جاري التحميل الآن

من يحرر يحكم.. مقولة ننفيها ونطبقها

من يحرر يحكم.. مقولة ننفيها ونطبقها

من يحرر يحكم.. مقولة ننفيها ونطبقها

في قاعة أحد الفنادق بدمشق، دار نقاش أمامي بين صحفي وضابط رفيع منشق عن جيش نظام الأسد. لم يكن نقاشاً رسمياً، بل ودياً بين صديقين، حيث اشتكى الضابط من أن وزارة الدفاع في دمشق لم تلتفت إليه، ولا إلى كثير من الضباط المنشقين، بينما جرى تولية غير الضباط، وغير المؤهلين، وفق ما يرى، مناصب رفيعة.

وحين قال له صديقه، إن من العدل أن يكون قائد فرقة على الأقل، وأنه يستحق أيضاً منزلاً، كما منح الآخرون منازل كانت لضباط نظام الأسد، زاد من انفعاله وحنقه على ما يجري، متسائلاً ماذا عساه أن يفعل، وأن كرامته لا تسمح له باستجداء حقه من أحد.

حينها، بادرت إلى محاولة التخفيف عليه، وقلت له إن حالنا نحن في الإعلام، ليس أفضل منكم أنتم العسكر، وحال أيضا كثير من الفئات الأخرى. وهناك كثير من أمثالي، ممن عملوا في الإعلام لعقود، وانشقوا عن إعلام النظام، وحين انتصرت الثورة، لم يكترث بهم أحد، وجرى تولية معظم مناصب الإعلام لأشخاص آخرين من الناشطين الوافدين من الشمال، أو ممن لهم صلة معهم، ممن كانت لهم تجارب إعلامية شجاعة ومقدرة على صعيد التغطيات الميدانية، لكن خبراتهم لا تؤهلهم لقيادة مؤسسات إعلامية كبيرة، لم يتسن لهم العمل في مثلها من قبل.

ولا يعقل أن يتولى إدارة التلفزيون شخص لم يعمل سابقا في أي تلفزيون، وأن يتولى إدارة صحيفة شخص، لم يدخل في حياته إلى مبنى صحيفة.

نعود للمقولة الشهيرة “من يحرر يقرر” والتي ينفيها المسؤولون في دمشق، خاصة الرئيس أحمد الشرع، لكن الجميع يلمس للأسف أثرها على أرض الواقع!

وطبعا، يمكن أن تقول أشياء مشابهة عن العديد من القطاعات الأخرى، خصوصا الإدارة العامة، لكن في تلك المواقع يمكن للشخص أن “يتدبر أمره”، بما أن العمل، يعتمد على “الشطارة”، وليس التخصص. بمعنى آخر، إدارة بقالية أو مطعم، يمكن للوهلة الأولى أن يتولاها أي شخص، لكن سيظهر الفارق في وقت لاحق، بين الشخص المؤهل لهذه المسألة، والشخص المقتحم عليها، من خلال الخسائر التي ستلحق بالبقالية أو المطعم، نتيجة سوء الإدارة، وقلة الدراية بأسرار المهنة.

بطبيعة الحال، يمكن لشاب طموح ومتواضع، بمعنى أنه حريص على اكتساب المعرفة من أي مصدر، أن ينجح في إدارة مؤسسة، حتى دون خبرة سابقة، لكن ستكون هناك ولا شك أخطاء كثيرة في البداية، لأن هذا الشخص، والفريق الذي معه، يتعلمون بالتجريب، ولا يستفيدون من تراكم خبرات سابقة.

لكن ما هو مبرر كل ذلك؟ لماذا لا يتم إشراك الجيل الأقدم في إدارة هذه المرحلة، وتطعيم التجربة بشكل تدريجي بالجيل الجديد؟ 

في الواقع، لا إجابة مقنعة على مثل هذا السؤال، سوى أنه حب الاستحواذ والاستئثار بالسلطة والقرار، مع قلة خبرة في الإدارة العامة، لدرجة يشعر معها أصحاب القرار أنهم يستطيعون إدارة أي شيء، ولا حاجة لهم للاستعانة بأحد، حتى ممن هم في صفهم السياسي، لكنهم كانوا يعارضون النظام من مواقع أخرى، غير تلك التي حضرت من الشمال.

هنا نعود للمقولة الشهيرة “من يحرر يقرر” والتي ينفيها المسؤولون في دمشق، خاصة الرئيس أحمد الشرع، لكن الجميع يلمس للأسف أثرها على أرض الواقع!

لا شك أن البناء السليم للمجتمع السوري المنهك بعقود من الحرب والفساد وسوء الإدارة، يتطلب وجود عقل إداري سليم.

والحقيقة، لا يمكن أن نعتبر أن هذا هو بالكامل نهج مقرر ومعتمد، ولعل كثير من الممارسات على أرض الواقع مردها فقط، ضعف الخبرة في الإدارة العامة، وليس رغبة مبيتة وصارمة بالاستئثار بكل السلطات.

إلى الآن، لا يوجد نهج أو خطة معتمدة لاستقطاب الخبرات في المجالات المختلفة. ما زال الأمر، كما كان في عهد النظام السابق يعتمد على التزكيات والمعارف. وفي مثل هذا الوضع، لا يتقحم غالباً غير المتطفلين والمتملقين، أما أصحاب الخبرة الحقيقيون، فإن ما لديهم من أنفة واعتداد بالنفس، يجعلهم يبتعدون، وينتظرون أن يتم التواصل معهم من المعنيين، وهذا نادرا ما يحصل.

قديماً قيل، “طالب الولاية لا يولى”، لكنه اليوم يولى، بل لا يولى غيره مع الأسف، في ظل عدم وجود آليات علمية موثوقة للبحث عن أصحاب الكفاءات في المجالات كافة، الإدارية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والسياسية.

لا شك أن البناء السليم للمجتمع السوري المنهك بعقود من الحرب والفساد وسوء الإدارة، يتطلب وجود عقل إداري سليم، على رأس كل وزارة ومؤسسة، يتولى استقطاب الكفاءات عبر برامج علمية وعملية، وليس مجرد شعارات يتم ترديدها، والقدرة على تفعيل ما هو موجود منها، واستخراج أفضل من عندها. أما إذا هيمنت عقلية إقصائية، لا تعترف بخبرات الآخرين، أو تتعالى عليها، فسوف تكون النتيجة مزيد من الاحتقان المجتمعي، ومزيد من السلبية، حتى من جانب النخب التي رأت في انتصار الثورة، وزوال حكم آل الأسد، نصراً شخصيا لها، ليس من منطلق “إذا لم أتول منصب، سأكف عن تأييد الحكم الحالي”، بل لأن بديل حكم الأسد، خيب أملهم بأن يكون لهم قيمة واعتبار في مجتمعهم، بعد عقود من التهميش. وهذا التقدير قد يكون مجرد تقدير معنوي، وليس تولي مناصب بالضرورة، علماً أن ذلك من حقهم، إن كانت لديهم الكفاءة المطلوبة.

 

 

شارك هذا المقال

#من #يحرر #يحكم. #مقولة #ننفيها #ونطبقها

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات