أزمة ضرائب الجمرك واقتصاد الخدمات.. كيف يمكن للقطاع الصحي أن ينقذ اقتصاد الساحل؟
في الوقت الذي يشهد فيه العالم تصاعدًا في الحروب الاقتصادية ورفع الرسوم الجمركية بين الدول الكبرى، يبرز نموذج الاقتصاد الخدمي كأحد أنجح التجارب التي أعادت تشكيل القوى الاقتصادية العالمية.
وتجسّد الولايات المتحدة هذا التحول؛ حيث تخلّت تدريجيًا عن مركزية التصنيع لصالح الخدمات، مما ساعدها في الحفاظ على تفوقها الاقتصادي العالمي.
وبينما تتجه العديد من الدول نحو تعزيز اقتصادها الخدمي، يبرز سؤال مهم في السياق السوري: هل يمكن لقطاع الخدمات الصحية أن يكون رافعة اقتصادية حقيقية، وخاصة في المناطق التي تحتاج إلى تنمية مستدامة مثل الساحل السوري؟
الاقتصاد الخدمي: دروس من التجربة الأميركية
بالنظر إلى الأرقام، فإن متوسط دخل الفرد السنوي في أفقر ولاية أميركية – وهي ولاية مسيسبي – يبلغ نحو 51,420 دولارًا، وهو أعلى من متوسط دخل الفرد في دول صناعية كبرى مثل بريطانيا 49,100 دولارًا، فرنسا 46,000 دولارًا واليابان 33,810 دولارًا..
هذا الفارق يعود إلى النموذج الاقتصادي الذي اعتمدته الولايات المتحدة، والذي يركّز على تصدير الخدمات عالية القيمة مثل تكنولوجيا المعلومات، التعليم، الخدمات المالية، والترفيه. في المقابل، تعتمد في تلبية احتياجاتها الصناعية والاستهلاكية على واردات من دول منخفضة الكلفة كالصين، وفيتنام، وتركيا.
ويرى بعض المحللون أن زيادة التعرفة الجمركية بغرض عودة المصانع للولايات المتحدة سيكون مكلف، وسيزيد العبء الاقتصادي على المواطن الأميركي. فعلى سبيل المثال، يعتقد أن سعر هاتف الـ الأيفون قد يصل لـ 2.300 دولار في حال تم تصنيعه في أميركا بالمقارنة مع سعره الحالي 1000 دولار.
حتى خدمات العملاء – مثل الرد على مكالمات الدعم الفني لشركات الهواتف والإنترنت– غالبًا ما يتم توظيفها في دول مثل الهند والفلبين، حيث الكلفة منخفضة والكفاءة جيدة.
والسؤال المطروح: في ظل “إعادة اختراع سوريا” حسب تعبير الوزير الشعار، كيف تستفيد سوريا من الاقتصاد الخدمي ليصبح رافداً للاقتصاد الزراعي والصناعي؟
هناك آراء عديدة ممتازة في هذا المجال، منها من يقدم رؤية لتدريب الشباب السوري لتقديمه كمنافس لدول شرق آسيا في تقديم “خدمات العملاء” في الأسواق العالمية، ومنها من يطرح فكرة خلق بيئة لإعداد مبرمجين يسهمون في تلبية زيادة الطلب العالمي على الاختصاصيين في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي.
ومن بين الخدمات الأخرى التي تستطيع سوريا تقديمها هي السياحة الطبية كون هناك العديد من نقاط القوة التي تتمتع بها، من بينها وجود فائض بعدد خريجي الكليات الصحية، إضافة إلى السمعة المرموقة للكفاءات الطبية السورية.
وهناك العديد من الدول التي تستفيد من السياحة الطبية يمكن التعلم من تجاربها. فعلى سبيل المثال، وحسب بعض التقارير، مدخول تونس من السياحة الطبية يتجاوز المليار دولار سنوياً وهي قادمة من دول عربية وأخرى أوروبية مجاورة نتيجة الجودة العالية للخدمات الطبية والأسعار التنافسية. بينما وصل هذا الرقم لـ 3 مليار دولار في العام 2024 في تركيا.
أمّا من حيث المكان، فأرى أن أفضل مكان للاستثمار في هذه الخدمة هو الساحل السوري. فمن جهة، هناك طبيعة جغرافية ملائمة، ومن جهة أخرى أن نسبة كبيرة من سكان الساحل اعتادوا على تقديم العمل الخدمي في قطاعي السياحة ومؤسسات الدولة بالمقارنة مع مناطق جغرافية أخرى قد اعتادت الصناعة على سبيل المثال. إضافة للحاجة لتحقيق تنمية اقتصادية
تضمن الاستقرار في منطقة الساحل خصوصاً وسوريا عموماً. كما أن لهذا الأمر بعد اجتماعي أيضاً؛ فتوفير هذه الخدمات الصحية المتقدمة في الساحل يخلق بيئة تجذب المكونات السورية الأخرى للساحل وبالتالي زيادة الاحتكاك بين المكونات المختلفة بعد قطيعة اجتماعية دامت لعقود، وبالتالي فرصة أكبر لتحيق التعايش السلمي بين هذه المكونات.
أما تطبيق هذه الرؤية فيكون من خلال خلق مناخ مشجع على الاستثمار في السياحة الطبية، وعقد مؤتمرات دورية للمستثمرين في القطاع الصحي تقام في الساحل.
مع كل أزمة عالمية تولد فرص اقتصادية جديدة ودروس مستفادة. تنوع الجغرافيا السورية واختلاف مهارات سكانها هي فرصة حقيقية لتنويع اقتصادها بين الزراعي والصناعي والخدمي. كما أن خلق بيئة ملائمة لتحقيق التنمية الاقتصادية سيكفل تحقيق الاستقرار المنشود في كل المناطق السورية
#أزمة #ضرائب #الجمرك #واقتصاد #الخدمات. #كيف #يمكن #للقطاع #الصحي #أن #ينقذ #اقتصاد #الساحل
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.