إيران على مفترق طرق نووي.. بين التفاوض والمواجهة العسكرية
تشهد المنطقة العربية والعالم مشهداً إيرانياً بالغ التعقيد، حيث تقف طهران عند مفترق طرق حاسم بين خيار التفاوض لإنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي، وخيار التصعيد العسكري الذي تلوح به الولايات المتحدة وإسرائيل. يأتي هذا في وقت حرج حيث تقترب مهلة الـ60 يوماً التي حددتها واشنطن لنجاح المفاوضات،”ستنتهي في حزيران القادم”، والتي إذا فشلت قد تفتح الباب أمام خيارات عسكرية. فهل ستتمكن إيران من تفادي الحرب عبر المفاوضات؟ وهل هي قادرة فعلاً على خوض مواجهة عسكرية شاملة؟
يعود الجدل حول البرنامج النووي الإيراني إلى عقود، لكن نقطة التحول كانت في 2 أبريل/نيسان 2015 عندما وُقع “اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA) في لوزان بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا). هذا الاتفاق الذي استغرق التفاوض حوله 18 شهراً كاملاً، فرض قيوداً على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية.
لكن المشهد تغير جذرياً في 8 مايو/أيار 2018 عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق وفرض عقوبات قاسية على إيران في إطار ما سمي “سياسة الضغوط القصوى”. في حين ظلت الدول الخمس الأخرى في الاتفاق، حاولت إيران الصمود لمدة عام قبل أن تبدأ بالتراجع التدريجي عن التزاماتها.
ومن المعلوم أن الاتفاق سينتهي في يوم 18 أكتوبر 2025، وبالتالي تنتهي مفاعيله جميعها بما فيها توقف إيران عن تحجيم نشاطها النووي، إذ يتوقع المراقبون أن تستنفر الجمهورية الإسلامية نشاطها حتى تقارب إعلانها حيازة القنبلة النووية الرادعة والحامية لنظامها، وبالتالي ستكون تلك هي نقطة اللاعودة، التي لا تريدها إسرائيل ولا إدارة ترمب.
اليوم، تشير التقارير إلى أن إيران تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة أعلى بكثير من حد 3.67% المنصوص عليه في الاتفاق النووي، لكنها لا تزال أقل من عتبة 90% المطلوبة للاستخدام العسكري . وقد حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي مؤخراً من أن الجمهورية الإسلامية “ليست بعيدة أبداً” عن امتلاك قنبلة نووية.
في الوقت نفسه، تعمل إيران على تعزيز منشآتها النووية تحت الأرض، إذ تشير صور الأقمار الصناعية إلى تدعيم مجمعين من الأنفاق العميقة المتصلة بمنشآتها النووية الرئيسية، مما يزيد مخاوف الغرب من استخدام هذه المنشآت لتخزين اليورانيوم عالي التخصيب أو أجهزة طرد مركزي متقدمة.
في هذا الجو المشحون، بدأت سلسلة جديدة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بوساطة من سلطنة عُمان. عقدت الجولة الأولى في مسقط يوم 12 أبريل/نيسان 2025، والثانية في روما يوم 19 أبريل/نيسان، ومن المقرر أن تعقد الجولة الثالثة في مسقط مرة أخرى يوم 26 أبريل/نيسان.
وصف الطرفان الجولتين السابقتين بأنها “بنّاءة”، لكن من دون إعلان أي تقدم ملموس. وتجري المفاوضات في ظل تهديد أميركي صريح بأن طهران ستواجه عملاً عسكرياً يستهدف منشآتها النووية إذا فشلت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق خلال الـ60 يوماً المحددة.
لكن العقبة الكبرى تكمن في المطالب الأميركية التي تتجاوز بكثير ما وافقت عليه إيران في 2015. ففي حين يصر الرئيس ترمب على ضرورة أن يشمل أي اتفاق جديد تخلي إيران الكامل عن برنامجها النووي وتقليص قدراتها الصاروخية وتحجيم حضورها الإقليمي، ترى طهران أن هذه المطالب تمثل انتهاكاً لسيادتها وحقوقها المشروعة، وتصر على الحفاظ على قدراتها الدفاعية، وعلى ضمانات مكتوبة من قبل الولايات المتحدة لعدم انسحابها من الاتفاق القادم تحت أي ظرف.
في ظل هذا الجمود، يبرز سؤال ملح: هل ستلجأ الولايات المتحدة أو إسرائيل إلى خيار الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية؟
تشير المعطيات إلى أن الخيار العسكري ليس مجرد تهديد فارغ:
- الاستعدادات الإسرائيلية أجرت القوات الإسرائيلية مناورات في منطقة جبل الشيخ السورية على عمليات “الإسقاط الجوي”، كما تلقت مؤخراً 100 قنبلة خارقة للتحصينات من نوع BLU-109 من الولايات المتحدة، مما يشير إلى استعدادات عملية لضرب منشآت تحت الأرض.
- الموقف الأميركي: بعث ترمب برسالة مباشرة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي في مارس 2025 يحذره فيها من العواقب الوخيمة إذا لم تستجب إيران للمطالب الأميركية، مع إمهالها شهرين لتنفيذ هذه المطالب .
- الضربات الاستباقية: الهجمات الأميركية العنيفة ضد معاقل الحوثيين في اليمن في منتصف مارس 2025 تفسر على أنها رسالة تحذيرية لإيران بأنها قد تكون الهدف التالي .
لكن في المقابل، ثمة معوقات أمام الخيار العسكري، أبرزها:
- تعقيدات الضربة: المنشآت النووية الإيرانية منتشرة ومحصنة تحت الأرض، مما يجعل ضربها جميعاً مهمة معقدة.
- رد إيران المحتمل: عبر شبكة حلفائها في المنطقة (الحوثيون، حزب الله، الفصائل العراقية) أو عبر استهداف المصالح الأميركية مباشرة. وخصوصاً خضوع منطقة الخليج العربي الاستراتيجية للهيمنة الصاروخية الإيرانية.
- الانشغالات الأميركية: مع الأزمة الأوكرانية والتوتر مع الصين حول تايوان، قد تتردد واشنطن في خوض مواجهة جديدة.
لكن هل تملك إيران القدرة على خوض حرب شاملة؟
اقتصادياً: تعاني إيران من عقوبات خانقة تسببت في تدهور حاد في اقتصادها، لكنها تعلمت إلى حد ما التكيف مع الحصار عبر علاقات اقتصادية بديلة مع روسيا والصين ودول أخرى.
عسكرياً: تملك إيران شبكة معقدة من الحلفاء والوكلاء في المنطقة تمثل ما يسمى “الردع الأمامي”، كما طورت قدرات صاروخية متقدمة يمكنها أن تسبب أضراراً جسيمة لأعدائها 1. لكنها تبقى محدودة في مواجهة القوة الجوية الأميركية أو الإسرائيلية.
سياسياً: قد يوحد التهديد الخارجي الصفوف الداخلية مؤقتاً، لكن التحديات الاقتصادية والاجتماعية تبقى عوامل ضغط على النظام.
تبقى الخيارات بكاملها متاحة أمام المجتمع الدولي، ولعل الأسابيع القادمة ستكون حاسمة لجهة الضغط الأقصى لجميع الأطراف، لكن وبكل تأكيد لا يمكننا فصل التحولات الكبرى التي تجري في الشرق الأوسط عن الملف الإيراني الذي سيكون بمنزلة تتويج لعملية التغيير الشاملة في الشرق الأوسط الذي يريدونه جديداً، في الظاهر فقط على ما يبدو.
#إيران #على #مفترق #طرق #نووي. #بين #التفاوض #والمواجهة #العسكرية
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.