من يحمي المواطن السوري؟
في خضمّ التحديات التي تواجه سوريا اليوم، يبرز سؤال جوهري يتردد في أذهان الكثيرين: من يحمي المواطن السوري؟ هل هو السلاح الذي قد يحمله بين يديه، أم أن الحماية الحقيقية تكمن في انخراطه في بناء دولة قوية، عادلة، ومؤسساتية؟ إن هذا السؤال ليس مجرد نقاش نظري، بل هو قضية مصيرية تحدد مستقبل الشعب السوري وملامح المجتمع الذي يطمح إلى العيش بكرامة وأمان.
إذا ما استعرضنا تجارب الدول عبر التاريخ، نجد أن الحماية لم تكن يومًا مسؤولية منفردة تقع على عاتق طرف دون آخر. الدولة، بمؤسساتها وجيشها، تمثل الدرع الذي يحمي الشعب من التهديدات الخارجية والداخلية، لكن هذا الجيش نفسه يستمد قوته من أبناء الشعب، إنها علاقة تكاملية: الدولة توفر الأمن والاستقرار، والمواطن يساهم في بنائها من خلال انخراطه في مختلف المجالات، سواء كانت عسكرية، إدارية، اقتصادية، أو ثقافية.
الحماية الحقيقية للمواطن السوري تكمن في بناء دولة قوية تستند إلى مبدأ المواطنة، وهذا يتطلب من المواطنين المشاركة الفعالة في إعادة البناء، سواء من خلال العمل في القطاع العام، دعم الاقتصاد، أو تعزيز الثقافة الوطنية.
في المقابل، يجب على الدولة أن تثبت جدارتها من خلال سن قوانين عادلة، محاسبة الفاسدين، وتوفير الأمن، كما أن الجهود الحالية، مثل صياغة الدستور والحوار الوطني، تمثل خطوات واعدة، لكنها تحتاج إلى دعم دولي وإرادة سياسية لتجنب الفشل.
من الناحية الاجتماعية، يعمل السلاح الفردي أو الفصائلي على تعميق الانقسامات الطائفية والمناطقية، حيث يؤدي إلى تفاقم التوترات بين المجتمعات.
في سوريا، حيث مزّقت الحرب النسيج الاجتماعي وأضعفت مؤسسات الدولة، أصبحت فكرة المواطنة – تلك القيمة التي تجمع الناس تحت مظلة الهوية الوطنية بغض النظر عن الطائفة أو العرق أو المنطقة – أكثر أهمية من أي وقت مضى.
الدول الناجحة، من أوروبا إلى شرقي آسيا، علّمتنا أن المواطنة هي الركيزة التي تقوم عليها الدولة القوية، ففي هذه الدول، يُعتبر الحديث عن الانتماءات الفرعية، سواء كانت دينية أو عرقية، نوعًا من التمييز الذي قد يُعاقب عليه القانون، والنتيجة؟ مجتمعات متماسكة تنعم بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي.
في غياب دولة قوية، قد يلجأ البعض إلى السلاح ظنًا منهم أنه وسيلة للحماية، لكن التاريخ والواقع يثبتان عكس ذلك، بمعنى أن السلاح المتفلت، الذي لا يخضع لسلطة الدولة، لا يحمي حامله فحسب، بل يصبح مصدرًا للتهديد على الجميع، يشيع الفوضى، يغذي الصراعات، ويعمّق الانقسامات.
في الدول المستقرة، مثل ألمانيا أو اليابان، نجد أن السلاح محصور بيد الدولة، وأي محاولة لامتلاكه خارج هذا الإطار تواجه بعقوبات صارمة، وهذا النهج ليس قمعًا، بل هو ضمان للأمن العام الذي ينعكس إيجابًا على حياة المواطنين.
شهدنا كيف أدى انتشار السلاح المتفلت في سوريا إلى تفاقم الصراعات المحلية، سواء بين الفصائل المسلحة أو داخل المجتمعات نفسها، وقد يظن المواطن الذي يحمل سلاحًا خارج إطار الدولة أنه يحمي نفسه، لكنه في الواقع يعرّض نفسه ومجتمعه للخطر، فالسلاح، مهما كان هدفه نبيلًا، يصبح أداة للعنف إذا لم يُدار ضمن إطار قانوني ومؤسساتي.
التاريخ والواقع السوري يظهران أن السلاح خارج إطار الدولة يغذي الفوضى، وانتشار الأسلحة المتفلتة خلال الحرب السورية أدى إلى تفاقم الصراعات المحلية بين الفصائل وداخل المجتمعات، في المقابل، فإن الدول المستقرة مثل ألمانيا واليابان تحصر السلاح بيد الدولة، مما يضمن الأمن العام، في حين أن الفصائل المسلحة في سوريا والتي ترفض الخضوع للسلطة المركزية تشكل تهديدًا مستمرًا، مما يؤكد أن السلاح لا يحمي بل يعرض الجميع للخطر.
وفي سياق حماية المواطن السوري، يُطرح سؤال حاسم: هل السلاح الفردي أو الفصائلي هو الحل، أم أن الحماية الحقيقية تكمن في بناء دولة قوية ومؤسساتية؟ لفهم هذا الأمر، قمنا بمقارنة بين السلاح الفردي/الفصائلي والدولة المؤسساتية من خلال عدة جوانب رئيسية: الأثر على الأمن، الاستدامة، التأثير الاجتماعي، والأمثلة العملية.
وفيما يلي تحليل مفصل يعكس هذه المقارنة ويوضح السياق السوري الحالي:
أولاً، من حيث الأثر على الأمن، تشير الأدلة إلى أن السلاح الفردي أو الفصائلي يؤدي إلى زيادة الفوضى والصراعات. وفي سوريا، على سبيل المثال، أدى انتشار الأسلحة بين الفصائل المختلفة إلى تفاقم العنف. في المقابل، توفر الدولة المؤسساتية أمنًا شاملاً من خلال جيشها ومؤسساتها، التي تعمل على فرض النظام وحماية المواطنين.
ثانياً، فيما يتعلق بـالاستدامة، يُعتبر السلاح الفردي أو الفصائلي حلاً مؤقتًا وغير منظم، إذ يعتمد على الفرد أو الفصيل المسلح، وقد يتغير أو يضعف مع الزمن. على سبيل المثال، في المناطق التي تسيطر عليها فصائل مسلحة، قد تتغير السيطرة بسرعة بسبب الصراعات الداخلية، بالمقابل، تقدم الدولة المؤسساتية حلاً دائمًا ومنظمًا، يعتمد على شرعية الدولة وهيكلها المؤسساتي، مما يضمن استمرارية الحماية، وهذا واضح في دول مثل ألمانيا، حيث يتم تحقيق الاستقرار من خلال مؤسسات قوية تحكم استخدام القوة.
ثالثاً، من الناحية الاجتماعية، يعمل السلاح الفردي أو الفصائلي على تعميق الانقسامات الطائفية والمناطقية، حيث يؤدي إلى تفاقم التوترات بين المجتمعات. في سوريا، على سبيل المثال، أدى انتشار السلاح إلى صراعات محلية بين الفصائل، مما عزز الانقسامات القبلية والجهوية، في المقابل، تعزز الدولة المؤسساتية مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية، إذ تضمن حقوقًا متساوية لجميع المواطنين، مما يعزز الشعور بالانتماء إلى الوطن الواحد. هذا النهج يقلل من التمييز ويعزز الثقة بين المكونات المختلفة.
إن الضامن الحقيقي لبناء دولة وطنية قوية في سوريا ليس السلاح، بل المؤسسات التي تستند إلى مبدأ المواطنة، أي أن المؤسسات القوية، التي تطبّق القانون بعدالة وتضمن المساواة بين الجميع، هي التي تخلق شعورًا بالانتماء للوطن، وعندما يشعر المواطن أن حقوقه مكفولة، وأن لديه فرصًا متساوية للمشاركة في بناء المجتمع، يتحول من مجرد فرد إلى شريك فاعل في مشروع الدولة.
للأسف، نرى في سوريا اليوم كيف تؤدي المحاصصة والتمييز إلى تعميق الانقسامات، وعندما تطالب فئة معينة، سواء كانت كردية أو درزية أو غيرها، بحقوق استثنائية أو امتيازات خاصة، ينشأ نوع من التنافس غير الصحي بين المكونات، وهذا التنافس يعيد الناس إلى انتماءاتهم الفرعية – الطائفية، القبلية، أو الجهوية – بدلاً من توحيدهم تحت راية المواطنة.
على سبيل المثال، عندما تسعى جهة لتمثيل الكرد بطريقة استئثارية، يظهر تناقض مع مطالب أخرى، مثل تلك القادمة من أهالي السويداء، مما يغذي التوترات ويعيق بناء دولة موحدة.
السلاح ليس الحل، بل هو جزء من المشكلة إذا خرج عن سيطرة الدولة، وبالتالي فإن الحماية الحقيقية للمواطن السوري تكمن في بناء دولة قوية، عادلة، ومؤسساتية، تستند إلى مبدأ المواطنة.
الحل يكمن في بناء مؤسسات عادلة تتيح للجميع، بما في ذلك الأقليات، فرصًا متساوية للوصول إلى مراكز القرار. المفارقة أن هذا النهج قد يمنح الأقليات مكاسب أكبر مما يمكن أن تحققه من خلال المطالبة بالمحاصصة، فعندما يُعامل الجميع على قدم المساواة، تصبح القدرات الفردية والخبرات هي المعيار، وليس الانتماء العرقي أو الديني.
مهمة الجيش في أي دولة هي حماية الحدود من العدوان الخارجي، لكن هذه المهمة لا يمكن أن تتحقق دون انخراط المواطنين في السلك العسكري وفي بناء المؤسسات الأخرى.
الدولة، بجيشها ومؤسساتها، هي الحامي الأول للشعب، لأنها تمتلك الشرعية والقدرة على تنظيم المجتمع وضمان أمنه. في المقابل، السلاح المتفلت لا يمكن أن يحل محل الدولة، لأنه يفتقر إلى التنظيم والمسؤولية التي تقدمها المؤسسات.
في سوريا، حيث تعاني البلاد من تداعيات الحرب وغياب الاستقرار، يجب أن يكون الهدف الأول إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة، وهذا يتطلب من المواطنين أن يضعوا ثقتهم في مشروع الدولة، وأن يشاركوا فيه بكل طاقاتهم، سواء من خلال العمل في القطاع العام، أو دعم الاقتصاد، أو تعزيز الثقافة الوطنية، وفي الوقت نفسه، على الدولة أن تثبت أنها تستحق هذه الثقة من خلال سنّ قوانين عادلة، ومحاسبة الفاسدين، وتوفير الأمن للجميع.
خلاصة القول: السلاح ليس الحل، بل هو جزء من المشكلة إذا خرج عن سيطرة الدولة، وبالتالي فإن الحماية الحقيقية للمواطن السوري تكمن في بناء دولة قوية، عادلة، ومؤسساتية، تستند إلى مبدأ المواطنة.
إن انخراط المواطن في هذا المشروع ليس مجرد واجب، بل هو الطريق الوحيد لضمان مستقبل ينعم فيه الجميع بالأمن والكرامة، فلنضع أيدينا معًا، ولنعمل على بناء سوريا التي تحمي مواطنيها، لأن الدولة القوية هي تلك التي يبنيها شعبها.
#من #يحمي #المواطن #السوري
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.