العلاقات السورية العراقية.. تحديات قديمة جديدة
أثار نشرُ الصور التي جمعت كلّاً من الرئيس السوري ورئيس الوزراء العراقي وأمير دولة قطر حفيظة العديد من القوى السياسية ذات الارتباط العضوي بإيران.
وذلك خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس أحمد الشرع إلى قطر في الخامس عشر من شهر نيسان الجاري، وقد أوضحت ردود فعل تلك القوى درجة حادّة من الرفض الذي تبديه تلك القوى من أية عملية تقارب بين العراق والقيادة السورية الجديدة وذلك انسجاماً مع موقف تلك القوى المتماهي إلى حدٍّ بعيد مع موقف طهران التي لا تكتفي بالتحفظ حيال الحكومة السورية الجديدة بل تدعو علناً للتحريض على مقاومتها باعتبارها صنيعة مؤامرة أميركية إسرائيلية وفقاً للإعلام الإيراني، إلّا أن السخط الذي وسم موقف تلك القوى العراقية تحوّل إلى تصعيد ممنهج موازاةً مع الدعوة التي وجهها محمد شياع السوداني إلى الرئيس الشرع لحضور الدورة القادمة من لقاء القمة العربية في بغداد في السابع عشر من شهر أيار القادم، وتجسّد هذا التصعيد بمواقف واضحة وصريحة لشطر كبير من أحزاب ( الإطار التنسيقي ) الذي يُعدّ رئيس الوزراء الحالي أحدَ مرشحّيه، كحزب الدعوة برئاسة نوري المالكي الذي أصدر بياناً بهذا الخصوص، وكذلك منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي.
إرث سياسي متوتر طيلة عشرين سنة
على الرغم من روابط الجغرافيا التي تحكم سوريا والعراق ( 618 كم الحدود المشتركة بين البلدين)، وكذلك على الرغم من حميمية العلاقة بين الشعبين الشقيقين والتي لم تتأثر بتناقض السياسات الحكومية، إلّا أنه لا يمكن الزعم بأن ثمة أساساً سليماً وقويّاً يمكن أن يكون حاملاً لعلاقات وطيدة بين البلدين، فمنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي أصيبت العلاقة بين بغداد ودمشق بحالة من ( التسمّم المزمن) نتيجة صراع جناحي حزب البعث الحاكم في كلا البلدين، علماً أن جذور الخلاف لا صلة لها البتة بجوانب فكرية أو إيديولوجية أو تنظيمية، بقدر ما هي سياسية ذات صلة بتوجّه كل سلطة وطموحها التي تسعى إليه وتحاول تعميمه ونمذجته على أنه هو الخيار الذي يمثل التوجه الأمثل للمصلحة القومية. وقد تعزّز هذا التنابذ بوصول الخميني إلى السلطة (1979) وانزياح حافظ الأسد عن مظلة ما يُسمّى آنذاك بـ (جبهة الصمود والتصدّي) وانخراطه في المحور الإيراني، ثم جاءت الحرب الإيرانية العراقية (1980 – 1988) التي شهدت حسماً كاملاً لانحياز نظام دمشق إلى جانب طهران لتؤسس بين الطرفين إرثاً من العداء لا يمكن تجاوزه بسهولة، ولم تكن تداعيات حرب الكويت (1992) بأقل سخونة من الحرب الأولى، من خلال انخراط نظام الأسد في التحالف الدولي المناهض للعراق. وعلى الرغم من الانفراج النسبي للعلاقة المسمومة بين الجانبين بعد موت الأسد الأب وتوريث الابن، إلّا أنها انفراجة شكلية لا تتعدّى مستوًى منخفضاً من العلاقات الدوبلماسية، وكذلك بعض التبادل التجاري ضمن ما يسمح به نظام العقوبات المفروض على العراق آنذاك.
الهيمنة الإقليمية وبسط النفوذ على دول الجوار هي إحدى المعالم الأساسية لسياسات طهران التي لم تتبدّل.
جسّد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 واقعاً إقليمياً جديداً في المنطقة، فما كانت تسعى إيران لتحقيقه في العراق طيلة عقدين من الزمن قد تحقّق لها دفعةً واحدة، إذ بإطاحة واشنطن بنظام العراق باتت إيران هي القابضة على مفاصل الدولة العراقية، إذ باتت المرجعيات الشيعية العراقية، التي تدين بتبعيتها المطلقة للولي الفقيه، هي المصدر الذي تنبثق عنه سياسات الدولة العراقية، بل أصبح العراق برمته مجالاً حيوياً لإيران فضلاً عن كونه أيضاً منطلقاً لامتداد نفوذها نحو دول الجوار العربي، إذ بات من الميسور تعزيز النفوذ الإيراني في لبنان من خلال جسور الجغرافية المتلاحمة من العراق فسوريا فلبنان.
الهيمنة الإقليمية وبسط النفوذ على دول الجوار هي إحدى المعالم الأساسية لسياسات طهران التي لم تتبدّل، واعتمادها على الإيديولوجيا الشيعية واستثمارها للطوائف الشيعية في العالم الإسلامي لا يلغي أبداً البعدَ القومي لمشروعها، إذ يبقى البعد الديني في هذه الحالة أمراً ضرورياً، بل هو الذخيرة اللازمة للتجييش والحشد واستنفار الأنصار، ولعلها عبر هذا المسار استطاعت زج الآلاف من مقاتلي الميليشيات الطائفية في سوريا ليقاتلوا إلى جانب نظام الأسد منذ العام 2012 وحتى تاريخ سقوطه.
الدخول في فلك إيران ليس كالخروج منه
لا ريب أن سقوط نظام الأسد قد جسّد هزيمة لإيران وأذرعها على الجغرافية السورية، إلّا أن حكّام طهران لن يسلّموا بتلك الهزيمة، بل يرون أن الردّ الحقيقي ينبغي أن يكون بدعم (المقاومة الشعبية للمؤامرة الإسرائيلية في سوريا) وفقاً لوكالة (مهر) الإيرانية، كما يتجسّد الردّ أيضاً عبر محاصرة القيادة السورية الجديدة سياسياً واقتصادياً عبر سعيها المستميت لحثّ أذرعها وأدواتها سواء في العراق أو في لبنان لعرقلة وتعطيل أي مسعى للتقارب بين سوريا الجديدة والدول العربية الأخرى، إذ ليس من المستغرب أن ترى طهران في أي تقارب عراقي سوري على أنه ضربٌ من شقّ عصا الطاعة.
ما لا يمكن تجاهله هو المأزق الصعب الذي يحيط برئيس الحكومة العراقي الذي لا يمكنه تجاهل مطلب أمريكي يقضي بالتعاون مع الحكومة السورية لمنع عودة طهران إلى دمشق.
بالعودة إلى أسباب رفض بعض القوى العراقية لدعوة الرئيس السوري إلى حضور مؤتمر القمة العربية المقبلة في العراق، يلجأ أتباع إيران إلى النبش في مسائل ذات صلة بوجود الرئيس الانتقالي السوري في العراق إبان الاحتلال الأميركي، وهذه مسألة لا ينكرها الرئيس السوري نفسه، وقد أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق قراراً بتبرئة السيد الشرع من أية تبعةٍ جرمية، باعتبار أن قتال المحتل أمر تتيحه جميع الشرائع والقوانين، بل توجبه جميع البواعث الوطنية والدينية، ولكن الأمر الذي لا يأتي على ذكره قادة ميليشيات إيران في العراق هو وجود أكثر من (14000) مقاتل من الميليشيات الطائفية العراقية في سوريا بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان عام 2014، ليس للتصدّي لعدوان خارجي ولا لمواجهة مؤامرة إسرائيلية، بل لقتل السوريين من درعا جنوباً وحتى البوكمال شرقاً، بل إن مشاركة تلك الميليشيات في ذبح السوريين كانت تجري بمقتضى (فتاوى دينية)، ولا يمكن للسوريين نسيان الفتوى الشهيرة لقيس الخزعلي (قائد عصائب أهل الحق) حين عزا أسباب قتل السوريين إلى كونهم من سلالة قتلة الحسين، وجريمة قتل الحسين لا يمكن أن تسقط بالتقادم، بل ستبقى تنتقل من جيل سابق إلى جيل لاحق إلى يوم الدين، بحسب الخزعلي ذاته. وبناء عليه، ثمة جريمة يتحمل وزرها السوريون، وهي قتل الحسين، وهذه الجريمة كانت مطوية تماماً حين كان السوريون يرزحون تحت نير الاحتلال الأسدي، ولكنهم مجرمون – فقط – حين ثاروا على نظام الإبادة وسعوا إلى تحرير بلادهم من سطوة العبودية.
يبقى القول: ثمة مشتركٌ أساسي بين نظام الأسد البائد والميليشيات الطائفية في العراق من جهة ارتباطهما العضوي بإيران، إذ لقد راهن الكثيرون من قبل على فكاك نظام الأسد عن طهران وابتعاده عن تبعيته المطلقة لها واندماجه – بدلاً من ذلك – في محيطه العربي، وكان بالفعل رهاناً فاشلاً، في حين كانت تحيل مجمل الوقائع إلى أن السبيل الأوحد لطرد إيران من سوريا هو زوال الأسد، وهذا ما كان بالفعل. وكذلك الحال بالنسبة إلى القوى الطائفية في العراق، ذلك أن ارتباطها بإيران ليس قائماً على محدّدات سياسية تجسّد مصالح متبادلة بين البلدين، بقدر ما هي قائمة على ولاءات ( عقدية) عابرة لجميع معايير الوطنية، تجعلهم يرون مصالح إيران تتقدّم على أي مصلحة وطنية عراقية. ولعل هذا ما يفسّر إقدام تلك الميليشيات ذاتها على قمع انتفاضة الجنوب العراقي في تشرين الأول عام 2019 حين أقدم العراقيون على إحراق قنصلية إيران في النجف ورفعوا العلم العراقي ومزّقوا صور الساسة والقادة الإيرانيين، وقد أطلقت وكالة (مهر) الإعلامية الإيرانية على المتظاهرين في مقال نشره موقع الوكالة بتاريخ 7 – 10 – 2019 توصيف (سنّة السلطة وشيعة السفارة).
ما لا يمكن تجاهله هو المأزق الصعب الذي يحيط برئيس الحكومة العراقي الذي لا يمكنه تجاهل مطلب أميركي يقضي بالتعاون مع الحكومة السورية لمنع عودة طهران إلى دمشق، وكذلك في الوقت ذاته لا يمكنه تجاوز أصوات شطر كبير من التحالف الذي ينتمي إليه ممّن عيونه على السلطة في العراق، وقلبه معلّقٌ بطهران، فهل ستساهم الضغوط الجديدة للرئيس ترامب على إيران في إيجاد مخرج ولو مؤقت للرئيس شياع السوداني؟.
شارك هذا المقال
#العلاقات #السورية #العراقية. #تحديات #قديمة #جديدة
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.