“سلام” في دمشق: “وعزّ الشرق أوّله دمشقُ”
لم يقل أحمد شوقي أنّ “عزّ الشرق أوّله دمشق” عبثاً، كان يعرف معنى الاستقرار في دمشق فعلاً وتأثيره على الشرق عموماً، وعلى من جاور دمشق خصوصاً.
في لبنان، شارك الشعب اللبناني الشعب السوري معاناته مع النظام الأسدي في عهدي الأب والإبن، إذ كان النظام الأسدي يعتبر لبنان “الأخ الأصغر” الذي يعاني من أمراض عدّة ولا يستطيع السير بنفسه إلا مع تسلط أخيه الأكبر.. هكذا، دخل الأسد لبنان، وعبثت عناصره وأزلامه بالبلد مع كلّ ما عاناه لبنان من حروب وسيطرة ميليشيات طائفية وتدخلات أجنبية.. ولم يعترف الأسد بلبنان كدولة يتمثل بها ديبلوماسياً إلا بعد عام 2008، أي بعدما سيطر حزب الله على زمام الأمر والنهي في البلاد.. وربما يظنّ البعض أن دهشة الصحفيين والسياسيين بحضور العلم اللبناني إلى جانب العلم السوري الجديد مبالغ فيها، لكن هذا أقلّ ما يعيد الاعتبار لهذا البلد الصغير الذي عانى ما عاناه طيلة العقود الماضية.
رسّخت سيطرة نظام الأسد فيما رسخته عبارات عدّة لها أوجه سياسية منها “طالع ع دمشق” و”نازل ع بيروت”، وما بين الطلوع والنزول قرارات وسيطرة ونفوذ، تتلمس هذا الأمر في العلو والانخفاض في العبارتين، فـ”الطالع” يتوجه عند صانع القرار الحقيقي و”النازل” يتلقف القرار ليمليه على من هم “تحت”.. أما اليوم، فلا وجود لهذه العلاقة الفجّة التسلطية ولا لإرثها الثقافي الاستبدادي على الشعبين ولا لما أنتجته من ظواهر، ومن أبرز هذه الظواهر: ظاهرة “حزب الله”.
كلمة السر كانت “رفسنجاني”، فبعد وفاة الخميني وسيطرة حلف رفسنجاني-خامنئي على المشهد الإيراني عام 1989 وانتهاء الحرب مع العراق ونشوء المحور الغربي-العربي المتمثل بأميركا-السعودية-الخليج-مصر، تشكلت انطلاقة جديدة لحزب الله الذي حُصر العمل العسكري في جنوبي لبنان ،والتمثيل الشيعي بشكل عام، به وبحركة أمل، حيث نشأ آنذاك توافق إيراني-سوري بمباركة عربية ومباركة أميركية-أوروبية، إلى جانب انتهاء الحرب في لبنان ووضع اتفاق الطائف الذي وُضع بين المتنازعين برعاية سعودية-سورية والذي ينص في المادة الثالثة منه على تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي وفي المادة الرابعة على تعزيز العلاقات اللبنانيّة السوريّة.. ومع الاتفاق جاءت القمة الروحية في بكركي عام 1993 التي تشكلت في إثرها اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي في 1995 ومن بعدها تفاهم نيسان بعد عناقيد الغضب في 1996.. كلّ هذا هيّأ لحزب الله نفوذه في لبنان، ولاحقاً نفوذه في الإقليم، حيث نشأ الهلال الشيعي، وخط إيران-العراق-سوريا-لبنان، الذي ترسّخ بعد اشتعال الثورة السورية ضد الحكم الأسدي وتدخل حزب الله والميليشيات الإيرانية لحماية حكم حليفهم الأسد وقمع الثورة السورية.
هذا ما لم يحظَ به من ماثل حزب الله في نشأته وتشكله، مثل حركة التوحيد الإسلاميّة في شمالي البلاد، فأوجه التماثل والشبه بين نشأة حزب الله وحركة التوحيد كثيرة، منها التأثر بمنظمة التحرير الفلسطينية والعلاقة مع إيران (ولو أن علاقة التوحيد مع إيران لم تكن علاقة عقائدية صلبة مثل حزب الله وعلاقته بولاية الفقيه، لكن قيادات التوحيد تأثرت بالثورة الإسلامية في إيران فكرياً إلى حدّ بعيد) والطبيعة المقاومة لإسرائيل، ولكن حركة التوحيد قاتلت النظام الأسدي مع ياسر عرفات آنذاك، كما أن لطبيعتها السنّية ما يعرقل النهج الأسدي المتمثل بتحالف الأقليات والحلم التصديري لثورة إيران الشيعية.
كلّ هذا تلاشى بعد “الحرب الأخيرة” بين حزب الله والعدوّ الإسرائيلي، فما بين حرب تموز 2006 و”جبهة الإسناد” في 2023 أحداث كثيرة أوصلت حزب الله إلى ما وصل إليه اليوم. أولها كان اجتياح بيروت في 7 أيّار 2008 وإعلانه بهذا الاجتياح سيطرته على القرار الداخلي اللبناني بالسلاح، إلاّ إن القيادي عماد مغنية، أحد أعمدة حزب الله العسكرية والأمنية، اغتيل في العام نفسه في فبراير 2008 في دمشق، وهذا ما يمكن أن نعدّه المسمار الأول في نعش حزب الله، وهو ما يقوله العديد من خبراء ومحللي العدو الإسرائيلي في تقديراتهم، وما يؤكد هذا الأمر واقعة البيجر التي حدثت في الحرب الأخيرة والفشل والانكشاف الأمني الرهيب الذي حصل في هذا الحرب باغتيال الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله وغالب قيادات الصف الأول.
وهو ما قاله حتى النائب السابق ومسؤول ملف الموارد والحدود في حزب الله نواف الموسوي في مقابلته الأخيرة على قناة الميادين، حيث قارن بين الإحكام الأمني الذي مثله عماد مغنية في الحزب والفشل الأمني الذي حصل مع الحرب الأخيرة (مع العلم أن الموسوي أحيل للتحقيق بعد هذه التصريحات التي تتناقض مع كلام الأمين العام الحالي نعيم قاسم)؛ أما عن المسمار الثاني، فهو دخول حزب الله إلى سوريا ومساندته نظام بشار الأسد ودفاعه المستميت عنه، فبينما يتوسع نفوذ الحزب خارج لبنان، وبينما يرسم الحزب هذا النفوذ مع إيران، كان العدو الإسرائيلي يتابع تحركاته ويدرسه بدقّة، برعاية روسيّة، وحتى برعاية الأسد الذي تواصل ضباطه مع اسرائيل في الحرب، حسبما كشف تلفزيون سوريا في الحرب الأخيرة وأدلوا بمعلومات عن مواقع وتحركات حزب الله في سوريا، وفي هذا ممكن أن نحشد الكثير من المعلومات والتحليلات التي تؤكد هذا الأمر، فبأقل الاطلاع على ملفات العملاء الذين جندتهم إسرائيل بعد الأزمة الاقتصادية في لبنان خصوصاً يمكن رصد عدد لا يستهان به من العملاء الذي قاتلوا أو بدأوا قتالهم مع حزب الله في سوريا بعد دخولها إليها، وهذا طبيعي وليس بالصادم لمن التقى بأحد العناصر الذين شاركوا في سوريا، حيث كانوا يتفاخرون بقتالهم ومجازرهم وبما رأوه في سوريا وبتشكيلاتهم العسكرية وقياداتهم، كلّ هذا في أماكن عامة وعلى القهاوي. وبهذا، وبأمور أخرى.. كانت سوريا خصوصاً مقبرة حزب الله.
الآن، تحررت سوريا، وحزب الله مع وداعه الحليف الدموي لا يزال يعيش –هو وإعلامه وأمينه العام- حالة الإنكار، من اشتباكات العشائر البقاعية مع الأمن العام السوري الذي نفى الحزب أي علاقة له بها مع أنه نعى عناصر تابعة له فيها، إلى محاولة الانقلاب التي نفذتها فلول النظام البائد في الساحل والتي يتورط بها حزب الله، إلى خطابات نعيم قاسم التي تؤكد أنه غائب عن المشهد وفي عالم آخر، حتى أنه لمح في خطابه الأول بعد سقوط الأسد إلى أنه من الممكن أن يستعيد خطّ الإمداد.. كيف؟ وبأي طريقة؟ هو نفسه لا يدري، لكن الأجلى هو ما نراه واضحاً في العلاقة السورية اللبنانية الجديدة.. بأنّ نواف سلام في دمشق، والمباحثات في الملفات العالقة جارية، وأنّ عزّ الشرق –قطعاً- أوله دمشقُ.
شارك هذا المقال
#سلام #في #دمشق #وعز #الشرق #أوله #دمشق
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.