ثمار استوائية على الساحل السوري.. زراعة غير مألوفة تدرّ أرباحاً طائلة
بدأت زراعة الفواكه الاستوائية بالانتشار في الساحل السوري، خاصة مع ازدياد الإنتاج وارتفاع العوائد المجزية، وقد دفع هذا التحوّل العديد من المزارعين إلى توسيع المساحات المزروعة، لا سيما بالموز البلدي، الذي بات متوفراً في الأسواق المحلية بأسعار منخفضة، نتيجة كثرة الإنتاج.
شكّل هذا التحوّل بداية مرحلة جديدة خفّف فيها المزارعون والتجار من أعباء التكاليف الباهظة للزراعة أو الاستيراد، وأصبح المواطن محدود الدخل قادراً على شراء هذه الفواكه بعد سنوات من الغلاء، بل بدأت هذه الفواكه تجد طريقها إلى الأسواق الخارجية، وأصبح إنتاجها نشاطاً مربحاً، لكنه لا يزال بحاجة إلى دعم يضمن استدامة نجاحه.
تقصير وإهمال حكومي في عهد النظام المخلوع
أوضح المزارع حسن محمد، صاحب مشروع “المغارة الاستوائية” في محافظة طرطوس، أن الزراعات الاستوائية نجحت في سوريا بسبب المناخ المتوسطي المعتدل على امتداد الشريط الساحلي، وتوفّر تربة زراعية مميزة تعطي إنتاجاً يوازي إنتاج موطنها الأصلي، بل ويتفوّق عليه في النكهة ودرجة الحلاوة.
وأضاف محمد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: “انتقلت التجربة إلى المناطق الداخلية في غوطة دمشق، وسرير نهر الفرات في محافظة الرقة، ووادي اليرموك في محافظة درعا، وإن لم يكن ذلك بقصد الإنتاج التجاري، بل من باب التجربة، وقد أعطت نتائج جيدة”.
ولفت إلى أن مثابرة المزارع السوري وإصراره، رغم صعوبة المراحل الأولى وتأثّر الأشجار الاستوائية بالمناخ، الذي قد يؤدي إلى موت الشتول، كانت وراء تحقيق نتائج مشجعة خلال سنوات قليلة، ما دفع مزارعين من العراق ومصر والجزائر إلى الحصول على شتول من سوريا بعد نجاح التجربة.
وأشار أيضاً إلى أن تجربته تميّزت بتنوع الأصناف، والتواصل مع أصحاب الخبرة والمغتربين للحصول على أنواع جديدة، ما جعل منتزه “المغارة الاستوائية” بمثابة معرض حيّ للأشجار والفواكه الاستوائية. وكانت النقطة الفارقة في المشروع هي دمج الزراعة بالسياحة في مكان واحد، مما جعل الفاكهة الاستوائية بمتناول الجميع، مع إمكانية مشاهدة الأشجار ومتابعة التجربة عن كثب.
وكشف حسن أن زراعة الفواكه الاستوائية في سوريا عانت من إهمال حكومي في عهد النظام المخلوع، حيث كان من المفترض أن تتابع وزارة الزراعة هذا النوع من الزراعات وتدعم المزارعين، إلا أن هذه الفواكه انتشرت دون أي دعم رسمي، خاصة بين عامي 2013 و2017، بناءً على جهود وتجارب شخصية من قبل المزارعين.
سوريا قد تكتفي ذاتياً من الموز خلال عامين
من جهته، أشار إلياس داوود، أمين سر لجنة الزراعات الاستوائية في طرطوس، إلى أن الفواكه الاستوائية دخلت المحافظة منذ نحو 14 عاماً، وبدأت بالتطوّر بعد أن لجأ المزارعون إلى البحث عن بدائل لزراعة البندورة، التي كبّدتهم خسائر كبيرة، وكذلك الحمضيات التي تراجعت جدواها بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة وأجور النقل والعمال.
وأضاف داوود أن المزارعين بدأوا بزراعة الموز بحثاً عن مردود جيد، لكنهم تكبّدوا خسائر فادحة نتيجة تدفّق كميات كبيرة من الموز البلدي من لبنان، ما دفعهم للتوقف عن زراعته لعشر سنوات. ومع ذلك، عادوا مجدداً إلى هذه الزراعة خلال السنوات الأخيرة، نظراً لانخفاض تكلفتها، واعتماد أغلب المزارعين على الأسمدة الطبيعية بدلاً من الكيماوية.
وفيما يتعلق بتأثير زراعة الفواكه الاستوائية على السوق المحلية، قال داوود: “كانت الأسعار في السنتين الماضيتين ممتازة، حيث تراوح سعر كيلو الموز بين 20 و40 ألف ليرة سورية، ولم يكن الاستيراد متاحاً حينها. أما هذا العام، فقد بدأ المزارعون باقتلاع أشجارهم بسبب انخفاض السعر إلى 8 أو 10 آلاف ليرة، نتيجة الكميات الكبيرة المستوردة”.
وأكد داوود أن إنتاج الأفوكادو يُعدّ مصدر دخل رئيسيّاً للمزارعين، حيث يتراوح سعر الكيلو في تموز بين 5 و7 آلاف ليرة، ويصل إلى 9 آلاف بفضل التصدير إلى الأردن ودول الخليج. وفي شهري نيسان وأيار، يتراوح السعر بين 25 و30 ألف ليرة، وقد يصل إلى 50 ألفاً، ما يجعل الأفوكادو منتجاً قابلاً للتصدير ويحقق أرباحاً كبيرة بالعملة الصعبة.
وأضاف: “بالنسبة إلى الدراغون، فهو منتج معروف في سوريا منذ نحو خمس سنوات، ويبدأ إنتاجه في منتصف شهر أيار. وتنتشر زراعته في المساحة الممتدة من سهل يحمور بطرطوس وحتى اللاذقية. وقد بدأنا منذ أربع سنوات بتصدير الأفوكادو إلى الكويت بزخم كبير، فهذا المحصول يحقق مردوداً كبيراً لجميع المزارعين، حيث يمكن زراعته في أي مكان ضمن تلك المنطقة”.
وأضاف: “بالنسبة إلى الدراغون، فهو معروف في سوريا منذ خمس سنوات تقريباً، ويبدأ إنتاجه في منتصف أيار، ويُزرع في المسافة الممتدة من سهل يحمور بطرطوس حتى اللاذقية. كما بدأنا منذ أربع سنوات بتصدير الأفوكادو إلى الكويت بشكل واسع، وهو محصول ذو مردود عالٍ ويمكن زراعته في معظم المناطق الساحلية”.
وأوضح داوود أن إنتاج الموز يبدأ من تشرين الثاني وحتى نيسان، ويغطي احتياجات محافظات طرطوس وحمص وحماة وحلب ودمشق، لكنه لا يغطيها بالكامل بنسبة 100%. ولفت إلى أنه إذا استمرت الزراعة، فقد يكفي الإنتاج السوق السورية بالكامل خلال سنة أو سنتين. أما فواكه الشوكولاتة والكرمبولا والليتشي والسابوتا البيضاء والشيكو، فهي منتجات قليلة الانتشار، لكنها موجودة وتتطور باستمرار في سوريا.
أتاوات النظام المخلوع رفعت الأسعار وأرهقت التجار
وحول رؤية البائعين لهذه التجربة، قال ضياء محمد، بائع في سوق باب سريجة الشعبي بدمشق، لموقع تلفزيون سوريا: “هناك إقبال متزايد على استهلاك الفواكه الاستوائية بعد انخفاض أسعارها، وذلك بعد انتهاء الأتاوات التي كان يفرضها النظام المخلوع على التجار، حيث كانت تكلفة إيصال صندوق الموز الواحد إلى السوق تصل إلى مليون ليرة، لكنها انخفضت اليوم إلى 350 ألف ليرة، مما جعل شراء الموز متاحاً للجميع”.
أضاف: “نحن كبائعين نشجع المنتج المحلي، فالموز البلدي أكثر حلاوة من الموز المستورد من لبنان وسعره أقل. وقد عمل مهندسون زراعيون في منطقة بانياس على تحسين مواصفات الموز البلدي، وساهم توفّر مستلزمات الإنتاج مثل البذار والمبيدات والشتول في تحقيق ذلك، بعد أن كان النظام المخلوع يتحكم بها ويفرض أتاوات باهظة على المزارعين والتجار”.
فاكهة استوائية تتفوّق على النفط… وأخرى تُشكّل خطراً!
وحول الجدوى الاقتصادية الناتجة عن انتشار الزراعات الاستوائية، جزم أمين سر لجنة الزراعات الاستوائية في غرفة زراعة طرطوس في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، بأن “إنتاج بعض الفواكه الاستوائية يتفوّق على النفط من حيث المردود”.
وتابع: “عالمياً، يبلغ سعر برميل النفط (220 كغ) نحو 50 دولاراً، بينما يبلغ سعر 220 كغ من فاكهة الدراغون اليوم 120 دولاراً، وبالتالي لدينا منتج أقوى من النفط، فلماذا نهمله؟ نحن بحاجة إلى فتح أسواق لتصدير هذه الفواكه”.
وأردف قائلاً: “هناك فاكهة تُدعى ‘مس فلورا’، انتشرت في سوريا منذ عامين، ويتراوح سعر الكيلو منها بين 20 و25 ألف ليرة، بينما يصل سعرها في دبي إلى 150 ألف ليرة سورية، وهي ثروة وطنية إذا تم تصديرها، تماماً كفاكهتي الدراغون والأفوكادو. أما المانغا، فقد بدأت زراعتها في سوريا منذ 15 عاماً، وانتشرت بقوة خلال السنوات الخمس الأخيرة، ويغطي إنتاجها حالياً احتياجات السوق المحلية، لكننا لا نشجع استيرادها من الخارج، لأن الفاكهة المستوردة قد تحتوي على بيض ‘ذبابة الفاكهة’، التي تُلحق أضراراً جسيمة بأشجار اللوزيات والمشمش والأشجار المزهرة. لذا، يجب عدم السماح بإدخالها إلى سوريا”.
وزارة الزراعة: إنتاج الفواكه الاستوائية وصل إلى مراحل متقدمة
وحول إجراءات وزارة الزراعة تجاه هذا الملف، قال الدكتور سعيد إبراهيم، مدير الاقتصاد والتخطيط الزراعي بوزارة الزراعة، لموقع تلفزيون سوريا: “مع عودة السوريين الذين غادروا البلاد خلال فترة الحرب، قام بعض الأشخاص الذين أسسوا مشاتل في دول مثل لبنان بإدخال أنواع جديدة من النباتات الاستوائية. وقد عملت هذه المشاتل على إكثار الشتول وبيعها للفلاحين، مما أدى إلى انتشار هذه الزراعة بشكل واسع في المنطقة الساحلية. ومع التغير المناخي، أصبحت الظروف البيئية أكثر ملاءمة لزراعة بعض النباتات المحبة للحرارة، وتم الوصول إلى مراحل متقدمة من الإنتاج”.
وأضاف إبراهيم: “من أهم أسباب هذا الانتشار هو ارتفاع الأسعار التسويقية لهذه الفواكه، حيث انتشرت في محيط البيوت المحمية والمزارع الصغيرة التي كانت غير مزروعة، وأصبحت تحقق عوائد جيدة للفلاحين. كما توسعت هذه الزراعة على حساب المحاصيل والخضار الشتوية والصيفية، واستخدم بعض المزارعين في منطقة بانياس البيوت المحمية التي كانت مخصصة للبندورة والباذنجان لزراعة الفواكه الاستوائية، نظراً لأنها تحقق أرباحاً أكبر. ومع ذلك، أصبحت هذه الزراعة تُشكّل تهديداً على زراعة الحمضيات والزيتون في منطقة الساحل”.
وأكمل: “اتخذت وزارة الزراعة العديد من الخطوات، حيث لم تسمح للفلاح بتنظيم الزراعات الاستوائية كي لا يحصل على مستلزمات الإنتاج الزراعي المدعومة. لكنها سمحت بزراعة الموز في الأراضي الهامشية، كما نفّذت الوزارة حملات توعية إرشادية حول المخاطر الناجمة عن التوسّع في هذه الزراعات، خاصة من ناحية التسويق، حيث إن أسعارها مرتفعة وطعمها ونكهتها ليست لذيذة مقارنة بالفواكه المزروعة في مواطنها الأصلية”.
وتعمل الوزارة، بحسب إبراهيم، على اعتماد خطة لزراعة نبات “الأفوكادو” على أطراف حقول الحمضيات بما لا يتجاوز 10% من مساحة الحيازة، وعدم السماح بتصديرها على شكل “دوكما”. كما تلتزم الوزارة بإلزام المصدّرين باستخدام نموذج موحد للعبوات، يتضمن كافة معلومات الإنتاج والتسويق، وأن المنتج من سوريا.
ووفقاً لمدير الاقتصاد والتخطيط الزراعي في وزارة الزراعة، فقد بلغت مساحة زراعة الموز المكشوف 37 هكتاراً بإنتاج وصل إلى 2351 طناً خلال عام 2024، بينما وصلت مساحة الموز المحمي إلى 174 هكتاراً بإنتاج قدره 6348 طناً. وزُرعت فاكهة الأفوكادو على مساحة 48 هكتاراً بإنتاج بلغ 448 طناً، والكيوي على مساحة 17 هكتاراً بإنتاج 169 طناً، أما الكاكي فبلغت مساحته 1371 هكتاراً بإنتاج 7396 طناً، وزُرعت الباباي على مساحة 0.3 هكتار بإنتاج 16 طناً، في حين بلغت المساحة المزروعة بالفواكه الاستوائية المحمية 43 هكتاراً بإنتاج قدره 1135 طناً.
#ثمار #استوائية #على #الساحل #السوري. #زراعة #غير #مألوفة #تدر #أرباحا #طائلة
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.