جاري التحميل الآن

الرحمة ليست ترفاً.. قتل الحيوانات في شوارع سوريا يتحول إلى ظاهرة

الرحمة ليست ترفاً.. قتل الحيوانات في شوارع سوريا يتحول إلى ظاهرة

أصبح العنف ضد الحيوانات في سوريا ظاهرة مقلقة تنتشر في العديد من المدن والبلدات، والتي تضاف إلى معاناة البشر في هذا البلد الذي ما يزال يواجه تحديات جسيمة مستمرة منذ عقود. ومع ارتفاع معدلات العنف، بدأت هذه الظاهرة تثير قلقًا بالغًا في أوساط المجتمع المدني، الذي بدأ يعي بشكل تدريجي أن هذه الممارسات لا تضر بالحيوانات فقط، بل تمثل تهديدا للمفاهيم الإنسانية العميقة التي تقوم عليها المجتمعات المتحضرة. فقد أصبحت مشاهد القتل والتعذيب الممنهج للحيوانات جزءا من الواقع اليومي الذي يعيشه الكثيرون، فبدلاً من أن تُعامل الحيوانات وفقًا لمبدأ الرحمة والاحترام، يتم قتلها بطرق وحشية وتعذيبها وإحراقها حيّة وحتى اغتصابها.

تزداد هذه الظاهرة تعقيدًا بسبب غياب التشريعات القانونية الفعّالة لحماية حقوق الحيوانات، وعدم وجود آليات رادعة للمعتدين على هذه الكائنات الضعيفة. بينما تقتصر معظم الجهود على المبادرات الطوعية التي تقوم بها جمعيات محلية لوقف هذا العنف، تبقى هذه الجهود غير كافية، حيث لا يتم توفير دعم رسمي أو حلول شاملة، مما يجعل المعركة ضد هذه الظاهرة أكثر صعوبة.

شهادات الجمعيات والمناشدات الإنسانية

في هذا السياق، تحدثت ديالا غشيم، مديرة جمعية “رفق” في حلب، حول واقع التعامل مع الحيوانات في المدينة، وقالت لموقع تلفزيون سوريا: “تعامل البلديات والشؤون الصحية والمجتمع مع الحيوانات هو تعامل لا أخلاقي ولا إنساني ولا ديني. لا يوجد دين يقبل بتعذيب الحيوانات. لا يسمح بقتل الكلاب إلا إذا كان الكلب مسعورًا. حاولنا في حلب أن ننقل الكلاب التي يبلغ عنها الناس إلى خارج المدينة دون إيذائهم، ولكن ما زالت حلب تتعرض لقتل الحيوانات رغم جهودنا الكبيرة في محاولة منع هذه الظاهرة”. وأضافت: “نريد سوريا بلدًا حضاريًا، نريد وقف فكرة القتل وسفك الدماء، بعد ما مرت به بلادنا وعانينا ما عانيناه، لا نريد أن يستمر القتل والظلم بحق أي كائن حي، لا بشر ولا حيوان ولا حتى شجرة”.

وفي سياق تأكيد هذا الرأي، تحدث مدير منظمة “أرنستو” في إدلب، محمد وتار، عن الحلول الممكنة لمواجهة ظاهرة قتل حيوانات الشارع، وقال: “الحل موجود لكنه مكلف جدًا، الحل هو التعقيم والتلقيح، وأيضًا إعطائهم جرعات طفيلية خارجية ثم وسم الحيوانات وإطلاق سراحها”. وأضاف: “لا أظن الدولة السورية في الوقت الحالي لديها هذه المقدرة، لكننا نحاول أن نحصل على اللقاحات ولو بصعوبة”.

العنف ضد الحيوانات في سوريا.. انعكاسات نفسية واجتماعية

العنف ضد الحيوانات هو ظاهرة لا تمس فقط حقوق الحيوان، بل تمتد لتؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية للمجتمع بشكل عام. تتعدد أسباب هذه الظاهرة، ومنها عوامل نفسية، اجتماعية، واقتصادية، وقد تكون مرتبطة بالثقافة المجتمعية التي تساهم في تأصيل هذه التصرفات العنيفة، ما يؤدي إلى نتائج مدمرة على جميع الأصعدة، لذا فإن التربية في بيئات تُظهر القسوة على الحيوانات يمكن أن تساهم في غرس هذه السلوكيات لدى الأطفال، بحيث يتعلمون أن استخدام القوة والعنف هو الحل لمشاكلهم أو أن العنف قد يكون تسلية.

تؤكد مديرة جمعية “سارة” في دمشق، قائلةً: “العنف المطبق على الحيوانات يؤثر على نفسيات أطفالنا، فهم إما سيكبرون عنيفين أو جبناء نتيجة مشاهد العنف التي يرونها. سواء أصيب الطفل بالرعب من مشهد الدماء أو أصبح يدمنه ويحبّه، فإن ذلك قد يؤثر على تكوينه النفسي”. وأضافت: “تعاملنا مع الحيوانات يعكس مفاهيمنا، نريد أن تكون سوريا عنوان الرحمة والإنسانية لا القتل، لذا نناشد الحكومة بوضع قانون صارم للحد من القتل”.

568789

يظهر من خلال الشهادات أن العنف ضد الحيوانات ليس مجرد قضية إنسانية تتعلق بمعاملة الكائنات الحية فحسب، بل هو قضية اجتماعية ونفسية تهدد بشكل مباشر سلامة المجتمع نفسه. فالتعرض المستمر لمشاهد العنف في الطفولة قد يساهم في تكوين شخصيات عنيفة أو مريضة نفسيًا في المستقبل. وهذا ما تراه مديرة جمعية “سارة” جزءًا من التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع السوري في ظل الظروف الراهنة.

غياب التشريعات: مشكلة تحتاج إلى حل عاجل

في شهادة المحامي زاهر كعدي، يبدأ بالحديث عن القوانين السورية التي تحمي حقوق الحيوانات، مستعرضًا مواد قانون العقوبات التي تتعلق بالإساءة للحيوانات، مثل المادة 747 التي تُعرّف الحيوانات “الداجنة” (المرباة والمحتفظ بها من قبل الإنسان) والمادة 748 التي تعاقب على إساءة معاملة الحيوان أو إهماله، بالإضافة إلى المادة 749 التي تتعلق بمعاقبة من يُسيء علنًا إلى الحيوانات غير الداجنة. إلا أن المحامي يشير إلى أن هذه القوانين غير كافية وتعتبر بمثابة “غائبة” في التطبيق، حيث لا تُنفذ بشكل فعّال، وكذلك الغرامات زهيدة جدًا ولا قيمة لها.

يُوضح المحامي لموقع تلفزيون سوريا أن غياب تشريعات واضحة وصارمة لحماية حيوانات الشارع يُعتبر إشكالية حقيقية، وينتج هذا عن مجموعة من العوامل، من أبرزها عدم إعطاء الأولوية لقضية حماية الحيوانات في أوقات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعلها في آخر سلم أولويات المشرعين. كما يذكر قلة الضغط المجتمعي وعدم وجود وعي كافٍ بين أفراد المجتمع والمنظمات الحقوقية للمطالبة بتشريعات لحماية حقوق الحيوانات. من جهة أخرى، يشير إلى غياب الرؤية الأخلاقية في بعض الأنظمة القانونية التي لا ترى الحيوانات ككائنات حية ذات حقوق، بل تُعامل كممتلكات أو موارد، ما يؤدي إلى تهميش حقوقها في التشريعات القانونية.

قط مشرد في حي الخالدية بحمص ـ رويترز

ويُبيّن المحامي أن الصمت القضائي تجاه هذه القضايا يزيد من تفاقم المشكلة، فغياب الآليات الفعّالة لملاحقة المعتدين على الحيوانات يعزز من استمرارية العنف ضدهم. يرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها عدم وجود نصوص قانونية تكفل ملاحقة المعتدين، قلة الوعي بين رجال القانون بأهمية القضية، وصعوبة إثبات الجرائم ضد الحيوانات بسبب غياب الرقابة والتوثيق.

من أجل معالجة هذا الفراغ التشريعي، يقدم المحامي عدة توصيات تتمثل في ضرورة إصدار تشريعات صارمة تجرم إيذاء حيوانات الشارع وتفرض عقوبات رادعة مثل الغرامات المالية أو السجن في حالات التعذيب المتعمد. كما يشدد على أهمية إنشاء جهات رقابية مختصة، سواء كانت إدارات حكومية أو جمعيات أهلية، لملاحقة المعتدين وتخصيص خطوط ساخنة للإبلاغ عن حالات العنف ضد الحيوانات. ويُضيف أنه يجب تضمين حقوق الحيوان في المناهج التعليمية لتوعية الأجيال القادمة بأهمية الرحمة والرفق بالحيوانات، والتعاون مع وسائل الإعلام لرفع الوعي المجتمعي. كذلك، يشير إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال حماية الحيوانات، مثل ألمانيا وسويسرا، التي تمتلك قوانين فعّالة في هذا المجال. وأخيرًا، يوصي بضرورة التركيز على حلول مستدامة مثل برامج التعقيم والتحصين بدلاً من القتل العشوائي، وتقديم حوافز لتشجيع تبني حيوانات الشارع.

في الختام، يُؤكد المحامي أن غياب التشريعات القانونية لا يعفي المجتمع من المسؤولية الأخلاقية تجاه الحيوانات. إن التحرك العاجل لتغيير الوضع القائم، سواء عبر سن قوانين جديدة أو من خلال حملات توعية، أصبح أمرًا ضروريًا لضمان حماية حقوق الحيوانات.

المظاهرات الشعبية: صوت يعبر عن الحق

في الآونة الأخيرة، شهدت ساحة الأمويين في دمشق مظاهرة حاشدة نظمها نشطاء ومنظمات معنية بحقوق الحيوان للمطالبة بوقف العنف ضد الحيوانات. وقد شاركت الطبيبتان شام الباقر وسدرة الباقر في هذه المظاهرة، حيث عبرتا عن قلقهما العميق بشأن الواقع الحالي. تقول الطبيبة شام الباقر: “شعرت بالانزعاج والخوف في آن واحد. ما جرى لم يكن مجرد حادث عابر كحادث سيارة، بل كان قتلًا ممنهجًا ومقصودًا. ما يثير الرعب أكثر هو أن الشخص الذي يرتكب هذا الفعل، يظن أنه يقوم بعمل صحيح، دون أن يدرك أن هذا الكائن هو روح تشعر بالألم كما نشعر نحن. إذا تحولت هذه التصرفات إلى ثقافة مجتمعية، وأصبح الأطفال والناس معتادين على مشاهد العنف، فإننا بذلك سنندمج في ثقافة العنف، ويصبح العنف جزءًا من حياتنا اليومية”.

تضيف قائلةً: “رسالتي واضحة الحيوانات أرواح يجب احترامها وإيقاف قتلها فورًا، الناس يرون الدفاع عن هذه الأرواح رفاهية وهذا بحد ذاته كارثة، هذا معناه أننا طبعنا مع العنف وتعايشنا معه إلى أبعد حد وهذا ما لا نريده بعد اليوم”.

الرحمة ضرورة لا ترف

تضيف الطبيبة سدرة الباقر: “قررت المشاركة في هذه المظاهرة لأن الرحمة لا تتأجل. نحن نعيش في أوقات صعبة، وهذا أمر لا شك فيه، لكن هل يعني هذا أن نتجاهل الكائنات الضعيفة التي تعاني من قسوة البشر؟ الظلم يبقى ظلمًا، سواء كان على إنسان أو حيوان. نحن لا نحقق العدالة إذا قلنا: ‘لنحل قضايا البشر أولًا، ثم ننتقل إلى قضايا الحيوانات’. الحيوانات في الشوارع هم أطفال الشوارع الذين لا ذنب لهم، ولا صوت لهم، ولا من يدافع عنهم. كل يوم، تموت العديد من الحيوانات بسبب الجوع، البرد، الضرب، والسموم التي تُلقى عليها فقط لكي ‘نتخلص’ منها.”
تتابع: ” الظلم ظلم، والقتل قتل، سواء كان على إنسان أو حيوان. وإذا قال لي أحدهم “ليس الوقت مناسبًا الآن”، أقول له: لو أننا في كل مرة سمعنا كلمة “الوقت ليس مناسبًا”، وقررنا أن ننتظر، لما كان هناك أي تغيير في هذا البلد. لو أننا انتظرنا ما يسمونه “الوقت المناسب” لما قامت ثورة في سوريا، ولما تحركنا قيد أنملة في ظلمات عهد الأسد!

لقد سمعت الكثير من هذه العبارة: “ليس وقت التعليم”، “ليس وقت الفن”، “ليس وقت حقوق المرأة”، وبقينا ننتظر “الوقت المناسب”. لكن الحيوانات تموت اليوم وهذا هو الوقت الوحيد الذي يمكننا فيه إيقاف الموت. كل ساعة إضافية هي ساعة تموت فيها روح، ونحن نؤجل الحديث عن ذلك إلى “الغد”. لكن في الغد، قد تكون هذه الروح غادرت الحياة من دون أن يمتد إليها يد الرحمة.

إذا بدأنا في اختيار من نرحم ومن لا نرحم، لصرنا مثل من قتلنا. الفرق الوحيد هو أن بعضهم يحمل السلاح، وآخرون يحملون الصمت. لكن الصمت أيضًا يقتل.

لذلك، لا تقل “ليس الوقت المناسب”، بل قل “كيف يمكنني أن أساعد؟”.

إن العنف ضد الحيوانات ليس مجرد جريمة ضد الكائنات الضعيفة، بل هو تعدٍ على إنسانيتنا نفسها. عندما نُعرض هذه المخلوقات لظلمنا، فإننا نفقد جزءًا من أنفسنا، ونعلم أجيالنا أن العنف هو الحل. ولكن لدينا القوة لتغيير ذلك. بتفعيل القوانين، وبناء ثقافة الرحمة، يمكننا أن نعيش في مجتمع يحترم جميع الكائنات الحية.

الرحمة ليست ترفًا، بل ضرورة إنسانية. كل حيوان يُعذب هو تذكير لنا بأننا بحاجة لأن نكون أفضل. دعونا نكون الصوت لأولئك الذين لا صوت لهم، ولنضع حدًا لهذه الممارسات الوحشية. لنصنع مجتمعًا ينقض على الظلم بكل أشكاله، ونعيد للأرض روح الإنسانية والرفق.

 

#الرحمة #ليست #ترفا. #قتل #الحيوانات #في #شوارع #سوريا #يتحول #إلى #ظاهرة

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات