جاري التحميل الآن

السوريون وعقدة الأبدية.. هل يخطط الشرع للبقاء في السلطة؟

السوريون وعقدة الأبدية.. هل يخطط الشرع للبقاء في السلطة؟

السوريون وعقدة الأبدية.. هل يخطط الشرع للبقاء في السلطة؟

رغم سعادة السوريين بتحرير بلدهم من حكم الوريث الهارب، ومن هيمنة أسرة الأسد على مدار عقود، ورغم ترحيبهم بالإدارة الجديدة والتعامل معها على أنها المخلص، إلا أن هذا الشعب غير مستعد لقبول دكتاتوريات أخرى وأنظمة جديدة قد تؤسس لحكم استبدادي وأسري أو أبدي.

يبدو ذلك واضحاً في خطاب النخب الوطنية والمواطنين على حد سواء، فالجميع اليوم يرفع الصوت ضد أخطاء الإدارة، بمن فيهم من بقي في الداخل السوري في أثناء وجود بشار الأسد والذين كانت أصواتهم مخنوقة ووجدوا في الإدارة الجديدة متنفساً للنقد من دون خوف من المساءلة والاعتقال، إذ لا يمكن لنظام سياسي أن يتكامل من دون معارضة حقيقية ونقد مستمر يمكن أن يكون قاسياً، بل يجب أن يكون كذلك.

غير أن كل تلك الانتقادات والأصوات المرتفعة تتأسس على الرغبة في تصويب الأخطاء والحرص على بناء الدولة الجديدة واستعادة سوريا ومكانتها بعد أكثر من خمسين عاماً من انتهاكها واستثمارها لصالح عائلة بعينها.

وفي ظل القراءات المتعددة لتوجهات الإدارة الجديدة يتأسس السؤال: هل يسعى الرئيس أحمد الشرع لبناء حكم ديكتاتوري، عائلي، أبدي؟

ثمة تخوفات تراود كثيراً من السوريين المحايدين الخائفين على مصير بلدهم ومستقبله تتعلق بهذا الموضوع وغيره، وهي تخوفات مشروعة لا شك، غير أنها تبقى قيد المراقبة والانتظار، غير أنها تبدو لدى سوريين آخرين يقيناً لا يمكن أن يشكك فيه، وهؤلاء يمكن توصيفهم بـ المعارضين (الفوريّين) الذين بدؤوا بالمعارضة منذ اللحظة التي تم فيها الإعلان عن أحمد الشرع كرئيس لسوريا وقبل أن يتكامل شكل النظام الجديد وتحدد أدواته، وراحوا يروجون لتلك الفرضيات الثلاث (الاستبداد والحكم العائلي والأبدية)، ويطرحونها على أنها الحقيقة الوحيدة الواضحة والدامغة والتي لا تحتاج لدليل، ويروجون لها بكل ما أوتوا من رفض مطلق للإدارة الجديدة مدعومة بحالة عداء وكراهية تؤكدها خطاباتهم وتوجهاتهم.

بالنسبة للسوريين الحريصين على بلدهم، فإنهم ما زالوا يعيشون آثار ما بعد صدمة حكم آل الأسد، أول من طرح فكرة الأبدية وكرسها في أذهان الشعب، ورغم سقوطه المدوي فإن مخلفات الصدمة لا تزال تجعل كثيراً من السوريين يعتقدون أن أي حكم قادم قد يكون أيضاً دكتاتورياً استبدادياً أبدياً وعائلياً، فهو تصور موغل في الوجدان وفي الذاكرة الشعبية العميقة والبعيدة، لأن أكثر من خمسين عاماً من تكريس صورة الفرد وأبديته لن يتم انتزاعها بسهولة.

لقد شهدت سوريا خلال عشرين عاماً بعد جلاء الفرنسيين صراعات سياسية كبيرة، وانقلابات كثيرة ومجموعة كبيرة من الرؤساء الذين تعاقبوا عليها من دون أن يطرح أحدهم فكرة الأبدية، إلى أن جاء حافظ الأسد ومن بعده ابنه، لينقشوا صورة الحكم الأبدي في أذهان السوريين، ويبدو أن سقوط الأسد لم يرافقه سقوط تأثيرات تركته الثقيلة ومفاهيم عهده البائد والتي لا يزال الشعب يمتلك حساسية خاصة تجاهها ولا سيما فيما يتعلق بأبدية الحاكم.

غير أن تخوفات الشعب في هذا الخصوص تختلف عن تحريض المتربصين، لأنها تنطلق لدى الشعب من دوافع وطنية بحتة وليس بناء على حالة عداء تام للسلطة الحالية كما يفعل المعارضون مسبقو الصنع الذين خلطوا ما بين المعارضة والصراع على السلطة، فراحوا يتصيدون ويترصدون في محاولة منهم لعرقلة قطار بناء الدولة.

ولا بد من الإشارة إلى أن ادعاءات أولئك المتصيدين دُعمت بكثير من الأخطاء التي ترتكبها الإدارة سواء منها تلك المتعلقة بنقاط في الإعلان الدستوري الذي كان بحاجة لمزيد من النضج والتدقيق من ناحية، أو في التعيينات التي اعتمدها الشرع وشملت أفراداً من عائلته وأقربائه، لتقدم للمتصيدين  تخريجات على طبق من ذهب يمكن أن تدعم اتهاماتهم للإدارة الجديدة فيما يتعلق بالاستفراد بالسلطة، والاستبداد والأبدية، ونوايا حكم العائلة.

ورغم خلوّ خطاب الشرع حتى الآن مما يدل على ذلك التوجه ووعيه بخطورة ذلك على سوريا وعليه شخصياً وعلى مستقبله السياسي، إلا أن الممارسة السياسية التي تم فيها ارتكاب مجموعة من الأخطاء الإجرائية فضلاً عن الانتهاكات التي حصلت في الساحل السوري، وسياسة التعامل مع متهمين متورطين مع نظام الأسد، وتأخر مسار العدالة الانتقالية وارتباكه، كل ذلك فتح هامشاً للمعارضين الجاهزين والمستعجلين، وتحديداً لأصحاب الخطاب العدائي للاختباء خلف تلك الأخطاء والترويج لخطابهم على أنه النسخة الوحيدة للخطاب الوطني المطلوب في هذه المرحلة.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن أخطاء الإدارة أحرجت مؤيدي الحكومة الحالية أو حتى معارضيها المحايدين في بحثهم عن تبريرات وتفسيرات لكل تلك التجاوزات والأخطاء، وأضعفت موقفهم أمام الخطاب المعادي، لأنها ستظهرهم كمؤيدين لا يرون إلا ما تراه الإدارة إن هم تعاموا عن أخطائها.

قد يكون مفهوم الإعلان الدستوري قابلاً لقراءات متعددة وليس بالضرورة ذلك التفسير الذي حدده المعارضون المتصيدون، وربما قد تكون التعيينات التي اعتمدها الشرع في المراكز الحساسة مستندة إلى ضرورة الاستعانة برفاق الدرب ممن شاركوا في التحرير، (صناع ثورة يوليو في مصر على سبيل المثال تقاسموا مع جمال عبد الناصر مسؤوليات الحكم بعد نجاح الثورة، وكذلك الثورة البلشفية التي تولى قادتها حكم الاتحاد السوفييتي بعد نجاحها..الخ)، تلك كلها احتمالات غير حتمية ولكن يمكن التفكير فيها ليس لإيجاد المبررات بل لتوسيع الرؤيا وعدم حصرها باتجاه واحد.

غير أن الكرة تبقى في ملعب الإدارة الحالية، فالأخطاء والتجاوزات والالتباس والغموض الذي يحيط بكثير من القرارات والممارسات، وارتكابات الأفراد أو الفصائل، ستبقى مادة خصبة للمترصدين والمتصيدين، وستبقى كذلك نقطة ضعف لدى مؤيدي الحكومة الجديدة.

إن مرتكبي تلك التجاوزات -إن كانوا أفراداً أو جماعات أو فصائل، -مرتبطين بالإدارة بشكل مباشر أو غير مرتبطين- هم العدو الأول للإدارة ذاتها ولسوريا، وهم فرس الرهان الذي يتعيش المتصيدون على وقع حوافره ويرقصون على إيقاع أخطائه، واستخدامه كوسيلة مريحة في إعاقة التقدم نحو بناء الدولة، وسكوت الإدارة أحياناً، وعدم تصحيح أخطائها أحياناً أخرى سيجعلها وكأنها تلعب ضد ذاتها، وهو الأمر الذي لا يتمنى السوريون أن يروه.

يمرّ السوريون اليوم بامتحان صعب وقاسٍ وهو امتحان بناء الدولة، والفرق شاسع بين فكرة الدولة وفكرة السلطة، وهنا يمكن الفرز بسهولة بين الصراع على السلطة الذي يديره المعارضون المعادون، والتفكير في بناء الدولة، وعلى هذا الأساس فإن هذه الفئة من المعارضين الذين أعلنوا حالة العداء التام للإدارة الحالية وقاموا بتفصيل تلك التهم مسبقاً، كانوا لن يترددوا في إطلاقها في كل حال، لأنهم -في معظمهم- معارضون مسبقو الصنع ومسبقو الرأي وكانوا سيلقون ذات التهم لو أن أية سلطة أخرى غير الحالية استلمت زمام الأمور في البلاد، فمعظم هؤلاء كانوا يمنون أنفسهم بأدوار كبيرة بعد سقوط النظام أو كانوا يطمحون لأن يكونوا هم السلطة، فلن يرضوا عن أية سلطة لا يكونون فيها.

ولكيلا يعد هذا الموقف انحيازاً للرئيس الشرع، فلا بد من الإشارة إلى أن السوريين لن يقبلوا بحكم يحاول إنتاج ذات المنظومة وسيقومون باقتلاعه قبل أن يتشكل، من دون الحاجة إلى التنظيرات الكيدية المتعالية والاستباقية والعدائية التي يطلقها أولئك الذين يصارعون على السلطة تحت غطاء الحرص الوطني..

إن رفض تلك الدعائم الثلاث (الانفراد بالسلطة والحكم العائلي والفكرة الأبدية) لا يحتاج إلى منظرين وسياسيين كبار، فلقد تعلم الشعب السوري جيداً خلال السنوات السابقة، ودفع ثمن تلك الدروس دماً وموتاً ودماراً وتهجيراً واعتقالاً، دفع أغلى فاتورة يدفعها شعب في العالم في التاريخ الحديث، ولهذا لن يحتاج لمن يحذره من الدكتاتورية وخطرها، ومن حكم العائلة، ومن الأبدية، وهو مثلث الخطايا السياسية والوطنية الأخطر الذي عمل الشعب على تكسيره وهدمه واقتلاعه من جذوره ولن يسمح بإعادة رسمه وإنتاجه في السياسة السورية مهما كلفه ذلك من أثمان..

يتوافق معظم السوريين اليوم على الرئيس الشرع بصرف النظر عن شخصه وانتمائه وأيديولوجيته، لأنهم يفعلون ذلك وفقاً لثلاثة عوامل: أولها فرحهم به كمخلص، وثانيها خطابه المطمئن والمتوازن، وثالثها أنه القوة الوحيدة المتاحة التي حلت مكان الأسد وأتاحت للسوريين الإحساس باستعادة بلدهم، وربما، بل بالتأكيد أنهم كانوا سيتوافقون على أي شخصية أخرى تأتي بعد الأسد بصرف النظر عن توجهاتها إن طرحت ما طرحه الشرع، فما يحتاجه السوريون اليوم هو جسم سياسي قادر على حمل أعباء المرحلة ونقل سوريا إلى الضفة الآمنة..

إن مفتاح الحسم لا يزال بيد الإدارة ورئيسها، فثمة خطوات تأخرت كثيراً على رأسها التطبيق العملي والسريع لمفهوم العدالة الانتقالية الذي ينتظره السوريون بفارغ الصبر، ومهما كانت انشغالات القيادة وحجم مسؤولياتها، فإن ذلك لا يبرر هذا التأخر، لأن تطبيق العدالة الانتقالية سيقطع الطريق ليس فقط على الأصوات المعادية، بل على كثير من التجاوزات التي تتم بسبب غياب تلك العدالة، كما سيكون البدء بتطبيق العدالة عنواناً لمرحلة جديدة يسود فيها القانون، وفي الوقت نفسه فرصة معلنة لنفي أية نية للاستئثار بالحكم.

#السوريون #وعقدة #الأبدية. #هل #يخطط #الشرع #للبقاء #في #السلطة

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات