياء خاصة الصغيرة منها ممتعة أيضًا. كان المطعم الرئيس الذي يلي مقصف الحلوى يقدّم ثلاث خدمات، فهو مطعم فطور النزلاء في الصباح، ومطعم البوفيه المفتوح في الظهيرة، ومطعم المطبخ الفرنسي في المساء، وفي المراحل الثلاث لا تغيب الأكلات اللذيذة والخدمة المخلصة. أما إذا خرجت من هذا المطعم إلى المدخل الخلفي الصغير الذي يبعد بضعة أمتار إلى اليمين، فسوف تجد أمامك الحديقة الفسيحة والمربعة بدورها والتي تقدم مساءً عشاء مشويّات متنوعة في الهواء الطلق، وتكون جلساتها ممتعة للغاية، خاصة في المواسم حين يكون الجو لطيفًا، ويمكننا أن نضيف إلى هذه المطاعم المطعم الإيطالي الذي كان موجوداً في مركز الخزامى، فطابعه وخدمته يبدوان مستمدّين من مستوى الفندق، فهما على أي حال خاضعان للإدارة نفسها.
وكان هناك إجماع على أنه ألذ المطاعم الإيطالية في المدينة حتى الأمس القريب. وفي كل من هذه الأماكن كان للأصدقاء جلسات طويلة لا يُمل منها. كان فندق الخزامى أوّل فندق نزلت فيه بالرياض قبل زمن طويل، وكان آخر فندق نزلت فيه خلال زيارتي الأخيرة قبيل انتقالي إلى بيروت، وبين الزيارتين مسلسل من الذكريات امتد على أربعة عقود، فنادراً ما نزلت في فندق آخر، إذ لم تغرني فخامة الفنادق الجديدة، ولا أغرتني أسعار الفنادق المنافسة. وفي الخزامى استقبلت أدباء وفنانين وأصدقاء وزملاء ومندوبي مؤسسات، ولكن للمسامرة أكثر منها زيارات عمل، لا بل إن قيمة هذه اللقاءات وجمالها في أنها لم تكن لشؤون العمل كما أن قيمة الخزامى وجماله في أنه كان يضفي عليها مناخه الحميم. لا أدري ما الذي سوف يُشاد في موقع الفندق والمركز؟ وهل سيكون للبديل بعض تلك المزايا؟ أنا لا أمل عندي أن أستعيد جنتي الصغيرة ومملكتي المفقودة في حي العليّا، فهذه الأشياء حين نفقدها لا تستعاد مهما حل محلها. وها أنا أشعر بالفقد الشديد لفندق الخزامى ومركز الخزامى والممر الذي يعبر الحديقة ثم شارع مقاهي الرصيف بينهما.
حدثينا يا روابي نجد.. ويا خزامى الرياض – جريدة الرياض
أقراء أيضا
[elementor-template id=”7272″]
المصدر : منتوف و غوغل و مواقع انترنت 👇حدثينا يا روابي نجد.. ويا خزامى الرياض – جريدة الرياض
حدثينا يا روابي نجد.. ويا خزامى الرياض – جريدة الرياض
حدثينا يا روابي نجد.. ويا خزامى الرياض – جريدة الرياض
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.