“أربع عجلات ومئة عطل”.. لماذا بات تصليح السيارات المهنة الأكثر رواجاً في سوريا؟
مع تزايد أعداد السيارات المستوردة إلى سوريا، وارتفاع وتيرة الأعطال الميكانيكية والإلكترونية المرتبطة بها، تحوّلت مهنة صيانة وتصليح السيارات إلى واحدة من أكثر المهن رواجاً في البلاد، لا سيما في الشمال السوري، وخصوصاً في مدن إدلب وريف حلب.
وباتت الورش الصناعية في هذه المناطق تعجّ بعشرات الميكانيكيين والفنيين، الذين طوّروا خبراتهم بشكل لافت في التعامل مع مختلف أنواع المركبات الحديثة، خاصة السيارات الأوروبية والكورية التي باتت منتشرة بشكل واسع نتيجة نشاط حركة الاستيراد.
ولا تقتصر مهنة “الميكانيك” اليوم على أعمال التصليح التقليدية، بل امتدت لتشمل البرمجة الإلكترونية وتشخيص الأعطال باستخدام الحواسيب، الأمر الذي دفع الكثير من الشبان إلى التخصص في هذا المجال، وافتتاح ورش مزوّدة بأجهزة لم تكن مألوفة قبل سنوات.
ويقول أصحاب ورش في ريف حلب إنّ الطلب المتزايد على خدمات التصليح يعود إلى تردّي البنية التحتية للطرق من جهة، وإلى غياب الصيانة الدورية من جهة أخرى، إضافة إلى وجود أنواع من السيارات المستوردة تحتاج إلى عناية خاصة ولا تتوفر لها وكالات أو مراكز خدمة معتمدة في المنطقة.
ورغم التحديات، تشكّل هذه المهنة اليوم مصدر رزق لآلاف العائلات، وتسهم في تعزيز الحركة الاقتصادية داخل المجتمعات المحلية، وسط توقعات بأن يتطوّر هذا القطاع أكثر في حال توفّر الدعم التقني والتدريب المهني اللازم.
تخصصات متنوعة
تشمل مهنة صيانة السيارات في الشمال السوري طيفاً واسعاً من التخصصات الفنية، حيث يتوزع العمل بين الكهرباء العامة للسيارة، وإصلاح الأعطال الميكانيكية، وضبط الدوزان، والتصويج وإعادة هيكلة الهيكل الخارجي بعد الحوادث، لكن مع ذلك، يُجمع العاملون في هذا القطاع على أن أبرز الأعطال التي تردهم يومياً ترتبط بسوء نوعية المازوت المتوفر في السوق المحلية.
ووفق ما أفاد به عدد من الميكانيكيين لموقع تلفزيون سوريا، فإن المازوت التجاري، سواء المكرّر محلياً أو المهرّب، يحتوي على شوائب ومركّبات غير مستقرة تتسبّب بأعطال متكرّرة في منظومات ضخ الوقود، لا سيما مضخة الديزل “الطرنبة” و”البخاخات”، وهو ما يؤدي إلى أعطال معقّدة ومكلفة.
كما تُسجّل الورش الفنية حالات متكرّرة من تلف المحركات أو تعطلها نتيجة الضغط المفرط والاستخدام غير المتوازن، وهو ما يربطه الفنيون بنوعية السيارات المستوردة بعد عام 2011، إذ يشير البعض إلى أن غالبية المركبات التي دخلت الشمال السوري في السنوات الماضية تعود لطرازات قديمة، يتراوح تاريخ صنعها بين عامي 2005 و2010، ما يعني أنها دخلت الخدمة أصلاً وهي منهكة ميكانيكياً، وتحتاج إلى صيانة شاملة.
ويؤكد أصحاب الورش أن هذه السيارات لم تكن مهيّأة أصلاً لقطع المسافات الطويلة بين المدن والمناطق الحدودية، لكنها اليوم تُستخدم بكثافة في التنقل اليومي أو في نقل البضائع، ما أدى إلى تآكل المحركات وارتفاع نسب الأعطال بشكل لافت، لا سيما مع غياب الفحوص الدورية.
من جهة أخرى، تتطلب بعض الأعطال استيراد قطع غيار محددة لا تتوفّر دائماً في الأسواق، ما يضطر الزبائن أحياناً للانتظار أياماً أو أسابيع حتى تصل الطلبية، في ظل غياب صناعة محلية تغطي هذا النقص.
ورغم هذه التحديات، لا يزال قطاع إصلاح السيارات في الشمال السوري يشهد نمواً ملحوظاً، مع ازدياد عدد الورش وتحسّن مستوى الكفاءة الفنية، مدفوعاً بحجم الطلب المرتفع، وتوسّع نشاط النقل بين المناطق، ما يجعل من هذه المهنة واحدة من أبرز محرّكات الاقتصاد المحلي غير الرسمي في شمال غربي سوريا.
ازدهار مهنة تصليح السيارات
يقول أبو وليد، وهو ميكانيكي سيارات يعمل منذ أكثر من عشر سنوات في إحدى الورش الواقعة في المنطقة الصناعية بمدينة اعزاز شمالي حلب، إن مهنة تصليح السيارات شهدت ازدهاراً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، حتى باتت من أكثر المهن المطلوبة في عموم مناطق الشمال السوري.
ويضيف في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: “اليوم ما من مدينة أو بلدة رئيسية إلا وفيها منطقة صناعية كاملة مخصصة لتصليح السيارات، تضم عشرات الورش المتخصصة، كلٌّ حسب مجاله: ميكانيك، كهرباء، دوزان، تصويج، وكل صنف له اختصاصه”.
ويتابع: “السبب الرئيسي في رواج المهنة هو العدد الكبير للسيارات الموجودة حالياً، سواء المستوردة أو التي تم إدخالها من تركيا أو حتى المركبات القديمة، هذا العدد الكبير يوازيه ارتفاع كبير في الأعطال، وهو ما جعل المهنة مطلوبة في كل مكان”.
ويرى أبو وليد أن أغلب الأعطال التي يتعاملون معها يومياً تتعلق بخلل في نظام الدوزان، وهو ما يعزوه إلى سوء حالة الطرقات في معظم المناطق السورية، قائلاً: “الطرقات غير ممهّدة، فيها مطبّات وحفر وتشققات، وهذا يسبّب اهتزازات وضغطاً كبيراً على أجزاء السيارة، وخاصة على الدوزان، من المقصّات وحتى العكوس”.
ويؤكد أيضاً أن كثيراً من السيارات التي تصل إلى ورش التصويج تعرّضت لحوادث مرورية متفاوتة، مشيراً إلى أن غياب إشارات المرور، والازدحام، وسوء البنية التحتية كلها عوامل تؤدي إلى حوادث متكرّرة، ما يتطلّب تصويجاً وإعادة هيكلة للأجزاء المتضرّرة.
أما من الناحية الميكانيكية، فيقول أبو وليد إن المحركات وعدة المازوت تحديداً تشهد استهلاكاً مرتفعاً بسبب قدم السيارات وضعف الصيانة السابقة، موضحاً: “معظم السيارات في الشمال السوري قديمة وتجاوزت عمرها الفني، وهناك أعطال مزمنة مثل الطرنبة، البخاخات، والسلندرات، هذه تحتاج إلى تبديل بعد مرور سنوات من الاستخدام، خاصة مع نوعية المازوت السيئة الموجودة في الأسواق”.
من جهته، يروي الشاب أحمد العيسى، وهو أحد سكان مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، معاناته اليومية مع سيارته، التي تحوّلت من وسيلة للتنقل إلى عبء مادي دائم، قائلاً: “بكل صراحة، أنا أصرف على سيارتي أكثر مما أصرف على بيتي وأهلي، كل أسبوع تقريباً تظهر مشكلة جديدة تحتاج إلى تصليح أو تبديل قطعة، وأحياناً لا ينتهي الميكانيكي من عطل حتى يظهر غيره”.
ويضيف أحمد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: “المشكلة الأكبر ليست فقط في كثرة الأعطال، بل في صعوبة إيجاد مصلّح سيارات صاحب خبرة وأمانة في الوقت نفسه، صار كثير من الناس يفتحون ورشاً دون أي معرفة حقيقية بالمهنة، وفي كثير من الحالات تكون النتيجة إما خداعاً أو تصليحاً مؤقتاً يعود بعده العطل نفسه خلال أيام”.
مهنة تفتقر إلى التنظيم
ويؤكد أن القطاع يفتقر إلى الرقابة والتنظيم، ويقول: “ما في شيء اسمه تسعيرة محدّدة أو تعرفة رسمية، كل مصلّح يضع السعر الذي يراه مناسباً حسب مزاجه أو حسب سمعته، وبعضهم يطلب مبالغ خيالية بحجة أنه شاطر أو مشهور”.
ويتابع: “بعض المصلّحين فعلاً محترفون ويشهد الناس لهم بالأمانة، لكن الإقبال عليهم كبير، وقد تنتظر أسبوعاً أو أكثر ليأخذ سيارتك، الناس تتناقل أسماءهم فيما بينها، وهكذا صارت السمعة والخبرة هما العاملان الأساسيان في تحديد الأسعار، وليس نوع العطل أو القطعة فقط”.
بدوره، يشير حسام الخطيب، وهو مصلّح سيارات يعمل في المنطقة الصناعية بمدينة اعزاز، إلى تحوّل لافت تشهده مهنة صيانة السيارات خلال الأشهر الأخيرة، قائلاً: “لاحظنا أن كثيراً من المصلّحين، وخاصة ذوي الخبرة الطويلة في السيارات الأوروبية، بدأوا بنقل ورشهم من الشمال السوري إلى مناطق أخرى مثل حمص ودمشق وحماة بعد سقوط النظام”.
خبرات متراكمة
يضيف حسام في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: “خلال السنوات الماضية، استوردت الشركات في الشمال آلاف السيارات الأوروبية من مختلف الأنواع، ما ساعد على تراكم خبرات محلية حقيقية في صيانتها، من حيث البرمجة وأعطال الكهرباء والمحركات وحتى أنظمة الحقن الحديثة”.
ويتابع: “اليوم، ومع بدء هذه السيارات بالانتقال إلى بقية المحافظات السورية، سواء عبر البيع أو النقل المباشر، ظهرت فجوة كبيرة في الخبرات لدى المصلّحين هناك، ما فتح الباب أمامنا كمحترفين للذهاب إلى تلك المناطق وتأسيس ورش جديدة”.
ويؤكد حسام أن هذا الانتقال لم يكن بدافع الربح فقط، بل بسبب الحاجة الفعلية للخبرة، ويقول: “السيارات الأوروبية تحتاج فهماً خاصاً لنظامها المعقّد، وهذا ما يفتقده كثير من الميكانيكيين في الداخل، نحن اكتسبنا هذه الخبرات على مدى سنوات، وصرنا نعرف التعامل مع أدق الأعطال فيها، وهو ما جعلنا مطلوبين في مناطق لم تكن معتادة على هذا النوع من السيارات”.
ويختم حديثه قائلاً: “نقل الورشات إلى الداخل ليس بالأمر السهل، لكنه أصبح واقعاً، ومع توسّع انتشار هذه السيارات، ستزداد الحاجة إلى كوادر فنية مدرّبة قادرة على صيانتها باحتراف، وهذا ما نحاول أن نوفّره اليوم”.
خطوات لا بدّ منها
في ظل ازدياد أعداد السيارات في المناطق السورية، وتكرار الأعطال المرتبطة بسوء الطرقات أو ضعف نوعية الوقود وقدم المركبات المستعملة، تبرز الحاجة إلى التعامل الواعي والمسؤول مع صيانة السيارات، لا سيما في ظل غياب جهة رقابية تضع تسعيرة موحّدة أو تشرف على جودة الخدمة في الورش المنتشرة.
من أبرز النصائح التي يقدّمها المختصون، ضرورة إجراء فحص دوري للسيارة كل بضعة أشهر، وعدم الانتظار حتى وقوع العطل، فالمتابعة الوقائية، سواء عبر مراقبة صوت المحرك أو استهلاك الوقود أو أداء المكابح، من شأنها أن تجنّب السائق أعطالاً كبيرة وتكاليف مرتفعة مستقبلاً. كما يُنصح باستخدام وقود ذي نوعية جيدة قدر الإمكان، والتأكد من نظافة الفلاتر وتغيير الزيت في مواعيده المنتظمة.
أما عند تعطل السيارة، فينصح خبراء الصيانة بعدم اللجوء إلى أول ورشة متوفّرة، بل الاستفسار وسؤال المعارف أو الزبائن السابقين عن سمعة الميكانيكي ومستوى أمانته، فاختيار المصلّح المناسب لا يقلّ أهمية عن تصليح العطل نفسه، إذ إن بعض الورشات قد تُضخّم المشكلة أو تستبدل القطع السليمة دون داعٍ.
ويشير عدد من أصحاب السيارات إلى أهمية توثيق تفاصيل الصيانة ومتابعة الأجور والمصاريف، لتفادي الوقوع في فخ الغلاء أو التلاعب، خصوصاً مع غياب تعرفة رسمية. كما يُفضَّل التعامل مع الميكانيكي نفسه في كل مرة لبناء علاقة ثقة، وتمكينه من معرفة سجل السيارة ومشاكلها المتكرّرة بشكل أفضل.
في المحصّلة، تبدو مهنة تصليح السيارات واحدة من أكثر المهن ارتباطاً بحياة الناس اليومية في سوريا اليوم، سواء من حيث كلفتها أو تأثيرها على السلامة العامة. لذلك، فإن التعامل معها يجب أن يكون بحذر ووعي، بدءاً من فهم أعطال السيارة وطبيعتها، وصولاً إلى اختيار الميكانيكي الكفء، الذي يجمع بين الخبرة والمصداقية.
#أربع #عجلات #ومئة #عطل. #لماذا #بات #تصليح #السيارات #المهنة #الأكثر #رواجا #في #سوريا
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.