جاري التحميل الآن

لماذا يجب على واشنطن ألا تسمح لسوريا بالانزلاق نحو الفوضى؟

لماذا يجب على واشنطن ألا تسمح لسوريا بالانزلاق نحو الفوضى؟

في ظل التحولات المتسارعة في المشهد السوري والإقليمي، ووسط الحديث عن انخراط أميركي محتمل في مرحلة ما بعد الأسد، نشر “المجلس الأطلسي” (The Atlantic Council) تقريراً يتناول فرص وتحديات العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة والحكومة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع. ويطرح التقرير تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن ستغتنم هذه الفرصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، أو ستترك المجال مفتوحاً أمام كل من موسكو وبكين وطهران.

وفيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير كما ورد في موقع “The Atlantic Council”، ويوردها موقع تلفزيون سوريا لأغراض المتابعة والإطلاع، دون أن يعني ذلك تبني ما ورد فيه بالضرورة.

في ظل الأخبار التي رشحت حول اجتماع مزمع يجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارة ترامب للسعودية التي من المحدد لها أن تتم خلال شهر أيار، لا بد لمستقبل العلاقات المضطربة بين كلا الحكومتين أن يصبح تحت الضوء.

وفي الوقت الراهن، تشير الاختلافات الأيديولوجية والعقوبات والرسوم الجمركية التي فرضت ثم رفعت إلى أن السياسيين الأميركيين لا يشاطرون دمشق في مصلحتها بإقامة شراكات اقتصادية وأمنية سورية-أميركية، وإن كانت الأمور كذلك، فإن الولايات المتحدة قد ترفض تلك الفرصة التاريخية التي ترسخ المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ولكن، في حال تعميق واشنطن لتدخلاتها الاقتصادية والأمنية مع الحكومة السورية الجديدة، عندئذ قد تحقق الولايات المتحدة فرصاً تاريخية تتمثل بالحد من النفوذ الصيني والروسي في الشرق الأوسط، إلى جانب إضعاف محور المقاومة الإيراني خلال القادم من السنين.

فرصة قد تضيع

من دون وجود أفق واضح لرفع العقوبات وتجنب الرسوم الجمركية مستقبلاً، يرجح لحكومة الشرع أن تتوجه إلى دول أخرى حتى تقيم شراكات معها مستقبلاً، وستبدأ ذلك من الصين وروسيا.

نوقش هذا الموضوع مطولاً بين ثلة ضمت نواباً من كلا الحزبين في واشنطن، إذ في أواسط شهر شباط، حذر السيناتور الجمهوري جيم ريش، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية، من محدودية التدخل الأميركي أو غيابه بشكل كلي عن الحكومة السورية الجديدة، وذلك لأن هذا قد يفتح المجال أمام روسيا وإيران لممارسة نفوذهما بشكل كبير في سوريا مرة أخرى. وعلى المنوال ذاته، أعلنت السيناتورة الديمقراطية جاكي روسين بأنه لا يجوز للولايات المتحدة السماح للصين ولروسيا بأن تقتنصا الفرصة لتعميق مصالحهما الإقليمية على حساب الولايات المتحدة.

وبالنسبة للصين، تحدث الباحثان جوناثان فولتون ومايكل شومان من مركز المجلس الأطلسي عن الجهود التي بذلها الرئيس الصيني شي جيبينغ مؤخراً لتوسيع النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي الصيني في الشرق الأوسط واصفين إياها بأنها تمثل: “حملة لإعادة صياغة النظام العالمي ولسحب البساط من تحت أقدام الهيمنة الأميركية”، ولهذا فإن عدم التصدي للمساعي الصينية في مجال توسيع نفوذها في سوريا يمكن أن يتحول إلى خطوة خاطئة كبيرة بالنسبة لواشنطن.

354545454

وفي الوقت الذي تمثل العلاقات السورية – الصينية تهديداً طويل الأمد للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، يمثل الوجود الروسي في سوريا تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة وللمصالح الأميركية على حد سواء، إذ لطالما بقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضامن الاقتصادي والأمني لآل الأسد، وهذا ما كفل عدم تعرض النظام البائد لأي من الجهات التي ترعاها روسيا بأي سوء، وعلى الرغم من صعود حكومة جديدة في البلد، ما يزال الوجود العسكري الروسي قائماً في سوريا، ويفترض أن تهتم موسكو بالاحتفاظ بعلاقتها الزبائنية مع دمشق، ولا بد لذلك أن يزيد من قلق واشنطن، خاصة في حال توطد العلاقات بين روسيا وإيران.

ولكن حتى الآن على أقل تقدير، يعبر استمرار فرض العقوبات إلى جانب فرض ترامب لنسبة 41% من الرسوم الجمركية بالنسبة على البضائع القادمة من سوريا عن مؤشرات أولية غير موفقة تدلل على عدم وجود مصلحة لدى واشنطن بتطوير العلاقات الاقتصادية مع دمشق بعد رحيل بشار الأسد، وهذا الموقف ينقصه بعد النظر، لأن الاستثمار في سوريا خلال فترة تعافيها بعد مرور عقد على الحرب فيها، فضلاً عن الفساد وسوء الإدارة اللذين نهشاها، قد لا يؤتي أكله على الفور بالنسبة لواشنطن، إلا أنه وبكل تأكيد يدعم مصالحها الإقليمية على المدى البعيد.

ثم إن وجود شريك إقليمي جديد مستقر على المستوى الاقتصادي، ومدين بالامتنان للمساعدة الأميركية بدلاً من أن يكون مديوناً للوصاية الصينية والروسية، لا بد أن يسمح للولايات المتحدة أن تعزز الأمن الإقليمي بصورة أفضل فضلاً عن تعزيز عملية الاندماج وذلك في أثناء مجابهتها للنفوذ الإيراني.

لذا، وعبر رفع العقوبات والرسوم الجمركية، وتشجيع الاستثمارات الخاصة ضمن الاقتصاد السوري، يمكن للولايات المتحدة أن تقدم لدمشق بديلاً مقنعاً عن الشراكات مع الصين وروسيا، وفي نهاية المطاف، فإن إبعاد الصين وروسيا عن سوريا الجديدة قد يقدم للولايات المتحدة فرصة تاريخية لا يجوز لها أن تضيعها أو أن تفوتها مرة أخرى.

لا فرصة أمام محور الأغبياء

لم يسبق لمحور المقاومة الإيراني أن اعتراه هذا الضعف الذي يشهده اليوم، لذا فإن سوريا قد تكون هي المفتاح لإبقاء هذا المحور ضعيفاً ومستبعداً.

إذ خلال فترة سقوط نظام الأسد في كانون الأول من عام 2024، خسرت إيران حليفاً استراتيجياً مهماً، وقدرة غير محدودة كانت تخولها الاستعانة بالأراضي السورية لدعم أنشطة أذرعها القائمة على زعزعة الاستقرار. بيد أن المصائب التي منيت بها طهران إقليمياً لم تقف عند هذا الحد، لأن حرب إسرائيل على غزة ولبنان أضعفت قدرة إيران على الاستعانة بحماس وحزب الله وتصديرهما كتهديد مباشر للمصالح الإقليمية الأميركية. بل حتى في العراق، تراجعت الغارات التي تشنها ميليشيات مدعومة إيرانياً والتي تستهدف نقاطاً أميركية وإسرائيلية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على خوفها من إثارة غضب واشنطن التي صبت جام غضبها على الحوثيين في اليمن منذ فترة قريبة.

وعلى الرغم من أن هذا المشهد الأمني الجديد يصب في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة خلال الوقت الحالي، فمن غير المتوقع لذلك أن يدوم، من دون تشجيع أميركي على أقل تقدير.

ثم إن مسار الأمور التي تمارسها واشنطن لا بد أن يكون له اليد الطولى بإبقاء محور المقاومة الإيراني ضعيفاً، ولهذا يجب على الاستراتيجية الأميركية أن تدخل ضمن حساباتها دعم المساعي السورية للقضاء على فلول أذرع طهران وأنشطتها في ذلك البلد. ويبدو أن الولايات المتحدة ترى في الشرع حليفاً لها على تحقيق تلك الغايات، بما أنه ذكر في مقابلات عديدة بأن أذرع إيران هي من “يغذي حالة انعدام الاستقرار” كما وصفها بأنها تمثل “تهديداً استراتيجياً للمنطقة برمتها”.

نتنياهو وسموتريتش - رويترز

وللعثور على مجال فوري للتعاون الأمني بين سوريا وأميركا، يجب على السياسيين الأميركيين أن ينظروا إلى الحدود السورية-اللبنانية التي كانت وما تزال مقراً لشبكات التهريب الموسعة التي تعمل لصالح عصابات المخدرات ومحور إيران وحزب الله.

إذ على مدار عقود خلت، ظهرت تلك الشبكات التي تمد أذرع إيران في المنطقة بالثروات والسلاح والمقاتلين، كما كان وقود الديزل ومنشط الكبتاغون يتدفق من لبنان إلى سوريا، أما من سوريا إلى لبنان، فقد عمل المهربون على تهريب البشر والسلاح. ولكن، في ظل وجود دعم لوجستي وعسكري أميركي، يمكن للقوات السورية واللبنانية أن تقضي على شبكات تهريب الممنوعات بشكل نهائي، فتقطع بذلك خطوط الإمداد المهمة بالنسبة لبقاء أذرع إيران في المنطقة، إلى جانب قطع الطريق على تجارة الكبتاغون الضارة، والحد من الدعم الإيراني المقدم للجماعات التي تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة.

غير أن فرص التعاون السوري-الأميركي قد تزدهر وتنجح بعيداً عن الحدود السورية-اللبنانية، إذ بوجود الدعم العسكري الأميركي في سوريا بشكل مستمر، يمكن لواشنطن أن تقيم شراكة أمنية دائمة مع دمشق وذلك للقضاء على أنشطة أذرع إيران التي تتم في سوريا أو تمر عبرها.

ولكن في حال تقاعس الولايات المتحدة الأميركية، فإن أنشطة أذرع إيران ستتواصل وتتسارع، إذ على سبيل المثال، في حال استمرار تدفق الكبتاغون فإن شحناته ستستمر بتمويل الجماعات التي تمارس العنف وتعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، كما أن ذلك قد يسهم في مواصلة تدفق العدة والعتاد على حزب الله وغيرها من الجماعات في لبنان، إلى جانب العثور على موائل جديدة لها في سوريا، وذلك في المناطق الخارجة عن النطاق الأمني الذي تفرضه الحكومة المركزية الجديدة. وفي نهاية المطاف، يمكن لتلك النتائج أن تتمخض عن ظهور جيوب خارجة عن القانون في سوريا، في اختبار لمدى صبر وتحمل الحكومة السورية الجديدة، مما قد يؤدي لانهيارها هي أيضاً.

وعليه، فإن إحجام واشنطن اليوم يمكن أن يسهم وبشكل كبير في حدوث تلك النتائج الكارثية، وبالتالي، لابد للفوضى وانعدام الاستقرار المترتبين على انهيار الدولة في سوريا أن يجرا الولايات المتحدة إلى ذلك البلد، ولذلك يجب على السياسيين الأميركيين أن يتعاونوا مع دمشق على الفور، بما أن محور المقاومة الإيراني قد وصل إلى أضعف مستوياته، بدلاً من أن ينتظروا عقداً من الزمن حتى تعود إيران إلى سوريا مجدداً بعد تحولها إلى بؤرة للفوضى والاضطرابات بما يسهل على إيران استغلالها.

 

المصدر: The Atlantic Council 

#لماذا #يجب #على #واشنطن #ألا #تسمح #لسوريا #بالانزلاق #نحو #الفوضى

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات