جاري التحميل الآن

الخطاب الوطني السوري أصبح فريضة

الخطاب الوطني السوري أصبح فريضة

في العقد الأخير، لم تكن الحرب السورية مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل كانت أيضاً حرباً على النسيج الاجتماعي السوري، على الذاكرة المشتركة، وعلى الإحساس الجمعي بالانتماء. ومع تعمّق المأساة، برز إلى السطح خطاب كراهية متصاعد، يأكل من رصيد السوريين الأخلاقي والمجتمعي، ويهدد بما تبقّى من الروابط التي تجمعهم كوطن وشعب.

خطاب الكراهية اليوم يتجاوز الخصومة السياسية، ليأخذ طابعاً مناطقياً، طائفياً، إثنياً، وحتى طبقياً. وهذا ليس مجرد انفعال عابر في مواقع التواصل أو في النقاشات المغلقة، بل هو خطاب له امتداد اجتماعي خطير، ويؤسس لانقسامات طويلة الأمد، تهدد بإدامة الحرب حتى بعد توقف السلاح.

وفي مواجهة هذا الواقع، بات من الواضح أن الخطاب الوطني السوري لم يعد خياراً، بل أصبح فريضة أخلاقية، وإنسانية، وسياسية. وكلّ ذلك معاً.

الخطاب الوطني لا يعني تجاهل الجراح أو التنكر للوقائع المؤلمة، بل يعني التعامل معها بمنطق جامع، يُعلي من قيمة العدالة والمواطنة، ويضع الإنسان السوري في صلب المعادلة، لا باعتباره تابعاً لهوية فرعية، بل كمواطن كامل الحقوق، بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الديني أو السياسي.

إنه خطاب يعترف بالتنوع السوري على أنه مصدر غنى لا تهديد، ويؤمن بأن الوطن لا يُبنى على الإقصاء أو الانتصار لطرف واحد، بل من خلال سردية جامعة تكتبها كل الأطياف، وترتكز على المصارحة والعدالة والاعتراف المتبادل.

لماذا الخطاب الوطني ضرورة الآن؟

  1. لوقف النزيف الأخلاقي: لأن الكراهية تخلق مجتمعاً ممزقاً لا يستطيع العيش مع نفسه، والخطاب الوطني هو محاولة لإنقاذ ما تبقّى من الثقة، ومن المعاني التي تربط السوريين ببعضهم البعض.

  2. للسلم الأهلي واستقرار المستقبل: حيث لا يمكن لأي مصالحة حقيقية أن تتم دون خطاب يتجاوز الماضي ويتطلع إلى بناء سوريّ مشترك.

  3. لمواجهة مشاريع التقسيم: فخطاب الكراهية يُسهّل التدخلات الخارجية ويمنحها مبررات “إنسانية”، بينما الخطاب الوطني هو حصن داخلي يُعيد القرار إلى السوريين أنفسهم، ووحدهم فقط.

  4. لإعادة تعريف “الوطن”: حيث بات شعور كثير من السوريين أن الوطن قد خذلهم، أو صار غريباً عنهم. وبذلك، الخطاب الوطني يُعيد رسم صورة الوطن كمساحة آمنة وعادلة لكل أبنائه، لا كساحة تصفية حسابات دموية ربما تطول.

ومن أجل ترسيخ خطاب وطني جامع، نحن بحاجة إلى:

  • منصات إعلامية وفكرية مستقلة تتبنى هذا الخطاب بعيداً عن الاستقطاب السياسي أو الطائفي، أو ما دون ذلك.

  • وكذلك برامج حوارية وتربوية جادة وحقيقية تزرع ثقافة الاعتراف بدل التخوين، ومبادرات مجتمعية داخل سورية وخارجها تشجع على اللقاء، والاستماع، والمصالحة، والمصارحة.

  • مع تفكيك الخطاب السائد الذي يختزل السوريين في قوالب مسبقة، ويؤجج الكراهية بدلًا من مواجهتها.

في لحظة تاريخية حاسمة كهذه، الخطاب الوطني ليس ترفاً فكرياً، بل فعل مقاومة حضارية.

إنه الطريق الوحيد الممكن نحو استعادة سوريا من أنياب الانقسام.

فإما أن نرتقي بهذا الخطاب ليصير بوصلةً لمستقبل مشترك، أو نبقى أسرى لخطابات الكراهية التي لا تنتج إلا حروباً جديدة، بأقنعة جديدة، ولمصلحة الآخرين فقط.

شارك هذا المقال

انت تشاهد الخبر على موقعنا مقيم أوروبا

الخطاب الوطني السوري أصبح فريضة

#الخطاب #الوطني #السوري #أصبح #فريضة

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل َ

تابعنا على صفحتنا الموثقة في فيسبوك أضغط هنا واضف تعليقك
شكرا ولكم كل المحبة

تابع المحررة دانا العامر

قد تهمك هذه المقالات