ستوتزمان وميلز.. “مهمة استطلاعية” إلى دمشق تفتح نافذة أميركية على سوريا
هبط نائبان جمهوريان من الكونغرس الأميركي في مطار دمشق الدولي، في زيارة غير رسمية لكنها بالغة الدلالة، واختارا مارلين ستوتزمان وكوري ميلز، وكلاهما من الحزب الجمهوري، أن يطأا أرض العاصمة السورية بعد أشهر فقط من الإطاحة ببشار الأسد.
مارلين ستوتزمان، النائب العائد إلى الكونغرس عام 2025 بعد غياب لثماني سنوات، لم يكن يوما من دعاة التدخل العسكري في سوريا، وكان أكثر اهتماما بمكافحة “الإرهاب” من الانخراط في “تغيير الأنظمة”، إلا أن زيارته الأخيرة إلى دمشق ولقاءاته مع مسؤولين في الحكومة السورية تعكس تحوّلا لافتا في موقفه، إذ بدا متفائلا بإمكانية بناء شراكة جديدة مع القيادة السورية .
أما كوري ميلز، النائب عن ولاية فلوريدا، فقد حمل معه إلى دمشق اختبارا مبكرا لنوايا السلطات الجديدة، وأشارت زيارته إلى أن دوائر في واشنطن بدأت تفكر في مقاربة جديدة حيال سوريا ما بعد الأسد.
بعد الإطاحة بالنظام، يجد كلا الرجلين نفسيهما في موقع جديد: مراقبان عن قرب للتحوّل السوري، وربما صانعا ملامح السياسة الأميركية تجاه دمشق في مرحلتها الانتقالية.
من رفض تسليح المعارضة إلى لقاء الشرع: مسيرة ستوتزمان السورية
مارلين ستوتزمان هو نائب جمهوري عن ولاية إنديانا خدم في مجلس النواب بين 2010 و2017 ثم عاد إلى الكونغرس مجددا عام 2025.
خلال مسيرته السياسية اتخذ ستوتزمان مواقف حذرة تجاه التدخل العسكري الأميركي في الحرب السورية، فعندما دعت إدارة أوباما عام 2013 إلى عمل عسكري عقابي ضد نظام بشار الأسد عقب هجوم بالأسلحة الكيميائية، عارض كثير من الجمهوريين تلك الضربة المحتملة. وبالفعل أبدى ستوتزمان تحفظا على الانخراط العسكري المباشر في سوريا، وركّز بدلا من ذلك على التهديد الناشئ عن تنظيم “داعش”.
في تصريح رسمي له عام 2014، أكد ستوتزمان دعمه لتكثيف الضربات الجوية ضد تنظيم الدولة بالتعاون مع الحلفاء، لكنه عبّر صراحة عن “تحفّظات عميقة” بشأن تمويل أو تسليح فصائل المعارضة السورية قائلاً: “لم أرَ بعد خطة تضمن عدم وقوع الأسلحة الأميركية في الأيدي الخطأ”.
ومع أنه صوّت في سبتمبر 2014 لصالح استمرار تمويل الحكومة (ضمن مشروع قانون تضمن بندا لتدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة)، أوضح ستوتزمان أنه فعل ذلك “على مضض” حرصا على عدم تعطيل عمل الحكومة، برغم مخاوفه من البند الخاص بسوريا.
في السنوات اللاحقة من ولايته الأولى، واصل ستوتزمان اتباع نهج متحفظ حيال التدخلات المتعلقة بسوريا. فعلى سبيل المثال، بعد أزمة اللاجئين السوريين عام 2015 وما رافقها من مخاوف أمنية في الولايات المتحدة، انضم ستوتزمان إلى الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب بالموافقة على تشريع يفرض قيودا صارمة على استقبال اللاجئين السوريين والعراقيين.
وقد مرّر مجلس النواب ذلك القرار في نوفمبر 2015 بأغلبية كبيرة (289 صوتا) بالرغم من تهديد البيت الأبيض آنذاك باستخدام الفيتو. هذا التصويت أظهر تشدد ستوتزمان وزملائه حيال أي إجراءات يعتبرونها قد تُعرّض أمن البلاد للخطر، حتى في سياق الأزمة الإنسانية للاجئين السوريين.
وبشكل عام، قبل 2024 لم يكن ستوتزمان شخصية قيادية بارزة في صياغة سياسة أميركية نشطة تجاه سوريا، بل انحصرت أدواره في التصويت والتصريح وفق توجه محافظ تقليدي: رفض تمكين نظام الأسد أو “الجماعات المتطرفة”، مع الحذر من التورط العسكري الأميركي المباشر.
بعد عودته إلى الكونغرس مطلع 2025، وجد ستوتزمان المشهد السوري قد تغيّر جذريا بالإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر 2024. هذا التطور الكبير انعكس على نبرة ومواقف ستوتزمان حيال سوريا وأصبح يدعو صراحةً للتواصل مع القيادة السورية الجديدة التي أفرزتها المرحلة الانتقالية.
في نيسان الجاري زار ستوتزمان بشكل غير رسمي دمشق برفقة زميله النائب كوري ميلز، في أول زيارة لبرلمانيين أميركيين إلى سوريا منذ سقوط الأسد.
خلال هذه الزيارة التقى بمسؤولين في الحكومة في دمشق، واجتمع بالرئيس السوري أحمد الشرع رغم أن الشرع لا يزال مدرجا على لوائح العقوبات الأميركية دافع ستوتزمان عن جدوى الانخراط بالحوار معه، وأشار إلى سوابق انخراط إدارة ترمب في حوار مع زعماء مثل قيادتي إيران وكوريا الشمالية، معتبرا أنه “لا ينبغي أن نخشى التحدث مع أي كان”، كما صرّح أنه يتطلع لمعرفة خطط السلطات الجديدة في دمشق بشأن “التعامل مع المقاتلين الأجانب وتحقيق حكم شامل لكل مكونات الشعب“.
أتاحت هذه الزيارة الميدانية لستوتزمان فرصة لتغيير ملموس في لهجته تجاه سوريا ما بعد الأسد، ففي تصريح لوكالة رويترز في أثناء وجوده بدمشق، تحدث ستوتزمان بتفاؤل عن “فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر” لمساعدة سوريا على النهوض، وأكد: “لا أريد لسوريا أن تُدفَع إلى أحضان الصين أو أن تعود إلى أحضان روسيا وإيران”، مشددا على أهمية انخراط الولايات المتحدة مع القيادة السورية الجديدة حتى لا تملأ تلك القوى الفراغ.
وأعرب ستوتزمان عن أمله في “قيام حكومة سورية قوية تحظى بدعم شعبها وبإمكانها إقامة علاقة متينة مع إسرائيل في المستقبل”، وقال : “أعتقد أن ذلك ممكن، بصراحة”.
هذه التصريحات تمثّل تحولا ملحوظا في موقف ستوتزمان؛ فبعد أن كان متشككا في جدوى دعم فصائل المعارضة خلال وجود الأسد، بات اليوم – عقب سقوط النظام – يناصر الانخراط الإيجابي مع السلطة السورية الانتقالية وتشجيعها على النجاح، معتبرا ذلك فرصة لتعزيز الاستقرار الإقليمي بما يخدم مصلحة السوريين.
كوري ميلز.. من متعاقد عسكري إلى برلماني يستطلع مستقبل دمشق
كوري ميلز هو سياسي ورجل أعمال مخضرم في مجال الأمن خدم في الجيش كمحارب قديم، وانتُخب نائبا عن ولاية فلوريدا لأول مرة عام 2022 ضمن موجة من الجمهوريين ذوي التوجهات المحافظة الشعبوية.
يتمتع ميلز بخلفية في قطاع المتعاقدين العسكريين وسجل في العمل بمناطق نزاع حول العالم، وقد أسهم شخصيا في إجلاء مواطنين أميركيين من أفغانستان خلال الفوضى التي أعقبت الانسحاب هناك.
منذ دخوله الكونغرس مطلع 2023، انضم ميلز إلى لجنتي الشؤون الخارجية والقوات المسلحة في مجلس النواب، مما أتاح له منصة للمشاركة بقوة في قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية، بما في ذلك الملف السوري، وأظهر ميلز اهتماما خاصا بالشرق الأوسط، حيث شارك في رعاية تشريعات تتعلق بسوريا تحديدا خلال فترته القصيرة في المجلس.
على غرار ستوتزمان، مال كوري ميلز إلى “نزعة عدم التدخل العسكري الطويل الأمد في سوريا”، لكنه تبنّى في الوقت ذاته موقفا صارما ضد نظام بشار الأسد وممارساته، فعندما طرح النائب مات غايتس في أوائل 2023 قرارا بموجب صلاحيات الحرب لإنهاء “الوجود العسكري الأميركي في سوريا” خلال 180 يوما، كان ميلز من بين المؤيدين الجمهوريين لهذا التحرك. وقد صوّت بالفعل في آذار 2023 لصالح قرار سحب نحو 900 جندي منتشرين في سوريا.
ورغم أن ذلك القرار هُزم في مجلس النواب بأغلبية 321 صوتا مقابل 103، فإن دعم ميلز له عكس إيمانه بأن المهمة العسكرية المحدودة هناك “تفتقر إلى تفويض واضح” وأن على الكونغرس ممارسة رقابة أشد على الانتشار الخارجي للقوات.
في الوقت نفسه، تميز ميلز بموقف متشدد تجاه نظام الأسد المخلوع، وسعى لاستخدام أدوات الضغط غير العسكرية، مثل العقوبات وكشف أنشطة النظام غير المشروعة. على سبيل المثال شارك النائب ميلز مع زميله الديمقراطي جاريد موسكوفيتز في طرح مشروع قرار بالكونغرس يندد بدور نظام الأسد في تصنيع وتصدير الكبتاغون الذي يغذي “التنظيمات الإرهابية”.
وأشار ميلز في هذا السياق إلى أن الأسد وحلفاءه (كحزب الله وميليشيات تدعمها إيران) جنوا مليارات الدولارات من تجارة المخدرات لتمويل أنشطتهم المزعزعة للاستقرار، وشدد ميلز على أن الولايات المتحدة “لا يمكنها أن تغض الطرف عن كيفية تمويل الدكتاتوريات الوحشية في الشرق الأوسط، مثل نظام الأسد”.
عكست هذه التصريحات إصراره على محاسبة النظام عبر العقوبات الاقتصادية والإجراءات القانونية الدولية بدلا من الانخراط العسكري المباشر، وبالفعل، أيّد ميلز تطبيق صارم لقانون “قيصر” للعقوبات على نظام الأسد، ورأى في الضغط الاقتصادي وسيلة لإضعاف النظام الذي كان يدعم شبكات المخدرات و”الإرهاب”.
ومع انهيار حكم بشار الأسد في نهاية 2024 وانبثاق حكومة انتقالية جديدة في دمشق، أبدى كوري ميلز انفتاحا حذرا على التواصل مع القيادة السورية، وففي نيسان 2025، انضم ميلز إلى ستوتزمان في الزيارة غير الرسمية إلى دمشق بتنظيم من منظمة أميركية سورية غير حكومية.
قام ميلز بجولة في أنحاء العاصمة السورية التي دمرتها الحرب والتقى بممثلين عن المجتمع المدني وزعماء دينيين مسيحيين في حي باب توما التاريخي، كذلك اجتمع ميلز مع الرئيس السوري أحمد الشرع لمدة تسعين دقيقة في قصر الرئاسة بدمشق، حيث ناقش معه “قضية العقوبات الأميركية ودور إيران في سوريا”.
وأوضح ميلز في تصريحات للصحافة أن هدفه من الزيارة هو “تقييم الأوضاع على الأرض بنفسه” والوقوف على احتياجات الشعب السوري بعد الحرب، وقال لمراسل وكالة أسوشيتد برس: “من المهم جدا أن آتي إلى هنا لأرى بنفسي وألتقي بمختلف الجهات… وأن أطلع على احتياجات الشعب السوري واحتياجات استقرار البلاد”.
ورغم إقراره بأن رفع العقوبات نهائيا هو بيد الرئيس الأميركي، إلا أنه أكد أن “الكونغرس يمكنه تقديم المشورة” في هذا الشأن، ملمحا إلى انفتاح على تخفيف بعض العقوبات إذا “حققت الحكومة السورية الانتقالية الشروط المطلوبة”.
وأظهرت هذه الزيارة أن ميلز يسعى لدور “استطلاعي وتقييمي” أكثر منه اعترافي رسمي – فهي زيارة غير حكومية – بهدف نقل صورة مباشرة لصنّاع القرار في واشنطن حول الواقع الجديد في سوريا. صرّح ميلز في مقطع فيديو بثّه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو على متن الطائرة في طريقه إلى دمشق قائلاً: “إنه لشرف حقيقي أن أكون هنا. نحن نتطلع إلى رؤية سوريا حرة منتخبة ديمقراطيًا، سوريا تتقدم إلى الأمام وتبني علاقات تجارية واقتصادية مع الولايات المتحدة… وكما نجعل أميركا عظيمة مجددا، دعونا نجعل سوريا عظيمة مجددا”.
هذا الشعار الذي اقتبسه ميلز يُظهر حماسه في تشجيع نهضة سوريا بعد حقبة الأسد، وتفاؤله بإمكانية الشراكة الأميركية – السورية في المستقبل إذا سارت البلاد في طريق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
#ستوتزمان #وميلز. #مهمة #استطلاعية #إلى #دمشق #تفتح #نافذة #أميركية #على #سوريا
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.