يصنف نارام سين (Naram-Sin) من قبل المؤرخين كآخر ملك عظيم بتاريخ الإمبراطورية الأكدية، التي أسسها سرجون الأكدي واتخذ مدينة أكاد عاصمة لها عقب هزيمته للملك السومري لوغال زاغيزيسي في حدود العام 2335 قبل الميلاد.
ويعد نارام سين حفيد مؤسس الإمبراطورية سرجون الأكدي. فعقب وفاة الأخير، آل الحكم لابنه الأول ريموش (Rimush) الذي حكم لمدة قاربت 10 سنوات قبل أن يخلفه شقيقه مانيشتوشو (Manishtushu) الذي ترك بدوره الحكم لابنه نارام سين بحلول العام 2254 قبل الميلاد.
ورفقة جدّه سرجون الأكدي، تحوّل نارام سين لأحد أهم رموز وأساطير بلاد الرافدين حيث تناقلت الأجيال على مدار آلاف السنين قصص نجاحاته العسكرية وإنجازاته الخالدة.
صورة تعبيرية تجسد سرجون الأكدي
نارام سين حاكم للإمبراطورية الأكدية
مع وفاة سرجون الأكدي، عاشت الإمبراطورية الأكدية على وقع حالة من التخبط حيث قضى الحكام الجدد للبلاد جلّ أوقاتهم في القضاء على التمردات والثورات الداخلية. فعام 2779 قبل الميلاد، استلم ريموش مقاليد السلطة واضطر لقضاء عدّة سنوات من فترة حكمه في القضاء على تمردات المدن كما قاد حملة عسكرية على عيلام وذكر بإحدى الألواح الطينية أنه عاد غانما مظفرا حاملا معه كميات هائلة من الذهب لأكاد. وعقب رحيل ريموش، استلم شقيقه مانيشتوشو الحكم في حدود العام 2770 قبل الميلاد فاضطر بدوره لقمع حركات التمرد الداخلية وتوفي بعد نحو 15 عاما تاركا البلاد بين يدي ابنه نارام سين، الذي يعني اسمه المحبوب من إله القمر سين، حيث ورث الأخير إمبراطورية منهكة مزقتها الصراعات الداخلية.
وتماما كوالده وعمّه، اضطر نارام سين عند بداية فترة حكمه للقضاء على التمردات الداخلية التي عاشت على وقعها مدن عدة. وبينما توقّع كثيرون انهيار الإمبراطورية مع نارام سين، فاجأ الأخير الجميع حيث ازدهرت البلاد بشكل كبير خلال فترة حكمه التي استمرت لنحو 36 عاما.
نحت جداري لما يعتقد أنه أحد جنود نارام سين
انتصارات خالدة ومسلة بمتحف اللوفر
أثناء فترة اعتلائه للعرش، وسّع نارام سين حدود الإمبراطورية الأكدية عن طريق الحروب كما زاد من حجم التجارة وقاد بشكل شخصي حملات عسكرية اقترب من خلالها من بلاد مصر. ويذكر التاريخ أن نارام سين قد تقدم ضد الحوريين وبلغ أوركيش (Urkesh) شمالا كما شن حملات على عيلام وراء خليج العرب. إلى ذلك، قاد نارام سين جيشه نحو جبال زاغروس (Zagros) شرقا فتغلب على مجموعات لولوبي (Lulubi) وأجهز على ملكهم ساتوني (Satuni).
ولتخليد نصره على مجموعات لولوبي التي سكنت الجبال ووصفت بالهمجية من قبل الأكاديين، أمر نارام سين بتشييد مسلة توجد بيومنا الحاضر بمتحف اللوفر بباريس.
صورة لما يعتقد أنه رأس برونزي لسرجون الأكدي
وتجسد المسلة، حسب موقع متحف اللوفر، عظمة نارام سين الذي تميّز بحجمه الكبير مقارنة ببقية الرجال وارتدى على رأسه خوذة مخروطية الشكل زيّنت بقرنين لتجسيد ألوهيته. ويظهر بمسلة النصر نارام سين وهو يدوس برجليه على جثث أعدائه ويرنو بعينيه نحو قمة الجبل، أين توجد أقراص مضيئة لمباركة حملاته العسكرية، بينما يقف أمامه أحد اللولوبيين وهو مصاب برمح في عنقه ولجواره جندي آخر من العدو وهو يتوسل للإبقاء على حياته.
صورة كاملة لمسلة نارام سين الموجودة بمتحف اللوفر بباريس
غضب الآلهة
أثناء فترة حكمه التي استمرت لنحو 36 عاما، شغلت العديد من بنات نارام سين مناصب كاهنات بالمعابد. فضلا عن ذلك، تلقّب هذا الملك الأكدي بالعديد من الألقاب كانت أبرزها إله أكاد وملك جهات العالم الأربع وملك الكون.
عقب رحيل نارام سين، غاصت الإمبراطورية الأكدية في الأزمات لتعرف نهايتها بشكل سريع. وعلى حسب التدوينات البابلية القديمة، اتهم نارام سين بتدنيس المقدسات مما تسبب في غضب الآلهة التي صبّت جام غضبها على إمبراطوريته ووضعت حدا لها.
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.