جاري التحميل الآن

معرض دار “المدى” أم معرض أربيل للكتاب؟

معرض دار “المدى” أم معرض أربيل للكتاب؟

في صيف 2024 صدر عن دار “المدى” العراقيّة كتاب بعنوان “ثلاثيّة: الفساد، الإرهاب، الطائفيّة” لصاحب ومدير مؤسسة المدى للثقافة والفنون في العراق. لا شكَّ أن مناقشة ثالوث الرُّعب والخراب هذا، وما فعله ويفعله في منطقة الشّرق الأوسط، وفي طليعتها سوريا والعراق، لأمرٌ في غاية الأهميّة بالنسبة إليَّ وإلى الكثيرين. وهذا الثالوث الخبيث وصُنّاعه من الأنظمة والأحزاب والشخصيّات، أشبع بحثًا ونقدًا وتحليلاً. لذا، هذا الكتاب رغم عدم اطلاعي على مضمونه، أقرُّ سلفًا بأهميَّته وضرورته. كذلك الغلاف الذي يتضمّن صورة كرسي، وأعتقد أنّه المقصود به؛ كرسي المنصب أو الحكم، كان مهمًّا وناجحًا.

***

تشهد مدينة أربيل (هولير) عاصمة إقليم كردستان العراق الفيدرالي هذه الأيّام تظاهرة ثقافيّة بدأت في 9 من شهر أبريل الجاري ولغاية 19 منه، هذه التّظاهرة باتت تُعرف على أنّها “معرض أربيل الدولي للكتاب”. افتتح المعرض الزَّعيم الكردي والرَّئيس السَّابق لإقليم كردستان، السيّد مسعود بارزاني، إلى جانب المدير العام وصاحب مؤسَّسة المدى العراقيّة، السيّد فخري كريم “زنكنه”. والسُّؤال الرَّئيس لهذه الأسطر: هل المعرض بالفعل معرض أربيل الدولي للكتاب؟ أم معرض دار المدى العراقيَّة الدولي للكتاب في أربيل؟

وقبل الخوض في محاولة الإجابة على السُّؤال السَّالف الذِّكر، لا مناص من الإشارة إلى النِّقاط التَّالية والتأكيد عليها:

  • أوّلاً: المعارض في العالم العربي تنظّمها وزارات الثّقافة وليس دور النّشر، لأنّ الأخيرة ستدخل في تضارب مصالح مع دور نشر أخرى على المستوى المحلّي والعربي والدولي. ويمكن لدار نشر أن تكون من ضمن الجهات الرَّاعية أو الدّاعمة لمعرض دولي للكتاب، إذا كانت تمتلك ميزانيّات كبيرة تخوّلها للقيام بذلك، شريطة ألاَّ تنفرد في الإعداد والتحضير والتنظيم!
  • ثانيًا: المعارض الدُّوليَّة للكُتب هي منصّات ثقافيّة فكريَّة علميَّة، صحيح أنَّ الهدف الاستراتيجي منها التّرويج للكتاب والمؤلِّفين والمبدعين والمبدعات والحضِّ على القراءة في المجتمعات وبين الأفراد وحسب، لكن هناك هدف آخر لا يقلُّ أهميّة واستراتيجيّة عن الأوّل، وهو عرض تجارب تلك البلدان على الصّعيد الإداري والسّياسي والاقتصادي والتّنموي والنّضالي…الخ. وعليه؛ إلى أيّة درجة سعى معرض أربيل الدّولي إلى التّعريف بالتّجربة الكرديّة في إقليم كردستان العراق، على صعيد الحوكمة والتّنمية وإظهار النّضال التّحرري القومي والسّياسي والاجتماعي الكردي والتّعريف به، سواء داخل العراق أو في العالم العربي؟ هذا الهدف النّبيل ينبغي ألاّ يغيب عن البرامج الثّقافيّة التي قدّمتها دورات المعرض السّابقة وصولاً للدّورة السّابعة عشرة الأخيرة. وإذا كانت الإجابة؛ نعم، لم يتجاهل أو يغفل معرض أربيل الدّولي للكتاب هذا الجانب المهم في دوراته الـ17، على صعيد البرامج والشَّعارات والندوات والضّيوف…، فلماذا لا نرى دعمًا للتجربة الفيدراليّة الكرديّة في الأوساط الثقافيّة العراقيّة والعربيّة، أقلّه في الأوساط الثقافيّة والفكريّة العربيّة؟!
  • ثالثًا: جرت العادة وطبقًا للتّقاليد المعتمدة لدى معارض الكتب في العالم العربي أن يكون هناك ضيف شرف سنوي على مستوى الدُّول. بمعنى، أن يكون العراق ضيف شرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب، أو أن يكون لبنان ضيف شرف على معرض الجزائر أو العكس… وهكذا. ولو التزمت إدارة معرض أربيل الدولي للكتاب بهذا المبدأ والتّقليد واستضافت في كلّ دورة دولة عربيّة لشهدنا حلول نحو 15 دولة عربيّة بمثقفيها وأدبائها ومبدعيها ضيوفًا على إقليم كردستان العراق، ولساعد ذلك في التّعريف بالإقليم الكردستاني والنّضال التّحرري الكردي، وبالأدب والثّقافة والهويّة الكرديّة في 15 دولة عربيّة على أقلّ تقدير. هل يمكن لقيادة الإقليم تصوّر حجم العوائد والمردود الإيجابي سياسيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا على كردستان العراق، في حال لو التزمت إدارة معرض أربيل بذلك؟ والسُّؤال: هل تجهل مؤسّسة المدى هذا الأمر؟ قطعًا لا. لأنّ دار المدى دائمة الحضور والمشاركة في معارض الكتب في البلدان العربيّة، وتعي أهميّة حلول أيّة دولة عربيّة أو أجنبيّة كضيف شرف على معرض أربيل كلّ عام!
  • رابعًا: ماذا قدّمت مؤسّسة المدى للغة الكرديّة، للثّقافة الكرديّة من خدمات على صعيد الطَّباعة والنّشر والتّسويق؟ هل هناك أقسام خاصّة باللغة الكرديّة في الصُّحف والمجلاّت الصّادرة عن مؤسّسة المدى؟ كم عدد الكتب التي طبعتها دار المدى باللغة الكرديّة، سواء منها المكتوبة بالأحرف العربيّة (الصُّورانيّة) أو الأحرف اللاتينيّة (الكرديّة – الكورمانجيّة)؟ هل يمكن تقديم أرقام موثّقة بهذا الخصوص؟
  • خامسًا: مؤسّسة المدى لصاحبها فخري كريم (الجهة المنظّمة لمعرض أربيل) لا علاقة لها بتنظيم معرض بغداد الدولي للكتاب، وتشارك في معارض الكتب في البلدان العربيّة كأيّ دار نشر متواضعة (وقد رأيت ذلك في معارض القاهرة، الشّارقة، تونس) لكن دار المدى، تظهر في معرض أربيل بمظهر الإمبراطور الآمر النَّاهي، وجناح دار المدى أكبر أجنحة المعرض، وأكبر من جناح وزارة ثقافة إقليم كردستان في معرض أربيل! ألا يفتح ذلك قوسًا للتساؤل لدى أصحاب القرار في كردستان؟

بعض التفاصيل

بحسب ما نشره موقع قناة (كردستان 24)، شارك في دورة 2023 من المعرض 350 دار نشر[1]. وبحسب القناة نفسها “كان المعرض في العام الماضي (2024) قد شهد مشاركة 300 دور نشر من 10 دول”[2]. بينما يشير الموقع الرسمي للمعرض إلى مشاركة نحو 220 دار نشر في دورة هذا العام من معرض أربيل الدولي للكتاب[3]. كما ذكرت صفحة معرض بغداد الدولي للكتاب على الفيسبوك أن نحو 200 دار نشر شاركت في معرض أربيل[4]. من 350 دار نشر إلى 220، هذا مؤشّر واضح على تراجع مستوى المشاركة. لكن، يبدو أنّ وزارة الثقافة الكرديّة وقيادة الإقليم لا يهمّها معرفة أسباب هذا التّراجع!

وبحسب موقع “ويكيبيديا”؛ بدأ معرض أربيل الدولي أولى دوراته سنة 2006[5]. لكن الموقع الرَّسمي للمعرض لا يشير إلى ذلك، بل يكتفي بذكر سنة 2008 التي حصلت فيها دار المدى على امتياز إدارة المعرض، وتتجاهل دورتي 2006 و2007 التي نظّمتهما دار “الذاكرة” العراقيّة بإدارة د. عصام خضير. والأخير هو صاحب فكرة معرض أربيل الدولي للكتاب، وليس فخري كريم.

زد على هذا وذاك، الموقع الرَّسمي لـ”معرض أربيل الدولي للكتاب” وفي أيقونة “من نحن” لا يتحدّث عن المعرض وفكرته ودوراته وهويّته…الخ، بل يتحدّث عن مؤسسة المدى وتفاصيلها وأعوام تطوّر المؤسّسة ومشاريعها وأفرعها ومنصّاتها. يعني الدّعاية والتّرويج والتّصدير لمؤسّسة المدى، وليس لمعرض أربيل الدولي للكتاب[6].

فخري كريم زنكنه

يمكن لمَن يهمّه الأمر الحصول على معلومات عامّة حول سيرة وتجربة صاحب ومدير مؤسّسة المدى العراقيّة للثّقافة والفنون فخري كريم، وليس هذا مقصد ومقام هذا المقال. لكن، يمكن العودة إلى بعض التّفاصيل التي ربّما نسيها أو تناساها بعض المثقفين العرب والكرد على حدٍّ سواء، بهدف إعادة تشكيل صورة جديدة وتصوّر مختلف عن تجربة هذا الرّجل، بمعزل عن الصّورة النمطيّة المصدّرة له باعتباره مثقف تنويري نهضوي وراعي الثقافة والأدب والمثقفين والأدباء…الخ!

في 19/5/2007 كتب سماح إدريس؛ رئيس تحرير مجلّة “الآداب” اللبنانيّة مقالاً مطوّلاً بعنوان “نقد الوعي النقدي: كردستان العراق نموذجًا” ونشرته “الآداب” كافتتاحيّة عدد شهري مايو/ينويو 2007. تلك المقالة وما أثارته من ردود أفعال متضامنة مع إدريس أو مناهضة له، وأخرى متضامنة من كريم ومناهضة له، تلك المقالة يمكن اعتبارها المواجهة السِّياسيَّة والقانونيّة الأولى بين داري نشر عربيتين؛ “الآداب” اللبنانيّة العتيقة التي تأسست سنة 1956 وما لها من إرث ثقافي كبير، و”المدى” العراقيّة الحديثة العهد والنِّعمة التي تأسست سنة 1993. ما يعني أنّه عندما تأسست دار “الآداب” اللبنانيّة كان عمر فخري كريم وقتذاك 14 عامًا. مقالة سماح سهيل إدريس تلك والتي انتقدت طيفًا واسعًا من الأسماء والشخصيّات والأحزاب والمؤسّسات والمثقفين، فقط فخري كريم اعتبر المقالة من طينة القدح والذم، والسَّب والشَّتم والإهانة التي طاولته في سمعته وكرامته! ورغم أن كميّة الانتقادات التي وجهها سماح إدريس إلى الزَّعيمين الكرديين؛ مسعود بارزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) وجلال طالباني (الرئيس العراقي الأسبق) كانت تفوق بكثير الانتقادات التي وجهها لفخري كريم، إلاّ أنَّ الزَّعيمين الكرديين لم يحرّكا أيّة دعاوى قضائيّة ضدّ سماح إدريس ومجلّة الآداب.

بعد مرور ثمانية عشر عامًا على المقالة السّالفة الذّكر، عدتُ لقراءتها كلمةً كلمةً، سطرًا سطرًا، وبصرف النّظر عن مدى الاختلاف أو الاتفاق مع الرّاحل سماح إدريس، فإنّ الانتقادات الواردة فيها كانت ثقافيّة – سياسيّة وفكريَّة ولا تستوجب تقديم شكاوى أو رفع دعاوى قضائيّة ضد كاتبها، وكان بالإمكان أنّ يردَّ عليها كريم بالأسانيد والوثائق والمعطيّات التي تبرِّئ ساحته وذمّته والتي تفنّد ما ورد تلميحًا في مقالة إدريس لجهة شبهات الاختلاس المالي التي تحوم حول فخري كريم وتصرُّفهِ بأموال الحزب الشّيوعي العراقي. لكن كريم لجأ إلى القضاء اللبناني مطالبًا إدريس بتقديم الأدلّة والوثائق على شبهاتهُ، ولم يقدّم كريم نفسه الأدلّة الوثائق التي تبدد وتطيح بتلك الشّبهات!

وممّا جاء في مقال سماح إدريس: “إن شبكة الانترنت تكاد تختنق بما يكتب دوريًا عن هذا الزّميل النّاشر. وكثير من الأخبار والتّعليقات مكتوب بالعربيّة، إن كان مثقفونا ومراسلونا لا يتقنون لغات أخرى. فإذا كانوا ما يزالون يجهلون استخدام الانترنت أيضًا وهو أمر مشكوك فيه، فيكفي أن يلتقوا بأيّ شيوعي عراقي، مخضرم نظيف من حزب الرّفيق فهد، ليعلموا أين آلت أموال الحزب الشّيوعي العراقي، أموال الفقراء والطّلاب وعائلات الشّهداء، وأموال مجلّة النّهج ودار المدى، وليعلموا صلات بعض الشّيوعيين العراقيين القدامي / الجدد بمخابرات صدام نفسه في السّتينيات والسّبعينيات، فضلاً عن المخابرات العربيّة والأميركيّة والبريطانيّة في ما تلا ذلك من عقود. أم أنَّ ذلك كلّه لا يهم ما دام بعض المتموّلين العراقيين الكبار، الحديثي النّعمة، يقيمون المهرجانات الثّقافيّة، ويدعمون الثّقافة الشّعبيّة بكتاب مجّاني يوزّع بالملايين كلّ شهر، ويقيلون عثرة بعض الشّيوعيين السّابقين من قرَّروا لحس ماضيهم و«محاكمة» ماركس ولينين والإشادة بالديموقراطية العراقية الجديدة؟”[7]… انتهى الاقتباس.

لو كان سماح إدريس حيًّا وزار كردستان العراق سواء بمهمّة صحافيّة أم كسائح، لراجع مقاله المذكور، وخفَّف من جرعة النَّقد الموجّهة لقيادة إقليم كردستان العراق وللتَّجربة الكرديّة هناك، ولزادَ من جرعة النَّقد الموجّهة لفخري كريم. ولو رفع فخري كريم دعوى ضدَّ إدريس في 2025 بعد سقوط نظام الأسد في سوريا ولبنان، لرفضت المحكمة اللبنانيّة شكواه شكلاً ومضمونًا. أقول قولي هذا، لثقتي بأن القضاء اللبناني تحت حكم النّظام السّوري – اللّبناني كان مسيّسًا ومجيّرًا لصالح الطُّغمة الفاسدة الحاكمة في دمشق وبيروت سنة 2007 وقبل ذلك. ومعلوم علاقة فخري كريم بالنظام السّوري ومخابراته منذ عهد الأسدين الأب والابن، حيث كشف كريم نفسه في لقاء على قناة العربيّة / برنامج “إضاءات” (30/1/2008) مع تركي الدخيل، بأنَّه وحزبه تلقّى دعمًا من حافظ الأسد قيمته 200 ألف دولار لصالح إعلام الشّيوعي العراقي الذي كان يديره كريم[8]. بينما في الحوار الذي أجراه معه رئيس تحرير صحيفة “الشَّرق الأوسط” غسّان شربل، ونشتره الصّحيفة في 18/6/2024 ذكر فخري كريم أنّه تلقّى 400 من نظام حافظ الأسد خلال ثلاثة أشهر. وأشار إلى حجم علاقته بنظام الأسد على الصّعيد الشّخصي والأمني والحزبي[9]! والسّؤال: ألم يكن يعرف كريم أنَّ حافظ الأسد طاغية، شأنه شأن صدام حسين، وربّما أكثر فظاعة وبشاعة؟ أم أنّ الطّاغية إذا كان كريمًا مع فخري كريم و”حزبه” يتحوّل إلى زعيم تحرري ووطني وديمقراطي وأممي وإنساني؟!

ردود أفعال شيوعيّة

في غضون الجدل والاستقطاب اللذين أحدثتهما مقالة سماح إدريس وقتئذ، وبيان التّضامن مع فخري كريم، الذي وقّعه ثلاثة من قيادات الشّيوعي العراقي، كتبَ باقر إبراهيم العضو السّابق في المكتب السّياسي للحزب الشيوعي العراقي مقالاً في جريدة “القدس العربي” يوم 16 أبريل 2008[10]، ردَّ فيه على بيان القياديين الشّيوعيين الثّلاثة، وأعاد إثارة الشّبهات التي تلاحق فخري كريم منذ السّتينات، وكرر الحديث حول التّلاعب بمالية الحزب في السّبعينيّات والثّمانينيّات وحتّى منتصف التّسعينيّات. وذكر باقر إبراهيم معلومات أكثر خطورة ممّا ذكره سماح إدريس في مقاله. وممّا قاله إبراهيم: “الحق أنّ جميع التبرّعات والهبات المليونية التي دُفعت للحزب الشيوعي، والتي أعلن عنها فخري كريم في حديثه مع قناة العربية مؤخّراً، تُعلَن رسمياً للمرة الأولى! وأنا، كعضو في المكتب السياسي، وبصفتي المسؤول الأول عن التنظيم في الحزب، أذكر أنه لم تُعرض علي المكتب السياسي تلك الهباتُ المليونية، ولا أسماءُ مَن سُجِّلت الأرصدةُ بأسمائهم، ولا المنشآت التي يمتلكها الحزب! إنّ كل ذلك كان موضعَ خلاف داخل القيادة. وكنتُ مع آخرين نرى أنّ المال السائب يغري بالسرقة. كانت كلُّ التبرّعات والهبات التي دُفعت للحزب الشيوعي العراقي من أحزاب صديقة ورؤساء دول أو مؤسسات أو شخصيات، سواء بادر إلي جمعها فخري كريم أو سواه من أعضاء القيادة، هي ملكٌ الحزب ولا تجوز لفرد فيه. والحال أنه لا يجوز لمن يتقدّم لجباية تلك التبرعات والهِبات باسم الحزب، وهو الحافي بالأمس، مثلي ومثل الآخرين، أن تكون له امبراطوريةٌ إعلاميةٌ مليونية، يَعرف الناسُ لافتاتِها وعناوينَها ولا يعرفون خزائنَها!” والكلام لباقر إبراهيم.

تجب الإشارة إلى أنّ بعد وفاة القيادي السّابق باقر إبراهيم الموسوي، نعاه المكتب السّياسي في الحزب الشّيوعي العراقي في بيان رسمي أصدره يوم 28/4/2024، ونشر الحزب بيان النّعي وبرقية التّعزية على موقعه الرّسمي[11]. وهناك قيادات شيوعيّة عراقيّة أخرى انتقدت فخري كريم وأثارت حوله الشّبهات، وذكر باقر إبراهيم بعض الأسماء في مقالته. والسُّؤال: هل اقتصر الأمر على الشّيوعيين العراقيين؟ طبعًا لا.

القيادي الشّيوعي وعضو اللّجنة المركزيّة في الحزب الشّيوعي الأردني وممثّل الحزب في دمشق سمير حنّا حدَّاد (أبو سلام) سنة 2009 وتحت عنوان “الأردن من نافذتي” نشر مذكراته في دمشق لدى دار نشر وهميّة الاسم، تحسُّبًا لردود الأفعال الغاضبة المتوقّعة، بخاصّة من فخري كريم وعلاقاته المتشعّبة والأخطبوطيّة بالأوساط السّياسيّة والأمنيّة في سوريا. تحدّث سمير حدّاد في كتابهِ عن عمله في مجلس إدارة مجلة “النهج” التي كانت تصدرها الأحزاب الشُّيوعيّة العربيّة عبر مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكيّة، منتدبًا من حزبه الشّيوعي الأردني، وكان فخري كريم يرأس مجلس إدارتها. وذكر حدَّاد أنّه تعرّض لمحاولة اغتيال في موسكو، مشيرًا بأصابع الاتهام لفخري كريم، لأنَّ حدَّاد طالبه في اجتماع لهم بالكشف عن الأموال والإعانات التي تتلقاها المجلّة (النّهج) وأوجه صرفها، وذكر أنَّ فخري كريم غضب بشدّة تاركًا الاجتماع! وكشف في مذكّراته تلك أنَّه كان يعاني من مرض مزمن، وراجع أحد مستشفيات موسكو، فطمأنه الطّبيب؛ أنَّ حالته مستقرّة ولا يحتاج لأيَّة علاجات أخرى سوى الأدوية التي يتناولها، وطلب له تحاليل إضافية من باب الاطمئنان أكثر. وأثناء عودته بعد أيّام إلى المستشفى مراجعة طبيبه ومعرفة نتائج فحوصاته الجديدة، تفاجأ حدَّاد بوجود شخص، (لا يذكر اسمه)، كان معروفًا عنه أنّه يعمل مُخبرًا لفخري كريم، ثم تفاجئ أكثر بكلام طبيبه؛ أنَّ حالته خطرة جدًّا، وبحاجّة ماسّة على وجه السرعة لعمليّة جراحيّة! استغرب حدَّاد من تغيير الطّبيب رأيه، وشكَّ أكثر بوجود ذلك الشّخص المشبوه في المستشفى، ما دفعه إلى رفض العمل الجراحي، لأنّه يمارس حياته الطبيعيّة، ولم تظهر عليه حتى تلك اللحظة أيّة دلائل أو أعراض تشير إلى تدهور محتمل لصحّته. وتوفّي سمير حدّاد سنة 2014 عن عمر يناهز الـ74 عامًا، بعد مرور خمس سنوات على نشره مذكّراته، وأكثر من عقدين على تحذير ذلك الطّبيب له!

الغريب أن سمير حدّاد أشار في كتابه إلى أنّ وصال بكداش (1930-2013) ذكرت له: إنَّ خالد بكداش زعيم الحزب الشّيوعي السُّوري، هو أيضًا تعرَّض لمحاولة اغتيال من ذلك النوع، وقف خلفها فخري كريم! علمًا أن وصال بكداش لم تعترض على ما ورد في كتاب سمير حداد المنشور سنة 2009 في دمشق! زد على ذلك، فخري كريم لم يرفع دعوى أمام القضاء الأردني ضد سمير حنّا حدّاد رفيقه وزميله السّابق، ولم يرفع دعوى على باقر إبراهيم الموسوي أيضًا كما هدّد ووعد في برنامج “إضاءات”! ذلك أنّ كريم دأب على إشهار رفع الدّعاوى القضائيّة ضدّ منتقديه، من دون إشهار الوثائق الدّامغة التي تبرّئ ذمّته المالية، موضوع الشّبهات التي تحوم حوله والانتقادات التي توجَّه إليه. لكن اكتفى برفع دعوى على سماح إدريس لأنّ الأخير يدير مؤسّسة ثقافيّة عريقة، ويرأس تحرير مجلة شديدة الأهميّة هي مجلّة “الآداب” اللبنانيّة. وغالبُ الظَّنِّ أن فخري كان بحاجة إلى حكم قضائي لصالحه يستخدمه كسند وبرهان على براءته من تلك الشُّبهات، بدلاً من المواجهة بالكشف عن مصادر تمويله وآليات صرفها التي طالب بها رفاقه الشُّيوعيون من العراقيين والعرب!

المعرض

بالعودة إلى معرض أربيل أو معرض فخري كريم في أربيل، الفكرة كانت للدكتور عصام خضير؛ مالك دار “الذاكرة” العراقيّة، وقام بتنظيم الدورتين الأولى والثانية للمعرض (2006-2007)، وكان خضير يقدِّم مبلغ 200,000 مائتي ألف دولار لوزارة المالية في إقليم كردستان كرسوم إيجار قاعة المعرض، وبحسب المعلومات التي وردتني أنَّ دور النّشر الكرديّة لم تكن تدفع رسم الاشتراك واستئجار جناح في المعرض، بناءً على اتفاق بين خضير ووزارة الثقافة في إقليم كردستان، في عهد وزير الثقافة السّابق فلك الدين كاكائي. وكان عصام خضير بصدد التّحضير للدّورة الثّالثة لمعرض أربيل الدولي للكتاب، والتقى بمحمد عبد اللطيف رئيس اتحاد النّاشرين العرب في نهاية 2007، الذي دعا إلى اجتماع المكتب التنفيذي، وجرى الاجتماع وقرّر الاتحاد السّوري للنّاشرين المشاركة في دورة 2008، لأنّه لم يشارك في الدَّورتين السّابقتين. لكن بعد مضي أيَّام قليلة، جاء موظف من دار المدى ومعه دعوات الاشتراك في معرض أربيل. وعندما علم فخري كريم بزيارة عصام خضير لدمشق واجتماعه مع رئيس اتحاد الناشرين العرب، اتصل بعبد اللطيف ووضعه في صورة التطّورات المستجدّة وأنّ دار المدى استحوذت على المعرض بشكل نهائي. وجرت الدّورة الثّالثة للمعرض سنة 2008، ولم يشارك وزير الثقافة فلك الدين كاكائي في افتتاح المعرض، ولم يدخل قاعة المعرض نهائيًّا. وفُهِمَ من ذلك أنّ كاكائي اعترض على التفاف فخري كريم على وزارة الثقافة والوصول إلى رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، واستثمر علاقته الشّخصيّة مع بارزاني وجلال طالباني ليضع كريم يده وأيدي مؤسّسته على معرض أربيل، ويكون دور وزارة الثقافة الكرديّة شكليًا لزومَ ما لا يلزم. هذا السُّلوك (الملتوي) اعتبره كاكائي إهانة له وللوزارة، ذلك أن الاتفاق كان مع عصام خضير ودار الذّاكرة، وأنّ تعامل دار المدى لم يكن أصولاً مع وزارة الثقافة والوزير، بل عبر فرض أمر واقع واستغلال فخري كريم علاقته المباشرة مع الرّئيس العراقي جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني.

وتجب الإشارة هنا إلى أن كريم نظّم أسبوع المدى الثقافي سنة 2007 في أربيل ودعا إليه أكثر من 800 شخصيّة وكاتب وأديب وشاعر وباحث…، كنوع من الاستعراض والمكاسرة الثقافيّة والمضاربة على أيّ منافس له في الاستحواذ على سوق الثّقافة والنّشر وصناعة الكتاب في كردستان والعراق، ونجحت مساعيه في الحصول على امتياز تنظيم معرض أربيل الدولي للكتاب وجعله معرض دار المدى الدولي للكتاب في أربيل! من دون السَّهو عن أنَّ فخري كريم وقتها كان مستشارًا للرَّئيس العراقي ليس للشّؤون الثقافيّة، بل كان يكلّفه طالباني في قضايا ومهمّات أمنيّة حسّاسة غاية في السرِّيَّة اعتمادًا على شبكة علاقات فخري كريم مع النّظامين في سوريا وإيران وبلدان أخرى. وقد كشف كريم نفسه عن جانب من تلك العلاقات في حواره مع جريدة الشرق الأوسط، كما أسلفنا. وفقد كريم و”ظيفته” كـ “كبير مستشاري” جلال طالباني سنة 2014 (بعد استمرارهِ فيها ثمانية أعوام)، بخروج طالباني منصبه. وسرت شائعات في فترات مرض جلال طالباني، بخاصّة منها الأخيرة، أنّه رُبّما تعرّض لمحاولة تسميم! لكن المشترك بين فخري كريم وجلال طالباني أنّهما تعرّضا لمحاولات اغتيال عديدة، ونجيا منها “بأعجوبة”!

وإذا كان د. عصام خضير قد دفع لوزارة المالية في كردستان مبلغ 200 ألف دولار، كرسوم وضرائب لقاء تنظيمه معرض أربيل الدولي للكتاب في دورتي 2006-2007، فكم المبلغ الذي يدفعه فخري كريم لوزارة المالية في حكومة إقليم كردستان؟! والسؤال المحوري والرئيس؛ ألم يحن وقت فتح ملف معرض أربيل الدولي للكتاب، وإجراء جردة حساب نقديّة حيال الوائد والمنافع الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي ينجيها إقليم كردستان العراق من إدارة فخري كريم لهذه المعرض منذ 2008؟

على ضوء ما تمَّ ذكره، وبالعودة إلى كتاب “ثلاثيّة: الفساد، الإرهاب، الطّائفيّة” لفخري كريم، ومن دون قراءة محتواه التّحليلي والبحثي والنّقدي…، أعتقد أنَّ أحد المتورّطين في نظام فاسد وطائفي كنظام حافظ الأسد وبشّار الأسد، ونظام نوري المالكي ومن أتى قبله أو بعده، سيكون خير من يكتب عن هذه الثلاثيّة. لكن المشكلة ليست في مصداقيّة الكتابة والكتاب، بل في مصداقيّة الكاتب نفسه.

#معرض #دار #المدى #أم #معرض #أربيل #للكتاب

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات