في اليوم العالمي للتصميم نكشف جانبا من ثراء التصاميم الهندسية للخط العربي من خلال زيارة لمرسم الفنَّانُ والخطَّاطُ فهد المجحدي، الذي شدَّه سحرُ الخطِّ العربي وجمالُه، فارتبطَ به بعلاقةٍ وثيقةٍ، أشبه ما تكون بالتوأمةِ، على حدِّ تعبيره، لتبدأ رحلته مع الخطِّ، والفنِّ، والإبداع، و إبرازِ جماليَّاتِ الخطِّ العربي، وثراءِ الثقافةِ العربيَّة، وقابليَّته غير المتناهيةِ للتطوُّرِ، والحضورِ القوي في المعارضِ والفعاليَّاتِ المحليَّةِ والعالميَّة.
يعيشُ المجحدي نجاحَ «الاستديو المفتوح»، والإقبالَ الكبيرَ الذي حظي به مرسمُه من قِبل الزوَّار، والتفاعلَ مع أعماله الفنيَّةِ الأخيرة.. «سيدتي» حضرت في «استديو كرملة» الخاصِّ بالفنَّانِ، وخرجت بالحوارِ الآتي.
عتاب نور Etab Nour
تصوير – عبداللطيف الثويني
فهد المجحدي: أجد نفسي داخل الحروف وأدور حول مدارها

حدِّثنا عن تجربتك الأخيرةِ في الاستديو المفتوح، وما مدى النجاحِ الذي حقَّقه، وأي أثرٍ، تأملُ أن يتركه؟
بعد الانتهاءِ من المجموعةِ الفنيَّةِ الأخيرة، جاءت فترةُ الاستديو المفتوح. أردتُ استقبالَ الجمهورِ في الاستديو الخاصِّ بي الذي أُنتِجُ فيه منذ أعوامٍ أعمالاً، أشاركُ بها في معارضَ محليَّةٍ وخارجيَّةٍ، ويقتنيها جمهوري. من خلال تجربةِ الاستديو، أستضيفُ العامَّة، وأعرِّفُهم على بيئةِ عملِ الفنَّان، ومراحلِ إنتاجِ العملِ الفنِّي، والأدواتِ، والتقنيَّاتِ المستخدمةِ في الرسم، وحقيقةً، سُعِدتُ بردودِ فعل الجمهور، وانبهارهم الكبيرِ بفكرةِ الاستديو، وزيارةِ المرسمِ الخاصِّ بي لمشاهدةِ كيف أعمل، وهو ما يُمثِّل تجربةً جديدةً بعيداً عن المعارضِ والجاليريَّات التقليديَّة الخاصَّةِ بالفنونِ التشكيليَّة. لا أخفيكم، الإقبالُ الكبيرُ من قِبل الجمهور، وبشكلٍ يومي، والتفاعلُ مع ما أقدِّمه، يُشجِّعانني على إعادةِ تكرارِ الفكرة مستقبلاً.
لكلِّ فنَّانٍ رحلته التي يكتشفُ فيها ذاته، ويختبرُ إبداعه، ويُنمِّي موهبته، كيف جاءت البداياتُ الأولى للخطَّاط فهد المجحدي؟
في الأصلِ، أنا خطَّاطٌ كلاسيكي، انطلقتُ من الخطوطِ التقليديَّة النمطيَّة الكلاسيكيَّة، ثم كان اتِّجاهي للخطوطِ المعاصرة، وبعدها انتقلتُ لاستخدامِ الأدواتِ الفنيَّة، والفرشِ، والألوانِ الأكريليك في رسمِ الحرف. أستطيعُ القولَ إنني بدأتُ من فنِّ الحروفيَّات، والفنونِ التشكيليَّة التي يتمُّ فيها رسمُ الحروفِ بالفرشاةِ والألوان. كنت حريصاً خلال كلِّ تلك المراحلِ على المحافظةِ على الكلاسيكيَّة، لذا كنت أقومُ بإنتاجِ الخطَّين الكلاسيكي، أو التقليدي مع إنتاجِ الأعمالِ المعاصرة.
صِف لنا علاقتك بالخطِّ العربي وجماليَّاته، والعمقِ الذي يتمتَّعُ به الحرفُ العربي؟
علاقتي بالخطِّ العربي، أشبه ما تكون بالتوأمةِ. هناك تشابهٌ، وتطابقٌ كبيران بيننا. أستمتعُ به، وأجدُ نفسي في العمقِ داخل هذه الحروف، وأعيشُ خلالها، وأدورُ حول مدارها بشكلٍ دائمٍ.
تتعدَّدُ أنواعُ الخطِّ العربي، ولكلِّ نوعٍ قواعدُ، وملامحُ خاصَّةٌ تُميِّزه، بالنسبةِ لك، ما أنواعُ الخطوطِ التي تجدها قريبةً لنفسك؟
بكلِّ تأكيدٍ، ودون منازعٍ، أجدُ نفسي منجذباً لخطِّ الثلث. أعدُّه الخطَّ رقم واحد، وهو في الأصلِ تاجُ الخطوط، ويُلقَّب بـ “ملكِ الخطوط” بسبب ما يتمتَّعُ به من جمالٍ وقوَّةٍ، وثانياً يأتي خطُّ النسخ، وهو خطُّ كتابةِ المصحفِ الشريف الذي يعدُّ أعظمَ وأهمَّ الكتاباتِ على الإطلاق.
من خلال لوحاتك، يظهرُ تعدُّدُ أشكالِ الخطِّ العربي، ونلاحظُ دقَّةً في انتقاءِ الحروفِ والعبارات، ما خلاصةُ التجربةِ التي تُقدِّمها؟
الفنون دائماً ما تكون متجذِّرةً، ومتفرِّعةً بأساليبَ عدة. مدارسُ الفنون التشكيليَّة، لا تقومُ على اتِّجاهٍ معيَّنٍ، إذ يمكن في أي لحظةٍ، أن ينبثقَ فرعٌ من فروعِ الفنون التشكيليَّة، أو الخطِّ العربي، ويبدأ العملُ على تجاربَ ناجحةٍ قد تُفيد الفنَّانين في المستقبل لخوضِ التجربةِ، ومحاولةِ تطويرها بشكلٍ أفضل.
ما أهميَّةُ التقنيَّاتِ الحديثةِ في الفنِّ المعاصر، وكيف تمكَّنت من توظيفها في أعمالك؟
التقنيَّاتُ الحديثة، تساعدُ الفنَّان في تصوُّرِ الأعمالِ قبل تنفيذها، وفي الإسراعِ في إبداعها، ما يختصرُ عليه الوقتَ والجهد. أيضاً، يمكن مشاهدةُ مدى تطابقِ الألوانِ والعناصرِ، وتوزيعها داخل العملِ قبل تحويلها إلى لوحةٍ تشكيليّةٍ.
ومن عالم الفن إليك هذا اللقاء مع لولوة الحمود فنانة تشكيلية
“نجاح تجربة الاستديو المفتوح شجعني على تكراره”
واقع الخط العربي

في اعتقادك، ما أبرزُ الإشكاليَّاتِ التي تواجه فنَّ الخطِّ في عالمنا العربي اليوم؟
الإشكاليَّاتُ، ليست في الخطِّ العربي، بل في مفهومِ الناس، وعدمِ تمكُّنِ بعضهم من التفريقِ بين التقنيَّةِ والديجيتال، والخطِّ العربي! التحدِّي الذي يواجهنا نحن الخطَّاطين اليوم، يكمن في كيفيَّةِ إيصالِ الصورةِ الواضحةِ للناس، ليتمكَّنوا من التمييزِ بين الخطِّ العربي، وشكلِ الخطِّ العربي.
مع أن الخطَّ العربي تاريخياً يعدُّ من أقدمِ الفنون، وله صِلتُه التاريخيَّةُ بالحضارةِ والثقافةِ العربيَّةِ والإسلاميَّة، لكنْ يُقال إن المكتبةَ العربيَّةَ فقيرةٌ جداً من الكتبِ والدراسات، ما تعليقك؟
الخطُّ العربي، ليس أقدمَ الفنون، بل على العكس، أرى أن الفنونَ التشكيليَّة قد سبقت الخطَّ العربي بمراحلَ طويلةٍ، والدليلُ أن بدايةَ الإنسانِ في التعبير، كانت عبر الرسمِ والنقشِ على الحجارة، وهذا سبقَ الكتابة. الخطُّ العربي، لم يكن فناً من الفنون قديماً، بل مجرَّد كتاباتٍ لتوثيقِ المعارفِ والعلومِ وغير ذلك، وقد تطوَّر بعدها، وأصبح فناً، واليوم يعدُّ من أهمِّ وأحدثِ الفنون.
ضعفُ مهارةِ الكتابةِ والخطِّ لدى طلَّاب اليوم، ما الأسبابُ والحلولُ من وجهةِ نظرك؟
يرجعُ ذلك لعواملَ عدة، وتشتركُ في المسؤوليَّة جهاتٌ مختلفةٌ، منها وزارتا الثقافةِ والتعليم، مع العلمِ أن وزارةَ التعليم، تقعُ على عاتقها المسؤوليَّةُ الأكبر في تطويرِ مهارةِ الخطِّ والكتابةِ لدى الطلابِ من خلال مناهجِ التعليم.
يقولُ ياقوت المستعصمي: «الخطُّ هندسةٌ روحانيَّةٌ، ظهرت بآلةٍ جسمانيَّةٍ، تُقوَّى بالإدمانِ، وتُضعف بالإهمال». هل تتَّفقُ مع «هندسةِ الحرفِ العربي»؟
نعم، أتَّفقُ مع أن الخطَّ يُضعف بالإهمال، ويُقوَّى بالتمرين، إذ إن التمرينَ من أهمِّ عواملِ الحفاظِ على فنِّ الخطِّ، فالخطَّاطُ دائماً ما يتدرَّبُ على الكتابة، وبشكلٍ مكثَّفٍ حتى يكتسبَ اللياقةَ العالية.
تعرفوا على المزيد من الفنانين المبدعين في فنون الخط العربي، ومنهم: الخطاط صالح الهجر
مبادرات سعودية

قدَّمت السعوديَّة مبادراتٍ نوعيَّةً عكست اهتمامها بالخطِّ العربي بوصفه عنصراً ثقافياً حيوياً في التراثِ العربي، كيف تصف هذه المبادرات؟
صدورُ أمرٍ من المقامِ السامي بإنشاءِ مركزٍ خاصٍّ بالعنايةِ بالخطِّ العربي، وهو مركزُ الأمير محمد بن سلمان، في رأيي، أكبرُ دعمٍ لنا نحن الخطَّاطين. الخطوةُ جعلتنا نشعرُ باهتمامِ المسؤولين بهذا الفنِّ العظيم. كذلك الحالُ مع مبادرةِ السعوديَّة لتوثيقِ الخطِّ العربي في «يونسكو»، وقبل ذلك تخصيصُ 2020-2021 عاماً للخطِّ العربي، وهو من أهمِّ المبادراتِ الوطنيَّةِ لدعمِ الخطِّ العربي. كلُّ ذلك يشيرُ للاهتمامِ من قِبل المسؤولين بالخطِّ العربي، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، وأعتقدُ أننا في مقدِّمةِ الدولِ بهذا المجال.
إعلانُ وزارةِ الثقافة إطلاقَ «الخطِّ الأوَّلِ» و«الخطِّ السعودي» هل يصبّ ذلك في صلب اهتمامَ السعوديَّة بالخطِّ العربي، والتعبيرِ عن الهويَّةِ الثقافيَّةِ والتاريخيَّةِ والفنيَّة للبلاد؟
لا شكَّ أن ذلك يدلُّ على اهتمامِ الدولةِ والمسؤولين بهذا الفنِّ العظيم، كما يعكسُ، من جهةٍ أخرى، دورَ الخطِّ العربي، وما يجده من اهتمامٍ من كافةِ طبقاتِ المجتمع، والمؤسَّساتِ الحكوميَّةِ والأهليَّة بوصفه فناً واحتياجاً في الوقت نفسه، لا أحدَ يستطيعُ أن يستغني عنه.
الابتكاراتُ، والتصاميمُ كثيرةٌ، لكنْ طريقةُ التفكيرِ بأن نعودَ إلى هذه الحقبةِ الزمنيَّة، ونعيد إحياءَها، ونسترجع هذا الموروثَ بكلِّ تأكيدٍ مبادرةٌ جبَّارةٌ، وجهودٌ مباركةٌ، ونتمنَّى أن نشهدَ في المستقبلِ تطويراً أكبر لهذا المجال .
إلى أين يأخذك طموحك الفنِّي؟
لكلِّ فنَّانٍ بدايةٌ، ولكلِّ بدايةٍ تصوُّرٌ وطموحٌ معيَّنٌ، ومع تطوُّرِ الفنَّان، يزدادُ ذلك الطموح، وتزدادُ معه المغامرة. الحمد لله، استطعتُ الوصولَ إلى هذه المرحلةِ، وهذا المستوى المهني، وما زلتُ أطمحُ في المزيد.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط
#فهد #المجحدي #الخط #العربي #أبجدية #من #نور
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل َ
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.