مجهولو النسب في سوريا.. حماية قانونية وتحديات مجتمعية في مواجهة الصمت
في ظل الحرب السورية وما رافقها من انتهاكات جسيمة، برزت واحدة من أكثر القضايا حساسية وصمتًا: الأطفال الذين وُلدوا نتيجة الاغتصاب، ولا سيما داخل مراكز الاحتجاز. ولا توجد إحصائيات رسمية أو حتى تقديرات تقريبية بشأن عدد هؤلاء الأطفال، إذ يُغلّف الصمت والخوف هذا الملف، وتُحجب تفاصيله خلف جدران الوصمة المجتمعية والمعاناة الفردية.
وعلى الرغم من قساوة الظرف الذي وُلد فيه هؤلاء الأطفال، فإن القانون السوري يتيح تسجيلهم على قيد الأم من دون الحاجة لإثبات نسب الأب، ومن دون أن يظهر في الوثائق الرسمية ما يشير إلى أن الوالد مجهول. خطوة قانونية تفتح باب الاعتراف بوجودهم، لكنها لا تقيهم من الوصمة الاجتماعية أو من احتمالات التمييز إذا كُشف عن ظروف ولادتهم بطريقة أو بأخرى.
في هذا التقرير، نسلّط الضوء على الأطر القانونية والإجرائية المتعلقة بتسجيل الأطفال مجهولي النسب في سوريا، ونناقش التحديات المجتمعية التي تواجههم، في محاولة لفهم كيفية ضمان حياة كريمة لهؤلاء الأطفال، وتوفير بيئة آمنة وعادلة للنساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي.
تسجيل الطفل بقرار من القاضي
مجهول النسب هو الطفل الذي يعثر عليه ولم يُعرف والاداه أو لم يثبت نسبه أو من ضل طريقه ولا يملك القدرة على الإرشاد عن ذويه وَفق “المرسوم التشريعي” رقم (2) الصادر في عام 2023 ومتعلق بتنظيم شؤون الطفل مجهول النسب ورعايته، أما إذا فقد أحد الوالدين فقط وكان أحدهما معروفًا، فيعتبر حينها الطفل فاقداً لأمه أو أبيه بحسب الحالة.
وأوضح مدير مديرية الأحوال المدنية في وزارة الداخلية، عبد الله العبد الله، لموقع تلفزيون سوريا، أن القانون السوري يُعرّف “مجهولي النسب” بأنهم الأطفال الذين لا يُعرف لهم والد أو أقارب، كأولئك الذين فقدوا عائلاتهم خلال الحرب من دون أن يتم التوصل إلى هوية ذويهم، أو الأطفال الذين يُعثر عليهم في أماكن عامة من دون وجود أي دليل يدل على أسرهم.
وبيّن العبد الله أن هؤلاء الأطفال يُنقلون عادة إلى دور الرعاية (دار الأيتام)، وفي حال تقدم أحد الكفلاء لتربيتهم، يتم تسليم الطفل إليه بموجب ورقة رسمية من دار الرعاية، يرافقها ضبط من الشرطة يثبت انتقال رعاية الطفل إلى الكفيل، وبعد ذلك يُمكن للكفيل مراجعة دائرة الأحوال المدنية لتسجيل الطفل، واختيار اسم شخصي له، في حال لم تكن دار الرعاية قد منحته اسماً مسبقاً.
وأشار مدير مديرية الأحوال المدنية بوزارة الداخلية إلى أن اسم الأب والأم واسم العائلة (الكنية) التي تُمنح للطفل يجب أن تكون بعيدة عن اسم الكفيل، وذلك حرصاً على عدم ربط نسب الطفل بالكفيل مستقبلاً. كما أكد أن هذه الإجراءات تُجرى من دون فرض أي رسوم مالية على الكفيل.
وعن الحالات التي تكون فيها الأم معروفة لكن الأب غير معلوم ومثالاً على ذلك حالات وقعت في سجون نظام الأسد المخلوع، أوضح عبد الله العبد الله، لموقع “تلفزيون سوريا” أنه في حال وجود حالات كـ”الاغتصاب” يجب على الأم رفع دعوى قضائية لتثبيت نسب طفلها، وحينها يتم تسجيل الطفل على اسم وكنية الأم، مع اختيار اسم أب افتراضي بقرار من القاضي فقط مع التأكيد أن السجلات المدنية لا تشير إلى أن الطفل غير شرعي قطعاً بعد إجراء التسجيل.
وفيما يتعلق بالنساء المعتقلات، أضاف العبد الله أنه يتم التحقق من تصريحاتهن من خلال تقديم دعاوى قضائية لتثبيت نسب الأطفال، حيث يتولى القاضي متابعة الإجراءات اللازمة لتسجيل هؤلاء الأطفال في السجلات المدنية.
وفيما يتعلق بعدد الأطفال الذين خرجوا من سجون نظام الأسد المخلوع عقب تحرير سوريا في 8 كانون الأول 2024 وفتح السجون فورًا للإفراج عن المعتقلين والمعتقلات، أشار مدير مديرية الأحوال المدنية في وزارة الداخلية، عبدالله العبدالله إلى أن الإحصائيات ما تزال غير متوفرة، ولا يمكن حتى الآن تحديد أعدادهم بدقة.
“الوعي المجتمعي مفتاح لحماية الأطفال”
من جانبها، ترى الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك لموقع تلفزيون سوريا إن التعامل مع النساء الخارجات من المعتقلات، أو مع الأطفال الذين ولدوا داخل سجون النظام السوري نتيجة عمليات الاغتصاب، يتطلب وعياً مجتمعياً عالياً وحساسية كبيرة في التعاطي مع هذه الحالات.
وتشدد عائشة عبد الملك بأنه على الأمهات تقديم تفسيرات مبسطة ومناسبة لأعمار أطفالهن، لا سيما في حال كانوا صغاراً وغير مدركين لما جرى، وذلك بهدف مساعدتهم تدريجيًا على تقبّل واقعهم، في حال عرفوا في المستقبل الظروف التي ولدوا فيها، كما أشارت إلى أن استخدام القصص الرمزية أو الخيالية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لبناء وعي تدريجي لدى الطفل عن قضايا الحياة المعقدة، مؤكدة أن المجتمع السوري لا يزال بحاجة إلى مستوى أعلى من الوعي في التعامل مع هذه الفئة الحساسة.
وشددت عائشة عبد الملك على رأيها بضرورة تجنب كشف النساء عن تفاصيل اعتقالهن أو تعرضهن لانتهاكات داخل السجون، إذا لم تكن هناك حاجة لذلك، حفاظاً على سلامتهن النفسية وحمايتهن من الوصمة الاجتماعية والنظرة السلبية في المجتمع.
وفي السياق ذاته، أكدت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في بيان لها امتلاكها قوائم موثقة تضم قرابة 3700 طفل مختفٍ قسرياً على يد نظام الأسد على مدى 14 عاماً، مشيرة إلى تلقيها معلومات منذ سنوات بشأن نزع الأطفال من ذويهم أو تحويل الأطفال المولودين في مراكز الاحتجاز إلى دور الأيتام أو مراكز رعاية، أبرزها المراكز التابعة لمنظمة “SOS” التي استقبلت أعداداً كبيرة من الأطفال من دون أوراق ثبوتية تؤكد هويتهم حتى عام 2019، وأوضحت الشبكة أنها لم تتمكن من التحقق من هذه المعلومات بسبب التحديات الاستثنائية التي واجهتها في أثناء محاولات التوثيق.
#مجهولو #النسب #في #سوريا. #حماية #قانونية #وتحديات #مجتمعية #في #مواجهة #الصمت
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.