تعتبر الشخصية البشرية نسيجاً معقداً متشابكاً، يجمع بين العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية والثقافية لتشكيل الفرد المتميز بتفكيره ومشاعره وسلوكياته، ومع تعمق البحث العلمي في فهم هذه الشخصية البشرية بات من الواضح أن للمادة الكيميائية دوراً بالغ الأهمية في تشكيل هذا النسيج، حيث تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على مختلف جوانب الشخصية، من المزاج والانفعالات وصولاً إلى القدرات الإدراكية والسلوك الاجتماعي.
إنّ فهم تأثير المادة الكيميائية على الشخصية يتطلب أولاً التعرف على الدور الحيوي الذي تلعبه النواقل العصبية في الدماغ ، حيث تعمل كوسائط إتصال بين الخلايا العصبية، وتنقل الإشارات التي تتحكم في مختلف الوظائف الجسدية والعقلية، ومجرد اختلال التوازن في إحدى مستويات هذه النواقل العصبية يمكن أن يؤدي إلى تغييرات ملحوظة في المزاج والسلوك.
في سيرة العشق وبعيداً عن الأدب والشعر فإننا عندما نلتقي بشخص ما ونشعر بالانجذاب الفوري نحوه، فإن ذلك ليس مجرد صدفة أو قدر محتوم، بل هو كما يقول العلم نتيجة إطلاق مجموعة من الهرمونات والموصلات العصبية التي تعمل معاً لخلق هذه الشرارة الأولية أو “أثر المادة الكيميائية” وهو تماماً ما يمكن تسميته بـ “كيمياء العشق”.
وعلى الرغم من أن دور “الفيرومونات” في البشر لا يزال قيد البحث، إلا أنها ربما تكون أول الفاتحين لقلوبنا في سيرة العشق الإنساني، حيث تشيربعض الدراسات إلى أن هذه المواد الكيميائية (الفيرمونات) التي يتم إفرازها في العرق والإفرازات الجسدية الأخرى، قد تلعب دوراً حاسماً في جذب الشركاء المحتملين بشكل لا شعوري، فتعمل على تنشيط مناطق معينة في الدماغ مرتبطة إلى حد كبير بالرغبة الجنسية والانجذاب الأولي.
في كل قصص الحب تقريباً والمديدة منها على وجه الخصوص ينال منا التعب والإجهاد. وحالة الترقب الدائمة والحرص على سلامة الشريك يسبب التعب ليس في القلوب وحدها بل إنها تنهك أجسادنا أيضاً.
يبدأ جيش الغزاة هذا بعمليات تشبه إلى حد بعيد عمليات الكرّ والفرّ من قبل هرمونات عدة، وشيئاً فشيئاً تأسر قلوبنا بدون مقاومة.
هرمون “الدوبامين” (هرمون المكافأة والفرح) هو سيد الهرمونات بلا منازع وأحبها إلى أجسادنا. إنه هرمون ساحر بنشر سطوة المتعة واللهفة بلقاء من نحب، ساحر بتجاهل ما نكره فيمن نعشق والتركيز فقط على ما نحبه فيمن نعشق.
من زاوية أخرى هناك هرمون آخر هو “النور أدرينالين” يصارع رتابة الوقت في سيرة العشق هذه ليبقينا في حالة من اليقظة الدائمة والتركيز في تفاصيل من نحب، وعلى عكس الدوبامين فإن هرمون “السروتونين” ينخفض في البدايات وربما يكون انخفاضه هذا مرتبطاً بالهوس وهو ما يُفسر كيميائياً بـ “هوس العاشقين”.
تعزيز الروابط العاطفية
عندما تبدأ العلاقة في التطور إلى مرحلة أكثر رومانسية وعاطفية تلعب مواد كيميائية أخرى دوراً حاسماً في تعزيز الروابط العاطفية وتقوية العلاقة بين الشريكين.
يعمل هرمون “الأوكسيتوسين” أو ما يسمى بـ “هرمون الحب” أو “هرمون العناق” كبنّاء يرتب التفاصيل الجسدية بين العاشقين فيبني بيت العشق لأنه ببساطة لا يعمل إلا أثناء اللمس والاحتضان والتقارب الجسدي، وفي كل قصص الحب دون استثناء. فيعزز الأوكسيتوسين الشعور بالثقة والتعاطف والترابط الاجتماعي، ما يجعلنا نشعر بالارتباط الوثيق بالشخص الآخر والرغبة في قضاء المزيد من الوقت معه.
مع الوقت الطويل في علاقاتنا الإنسانية لن تكفي اللهفة أو سطوة المتعة في تثبيت بنيان العاشقين، إذ لا بد من الالتزام كي تستمر سير العشق وقصص الحب باختلافها، وهنا تحديداً يلعب هرمون “الفاسوبريسين” دوراً مهماً في تكوين الروابط الزوجية والتعلق طويل الأمد.
تشير الدراسات إلى أن الفاسوبريسين يساعد في الحفاظ على الاستقرار العاطفي والالتزام في العلاقة طويلة الأمد.
في كل قصص الحب تقريباً والمديدة منها على وجه الخصوص، ينال منا التعب والإجهاد، وحالة الترقب الدائمة والحرص على سلامة الشريك يسبب التعب ليس في القلوب وحدها، بل إنها تنهك أجسادنا أيضاً.
هنا في هذه الحالة الضاغطة يمنحنا هرمون “الأندروفين” بعض السكينة، حيث تعمل هذه المواد الكيميائية كمسكنات طبيعية للألم يتم إطلاقها استجابة للإجهاد أو الألم، وهي تسهم أيضاً في الشعور بالراحة والسعادة والرضا، ما يعزز الروابط العاطفية بين الشريكين.
مع مرور الوقت، وتطور العلاقة إلى مرحلة أكثر استقراراً والتزاماً، تتغير التركيبة الكيميائية للدماغ مرة أخرى مع التركيز على المواد الكيميائية التي تدعم الروابط طويلة الأمد، لتصبح خلطة الكيمياء كما هي سابقاً هرمونات لكن بمستويات أكثر اعتدالاً.
الألم الكيميائي للانفصال
عندما تنتهي العلاقة بشكل مفاجىء، سواء بسبب الانفصال أو الفقد، فإن ذلك يؤدي إلى تغييرات كبيرة في التركيبة الكيميائية للدماغ، ما يسبب ألماً عاطفياً شديداً.
ينخفض مستوى الدوبامين بشكل حاد والأوكسيتوسين، بينما يرتفع مستوى “الكورتيزول” (هرمون التوتر) وهذا التغيير الكيميائي الحاد يمكن أن يؤدي إلى أعراض مثل الاكتئاب والقلق والأرق والشعور بالوحدة وربما إلى حالات أكثر تطرفاً كإنهاء الألم بإنهاء الحياة إمّا بقتل الشريك أوقتل النفس.
العوامل المؤثرة في الكيمياء العاطفية
لا يقتصر تأثير المادة الكيميائية في الحب على التفاعلات الداخلية في الدماغ والجسم، بل تتأثر هذه التفاعلات أيضاً بعوامل خارجية فمثلاً تلعب الوراثة دوراً هاماً في تحديد مدى استجابة الفرد للمواد الكيميائية المرتبطة بالحب وكذلك البيئة المحيطة ، فيمكن أن تؤثر التجارب السابقة والظروف الاجتماعية والثقافية على الطريقة التي نشعر بها بالحب ونتعامل معه ونمط الحياة أيضاً، بحيث يمكن أن يؤثر النظام الغذائي وممارسة الرياضة والنوم على مستويات الهرمونات والموصلات العصبية في الدماغ، وبالتالي على قدرتنا على الشعور بالحب والتعلق.
وخلاصة الأمر يتضح أن الحب ليس مجرد شعور غامض، بل هو سلسلة معقدة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الدماغ والجسم.
تلعب الهرمونات والموصلات العصبية دوراً حاسماً في تشكيل مشاعر الانجذاب والرومانسية والتعلق وتوجيه سلوكنا العاطفي، إن فهم هذه الآليات الكيميائية لا ينتقص من قيمة الحب وأهميته، بل يضيف بُعداً جديداً لفهمه وتقديره.
مع ذلك، يجب التأكيد على أن الحب ليس مجرد تفاعلات كيميائية، فالعلاقات الإنسانية تتأثر أيضاً بعوامل أخرى مثل القيم والمعتقدات والتجارب المشتركة والالتزام المتبادل. إن الحب الحقيقي هو مزيج فريد من الكيمياء والروحانية، وهو تجربة إنسانية معقدة وغنية لا يمكن اختزالها بمجرد تفاعلات كيميائية بسيطة.
انت تشاهد الخبر على موقعنا مقيم أوروبا
الحُب.. كوكتيل الهرمونات المتغيّرة
#الحب. #كوكتيل #الهرمونات #المتغيرة
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل َ
تابعنا على صفحتنا الموثقة في فيسبوك أضغط هنا واضف تعليقك
شكرا ولكم كل المحبة
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.