بين الريادة والتحدي.. ما حجم الاستثمارات السورية ومساهمتها في الاقتصاد المصري؟
أثبت السوريون في مصر قدرة لافتة على الاندماج في الاقتصاد المصري، وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية للنمو والمساهمة في التنمية المحلية، وشكلت تجربتهم مثالا حيا على دور اللاجئ كقوة إنتاجية.
يبلغ حجم الاستثمارات الرسمية للسوريين في مصر نحو 800 مليون دولار أميركي، وفقا لتقارير صادرة عن هيئة الاستثمار المصرية.
استثمارات ضخمة
على الرغم من أن العديد من استثمارات السوريين في مصر لا تدخل ضمن الإحصائيات الرسمية لأن أغلبها مسجلة بأسماء مصريين لأسباب قانونية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن حجم رؤوس الأموال السورية في مصر تجاوز مليار دولار خلال العقد الماضي.
وتؤكد بيانات صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن السوريين ضخوا نحو 800 مليون دولار على الأقل في السوق المصري بين عامي 2012-2023، من خلال تأسيس ورشم ومصانع ومحال تجارية.
وفي تصريحات سابقة لرئيس تجمع رجال أعمال السوريين في مصر، خلدون الموقع، أكد أن عدد الورش والمصانع التي أنشأها السوريون يتجاوز 5000 منشأة، تنتشر في مناطق صناعية رئيسية مثل العاشر من رمضان، و”ستة أكتوبر” وشبرا الخيمة.
هذه المنشآت لا تمثل فقط استثمارا ماليا، بل أيضا خبرة تراكمت لعقود في قطاع النسيج والألبسة، حيث يمتلك السوريون سجلا طويلا من التجربة في هذا المجال.
من الشام إلى المحروسة: تجربة غذائية ناجحة
منذ السنوات الأولى للجوء، لفت السوريون الأنظار عبر قطاع الخدمات الغذائية، حيث افتتحوا مطاعم صغيرة سرعان ما تحولت إلى سلاسل ناجحة تقدم مأكولات شامية بجودة عالية وسعر مناسب.
من حي الحصري في منطقة 6 أكتوبر إلى شارع عباس العقاد في مدينة نصر بالإضافة إلى المدن الجديدة والمحافظات المتعددة، أصبحت لافتات مثل “سوريانا، والجناني، وابن الشام” مألوفة للمصريين، الذين وجدوا في الطعام السوري مزيجا من الجودة والذوق والتنوع.
يقول صلاح الطهاوي، سوري وصاحب سلسلة مطاعم في محافظة الإسكندرية، بدأنا بمطعم واحد، ولكن بعد أن لاقت وجباتنا إقبالا بين المصريين، طورنا عملنا ولدينا الآن 3 فروع في أنحاء المدينة.
ولا تقتصر القصة على الطعم فقط، فالمطاعم السورية خلقت فرص عمل واسعة، كما ساعدن على إحداث حالة من التنافس الإيجابي في القطاع، دفعت بعض المطاعم المصرية لتطوير خدماتها، كذلك، نقل السوريون معهم مهارات تنظيم المطابخ والعمليات اللوجستية، وهو ما جعل هذه المشاريع أكثر كفاءة وربحية.
يقول هاني سيد، مصري يعمل في مطعم سوري، غالبية العاملين في المطاعم السورية من الجنسية المصرية، وهو ما فتح لما فرص عمل كثيرة، كما أننا نلقى أفضل معاملة منهم، والأجور عادلة.
كما أنشأ السوريون في مصر مصانع للأغذية والمعلبات، وافتتحوا فروعا لمصانع كانت في دمشق وأخرى في تركيا تخصص بهذا المجال ولاقت منتجاتها رواجا بين المصريين مثل منتجات الدرة، وقهوة الحموي وغيرها.
الصناعة ترفع الراية
إلى جانب الطعام، كان للسوريين حضور لافت في قطاع الصناعات التحويلية، وبالأخص النسيج الألبسة الجاهزة.
تنتج مصانع سورية في مصر اليوم أكثر من 100 مليون قطعة ملابس شهريا، تسوق في الأسواق المحلية وبعضها يصدر إلى الخارج، خاصة في الأسواق الإفريقية والعربية.
يمتلك السوريون في هذا المجال خبرة عميقة تعود لعقود من العمل في معامل حلب ودمشق، واليوم، يستفيد الاقتصاد المصري من هذه الكفاءات، إذ أعادت هذه المصانع الحياة لقطاعات كانت تواجه ركودا، وأسهمت في تقليل الفجوة بين العرض والطلب المحلي في قطاع الملابس، خاصة في ظل تراجع الإستيراد بسبب ارتفاع سعر الدولار.
محمد زين صاحب محل أقمشة في مصر يقول لموقع “تلفزيون سوريا” بعد أن توقف الإستيراد، كانت الفرصة متاحة بشكل أكبر أمام السوريين لإنتاج منتج محلي، وهو ما عزز نجاحنا، كما أن العديد من المعامل المصرية و”البراندات” تستعين بنا لتأمين القماش.
فرص عمل ومنافع مزدوجة
أحد أبرز جوانب التأثير الإيجابي للسوريين يتمثل في توفير فرص العمل للمصريين، فوفقا لتقارير صحفية وأيضا بعض التجار السوريين، فإن نسبة العاملين المصريين في المشروعات السورية تتجاوز 50% بل وتصل في بعض الحالات إلى 70% من إجمالي العاملين.
وتتنوع الوظائف بين العمل في المطاعم، والمحال التجارية، إلى جانب فرص التدريب المهني.
هذا التداخل العملي عزز من التفاهم الثقافي والاجتماعي، وأسهم في اندماج السوريين بشكل طبيعي في المجتمع المصري، مع الحفاظ على خصوصيتهم الثقافية.
كما أن أغلب أصحاب الأعمال السوريين يلتزمون بدفع أجور عادلة وتوفير بيئة عمل مناسبة ومستقرة بحسب بعض العمال المصريين، ما جعلهم يكتسبون سمعة إيجابية لدى فئات واسعة من المجتمع.
هناء يسري، مصرية تعمل في مصنع سوري تقول، على الرغم أن ساعات العمل طويلة إلى أن السوريين يدفعون أجور مناسبة، ويمنحونا أيضا مالا إضافيا في الأعياد والمناسبات، كما أنهم محترمون في التعامل مع العاملين بغض النظر عن جنسيتهم.
وفي السنوات الأخيرة، أبدت الحكومة المصرية انفتاحا تجاه الاستفادة من التجربة السورية، وقد أعلنت عن وزارة الصناعة والتجارة عن نيتها دراسة إنشاء منطقة صناعية متخصصة لرجال الأعمال السوريين في مجال النسيج، وذلك بعد نجاحات متكررة على الأرض، ولكن لم ينفذ المشروع إلى الآن.
عودة مؤجلة
مع استقرار عشرات الآلاف من المستثمرين في مصر، وتمكين عملهم فيها على مدار سنوات الحرب، بات من الصعب أن ينتزع السوريون نجاحهم ويعودوا بشكل مفاجئ، خصوصا أن الأوضاع في الداخل ما زالت غير واضحة، بينهم من ينتظر أن تتضح الرؤية أكثر، والبعض يريد أن يوسع أعماله لتشمل سوريا مع الاحتفاظ بمشروعاتهم في مصر.
رامز أبو المجد، سوري يعمل في مجال تصنيع الأثاث، يقول، مصنعنا في سوريا تدمرت، وأسسنا في مصر من الصفر، لن نتمكن الآن من العودة وإعادة ترميم المصنع والمنزل، أعتقد أن الأمر يحتاج سنوات لأعود.
بدوره يحيى محمد، سوري وصاحب مطعم يقول، أفكر أن أفتح فرعا في دمشق بعد أن تستقر الأوضاع وأتنقل بينها وبين القاهرة، ولكن لن أترك عملي الذي أسسته منذ سنوات، وأغلب العاملين لدي من المصريين وهناك عائلات تسترزق من هذا المشروع.
#بين #الريادة #والتحدي. #ما #حجم #الاستثمارات #السورية #ومساهمتها #في #الاقتصاد #المصري
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.