الهجمات الإسرائيلية على سوريا تهدد بزعزعة الاستقرار في الأردن
سلّطت صحيفة فورين بوليسي الضوء في تقرير تحليلي على الدور الحذر والمعقد الذي يلعبه الأردن في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة، خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أواخر عام 2024.
ويفتتح التقرير بتناول تداعيات انخراط الاحتلال الإسرائيلي المتزايد في الساحة السورية، خاصة عقب الاستيلاء على مناطق ضمن المنطقة العازلة في الجنوب السوري، وما رافق ذلك من تصعيد عسكري غير مسبوق.
وفي هذا السياق، يستعرض التقرير كيفية تعامل العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، مع التغيرات الإقليمية، في محاولةٍ منه للحفاظ على أمن المملكة واستقرارها الداخلي، وسط ضغوط داخلية وشعبية متنامية تطالبه بإعادة النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل، التي وُقعت قبل ثلاثة عقود.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذه المادة في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيها يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
منذ اندلاع الحرب في غزة في تشرين الأول عام 2023، قاوم ملك الأردن، عبد الله الثاني، الضغط الداخلي ببلده، والذي طالبه بفسخ معاهدة السلام التي أبرمها الأردن مع إسرائيل قبل ثلاثين عاماً، ولهذا سعى الأردن عوضاً عن ذلك للاعتراف بمشروعية الغضب الشعبي العارم حيال قتل إسرائيل للفلسطينيين، مع مواصلة تعاون البلد أمنياً مع الجار الإسرائيلي.
والآن، يواجه الأردن تحدياً آخر، إذ منذ أن أسقط الثوار نظام بشار الأسد في كانون الأول الماضي، وإسرائيل تعمق تدخلها العسكري في سوريا، ولهذا يحاول الملك عبد الله إدارة العلاقات مع إسرائيل والحكومة السورية الجديدة من دون أن يؤثر ذلك على السياسة الداخلية لبلده، ومن دون أن يتسبب هذا بزعزعة استقرار نظام حكمه.
منذ فترة طويلة تربعت المملكة الأردنية على عرش البراعة الاستراتيجية، كونها توازن بين سياستها الداخلية ومصالحها الأمنية، وقد اتضح ذلك بكل جلاء في العلاقة مع إسرائيل، إذ في عام 1994، أصبح الأردن ثاني دولة عربية تعترف بإسرائيل بعد مصر، فقد توصل البلدان لمعاهدة سلام بينهما خلال ذلك العام، وتلك المعاهدة تنص على التزام بالتعاون على ضبط الأمن والحدود، كما أكدت دور الأردن الوصائي على الأماكن المقدسة الإسلامية الموجودة في القدس.
غير أن السلام الأردني مع إسرائيل سلام بارد، أي أنه لم يحظ بقبول الشعب الأردني، بما أن نصف هذا الشعب تقريباً يحمل جذوراً فلسطينية. وعلى الرغم من أن الأردن حافظ وبشكل سري على تنسيق أمني واستخباراتي عالي المستوى مع إسرائيل، حتى بعد السابع من تشرين الأول عام 2023، فإن المسؤولين الأردنيين يعتبرون من أشد منتقدي إسرائيل علناً، وخلال السنوات الماضية، خرج الأردنيون في مظاهرات عارمة طالبت الحكومة بقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي من الأردن.
ازدواجية المسار الأردني
تقبلت إسرائيل النهج الأردني القائم على ازدواجية المسار، والمتمثل بشجب دبلوماسي حاد النبرة إلى جانب براغماتية أمنية سرية، بما أن ذلك هو ثمن السلام مع الأردن. غير أن العدوان الإسرائيلي على سوريا يمكن أن يقوض هذا التوازن.
فمنذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي، شن الجيش الإسرائيلي أكثر من 700 غارة جوية على مواقع عسكرية في سوريا، استهدف من خلالها ترسانة الأسلحة الكيماوية والعتاد العسكري. لكن الغارات الإسرائيلية على سوريا ليست بجديدة، إذ اعترفت إسرائيل قبل ذلك بتنفيذ مئات الغارات خلال السنوات الماضية على أهداف في سوريا وصفتها بأنها تابعة لإيران ولجماعات مسلحة متحالفة مع إيران، مثل حزب الله في لبنان. كما نفذ الجنود الإسرائيليون توغلات برية في سوريا وذلك من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
في الوقت الذي ضربت إسرائيل أهدافاً تابعة لإيران في سوريا خلال حكم الأسد، أصبحت الموجة الأخيرة من الضربات العسكرية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية خارج مرتفعات الجولان ترقى إلى منزلة تصعيد خطير، إذ أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس في آذار الماضي بأن الجيش الإسرائيلي: “مستعد للبقاء في سوريا إلى أجل غير مسمى”.
والهدف العسكري المعلن لإسرائيل هو الدفاع عن المنطقة العازلة التي تمتد على مسافة تعادل 400 كيلومتراً مربعاً في سوريا، إلى جانب إقامة إسرائيل لمنطقة أمنية مجاورة لها، وهذه المنطقة كانت بالأصل محظورة على العساكر السوريين الذين يتم فرزهم بموجب اتفاق فض الاشتباك الذي وُقع بعد حرب 1973.
كانت القوات الأممية تسير دوريات في تلك المنطقة العازلة، تلك القوات التي مدد مجلس الأمن مؤخراً مهمتها حتى 30 من حزيران، غير أن إسرائيل استولت على تلك المنطقة عقب سقوط الأسد، متذرعة بأن تلك المساحة بحاجة لإشراف مباشر، وذلك لأن المسؤولين الإسرائيليين لا يثقون بالحكومة السورية الجديدة التي يترأسها الرئيس المؤقت أحمد الشرع، والذي حل الآن جماعته المقاتلة التي تعرف باسم هيئة تحرير الشام، والتي كانت في السابق فرعاً لتنظيم القاعدة في سوريا، على الرغم من أن الهيئة فكت ارتباطها عن القاعدة في مرحلة لاحقة. أما الآن، وبعد الوصول إلى السلطة، حل الشرع جماعته وتعهد بحكم يشمل السوريين كافة، كما أعلن بأنه لا يرغب بخوض أي نزاع مع إسرائيل.
تصعيد مخيف
أقام الجيش الإسرائيلي تسعة مواقع عسكرية داخل الأراضي السورية منذ سقوط الأسد، بينها موقعان في جبل الشيخ، الذي يصنف كأعلى قمة في المنطقة، ثم أعلن كاتس بأن الجيش الإسرائيلي يعمل من أجل: “أن يصبح الجنوب السوري خالياً من المظاهر العسكرية والسلاح والتهديدات”.
وخلال الشهر الماضي، أطلقت إسرائيل دفعة أخرى من الغارات الجوية استهدفت الداخل السوري، وأصابت مطار حماة العسكري وقاعدة التياس الجوية العسكرية الموجودة في حمص. كما أصاب القصف الإسرائيلي المنطقة القريبة من سد الجبلية غربي مدينة نوى وكذلك بالقرب من تسيل الواقعة غربي درعا، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص.
وفي بحر الأسبوع الماضي، شنت إسرائيل هجمات أخرى زعمت أنها نصرة للطائفة الدرزية في سوريا، بيد أن تلك الغارات الإسرائيلية توغلت بشكل أكبر في سوريا، فوصلت إلى دمشق، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن شخصين.
أثار هذا التصعيد الخوف في الأردن، لأن سقوط الأسد كان مصدر ارتياح للمسؤوليين الأردنيين الذين يرون في الشرع شخصية يمكن أن تعمل على نشر الاستقرار في الجارة سوريا. وفي الوقت ذاته، خشيت المملكة من نجاح تجربة الإسلام السياسي التي يحملها رئيس سوريا الجديد على حدودها الجنوبية.
من جانبه، انتقد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، استيلاء إسرائيل على الأراضي التي تخضع لسيطرة سوريا ضمن المنطقة العازلة، ووصف ذلك بانتهاك للقانون الدولي واعتداء على السيادة السورية، وطالب هو ونظيره المصري إسرائيل بالانسحاب من تلك المنطقة.
توترت العلاقات بين الأردن وسوريا خلال حكم الأسد بسبب انحيازه لإيران وأذرعها، وكذلك بسبب اتجار النظام السوري البائد بالأسلحة والمخدرات، وعلى رأسها الكبتاغون، على الحدود التي تمتد لمسافة 374 كيلومتراً بين البلدين. ثم إن الأردن يؤوي نحو مليون وثلاثمئة ألف سوري معظمهم يحملون صفة لاجئ.
ولاحتواء عمليات التهريب، أقام الأردن تحصينات على الحدود إلى جانب تركيب نظم مراقبة وتنفيذ عمليات استخباراتية سرية، ففي شهر كانون الثاني، نفذت طائرات حربية أردنية غارات استهدفت قرية الشعاب في الجنوب السوري، وذلك لضرب عمليات الاتجار بالسلاح والمخدرات. وفي شهر آذار، أعلن الجيش الأردني عن مقتل أربعة مهربين وعن مصادرته لكميات كبيرة من المخدرات والأسلحة.
مشاعر أردنية متناقضة
يشاطر الأردن إسرائيل في احتقارها للنفوذ الإيراني في كل من سوريا وفي الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، إذ خلال العام الماضي، أحبط الأردن محاولات لتهريب السلاح نفذتها ميليشيات موالية لإيران في سوريا ولبنان، وبعض تلك الأسلحة كان من المفترض بها أن تصل إلى الضفة الغربية. كما يرجح أن المساعي الإسرائيلية لتدمير البنية التحتية العسكرية السورية وفلول شبكات حزب الله قد حدت من أي خطر يمكن أن يهدد الأردن من خلال حدوده المشتركة مع سوريا.
ولكن في الوقت الذي صعدت إسرائيل تحركاتها في سوريا، بالتزامن مع شنها لهجوم عسكري موسع على غزة، فإن ذلك من شأنه أن يجدد معارضة الشعب الأردني للمعاهدة التي أبرمها الأردن مع إسرائيل، مما قد يتمخض عن تعمق حالة انعدام الاستقرار على المستوى السياسي في المملكة، وهذا ما لا يمكن للملك عبد الله أن يتحمله.
شبح الإسلام السياسي
بكل تأكيد، يتمنى الملك الأردني لحكومة الشرع المؤقتة أن تتولى زمام السيطرة والسيادة على حدود البلد الجنوبية، لأن ذلك من شأنه تقديم تطمينات للأردن توحي بأن بوسعه الاعتماد على هذا الشريك الجديد في دمشق، بدلاً من الاعتماد على الغارات الإسرائيلية لتحييد المخاطر التي تهدد الأردن والقادمة من الجنوب السوري، بيد أن نجاح الشرع في ذلك قد يمثل خطراً على الأردن أيضاً.
وذلك لأن شبح التعبئة السياسية الإسلامية يقلق الأردن، بما أن أكبر حزب معارض في الأردن، أي حزب جبهة العمل الإسلامي، يرتبط بحركة الإخوان المسلمين العابرة للدول، وهذا الحزب حقق مكاسب في الانتخابات البرلمانية التي أجريت خلال العام المنصرم، وذلك بفضل برنامجه المؤيد للشعب الفلسطيني بشكل علني.
وخلال الشهر الماضي، حظر الأردن وبشكل مفاجئ جماعة الإخوان المسلمين واعتقل 16 عضواً من هذا التنظيم بعد أن اتهمهم بالتخطيط لتنفيذ هجمات داخل المملكة الأردنية. وكشف جهاز المخابرات العامة الأردنية بأن تلك الخلايا التابعة للإخوان المسلمين خضعت للمراقبة منذ عام 2021 وتورطت بتصنيع الصواريخ والمتفجرات واستيرادها، إلى جانب تشغيلها لمقر يعمل على إنتاج المسيرات وإدارتها لمستودعات سرية، ووجهت اتهامات لبعض من هؤلاء المتآمرين بالحصول على تدريب وتمويل في لبنان.
إنه من المنطقي أن نفكر بأن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل دعم العمليات الأمنية التي نفذتها السلطات الأردنية، وخاصة على الجبهة اللبنانية، بيد أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أنكرت معرفتها بذلك المخطط، أو ضلوعها بأي مؤامرة تتصل به.
ولكن كل تلك الأمور قد تستخدم كأساس وحجة في نهاية المطاف ليقوم الأردن بحل جبهة العمل الإسلامي بعد توجيه اتهامات بالإرهاب إليه، وهذا بدوره لابد أن يخلق تحولاً هائلاً في المشهد السياسي بالمملكة. إذ في حال حصل ذلك، فإن ذلك قد يدفع الشعب الأردني لإبداء احتجاجه العارم على ذلك، بما أنه سيعتبر تلك الخطوة بمنزلة هجوم على الإسلام السياسي، ومن المرجح للشعب الأردني أن ينحي باللائمة في ذلك على إسرائيل وعلى معاهدة السلام التي أبرمتها مع الأردن، مما قد يؤدي بدوره لخروج مظاهرات جديدة مناهضة لإسرائيل وللمملكة في شوارع البلد وذلك في لحظة وصل معها الوضع الإنساني في غزة إلى أدنى درك له. وفي أحد أسوأ الاحتمالات المطروحة، قد تسعى جماعات متطرفة جديدة، قد تكون تابعة لحماس، إلى نشر بذور عدم الاستقرار في الأردن.
أما بالنسبة لإسرائيل، فيبدو بأن الأردن لن يحقق أي مكسب هذه المرة، لأن إسرائيل كما تبدو، هي مصدر الويلات على المملكة كما أنها إحدى الجهات التي تحميها. وعلى الرغم من أن معاهدة السلام الموقعة في عام 1994 تسهم في حفظ أمن الأردن، نجدها على الدوام تهدد بتأليب المناخ السياسي في الداخل الأردني، وهذه الازدواجية ما هي إلا سمة أصيلة في العلاقة بين الأردن وإسرائيل، إلى جانب كونها مصدر إزعاج مزمن للنظام الأردني.
المصدر: The Foreign Policy
#الهجمات #الإسرائيلية #على #سوريا #تهدد #بزعزعة #الاستقرار #في #الأردن
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.