جاري التحميل الآن

طموح اتحادي أم حذر سياسي.. ما مدى صلابة اتفاق الشرع – عبدي؟

طموح اتحادي أم حذر سياسي.. ما مدى صلابة اتفاق الشرع – عبدي؟

في تطور سياسي جديد يُعيد تسليط الضوء على تعقيدات المرحلة الانتقالية في سوريا، أدلى مسؤولون في “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا” بتصريحات لوكالة “رويترز” في العاشر من نيسان 2025، أكدوا فيها على ضرورة اعتماد نظام اتحادي في البلاد. تأتي هذه التصريحات بعد نحو شهر من توقيع اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في العاشر من آذار 2025، والذي نصّ على دمج مؤسسات “قسد” المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة السورية، وضمان حقوق المكونات المختلفة، بما في ذلك الكُرد، في المشاركة السياسية والتمثيل العادل في مؤسسات الدولة.

هذا التوقيت يثير تساؤلات حول مدى التزام الطرفين ببنود الاتفاق، خاصةً في ظل تصاعد المطالب الكردية بتطبيق نظام اتحادي، وهو ما قد يُفسر كمحاولة لإعادة التفاوض على شكل الدولة السورية المستقبلية، أو كإشارة إلى تباينات في فهم وتطبيق الاتفاق الموقع بين الطرفين. اللافت في هذا السياق أن تأكيد مطلب “النظام الاتحادي” في وقت لم تنضج فيه بعد ملامح التسوية النهائية، ما دفع مراقبين إلى التساؤل عمّا إذا كان هذا الطرح يمثل خرقاً فعلياً لبنود الاتفاق، أو أنه مجرّد تذكير بمواقف قديمة يجري إعادة تفعيلها في لحظة تفاوضية دقيقة.

مشروع اتحادي في الشمال السوري.. بين شرعية المشاركة وخطاب الرفض

ضمن المواقف التي تزامنت مع تجدد النقاش حول شكل الدولة السورية المقبلة، شددت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا”، خلال تصريحات أدلت بها خلال اليوم الثاني من منتدى السليمانية التاسع، يوم الخميس 17 نيسان الجاري، على أن الإصرار على الدولة المركزية هو ما أدى إلى الصراعات المتتالية، مؤكدة أن النظام الاتحادي هو المدخل لتسوية سياسية دائمة، يُنهي مركزية القرار، ويمنح المجتمعات المحلية أدوات حقيقية في إدارة شؤونها.
وأضافت أن “ما يجري حالياً هو أن حكومة دمشق تقرر وتعيّن وتدير”، في إشارة إلى استمرار الهيمنة المركزية على القرار السياسي، رغم التغيرات التي طرأت بعد سقوط نظام الأسد وبروز سلطة انتقالية في دمشق. وشددت أحمد على أن “الإدارة الذاتية” تسعى إلى تحديد النظام السياسي الجديد بالتفاهم مع دمشق، مؤكدة أن الطرح الاتحادي لا يعني الانفصال، بل يُعبّر عن رؤية “تشاركية” للحكم في دولة موحدة.
الباحث السوري، شورش درويش، قال خلال حديث خاص لموقع “تلفزيون سوريا” بأنه وعبر عقود طويلة جرى تشويه مفردات مثل “النظام الاتحادي” و”تطوير النظم الإدارية” بالشكل الذي يقلّص السلطة المركزية خاصة في زمن حكم “البعث” المديد والمركزية الشديدة التي اتبعها.

جانب من الجولة الميدانية في حي الشيخ مقصود - تلفزيون سوريا

وبالتالي فإن مفهوم اللامركزية أو النظام الفيدرالي بات يوصم بأنه مؤامرة تستهدف اقتطاع أجزاء من سوريا وأنها مقدّمة لحركات انفصالية، وفق درويش؛ الذي أضاف متابعاً بأن “مثل هذا التشويه لمعاني النظام اللامركزي المتولّد من الحداثة السياسية والإدارية للدول، خضع أيضاً للهوى الإقليمي الرافض لتحوّل سوريا إلى كيان لامركزي توزّع فيه الصلاحيات والمسؤوليات، ويصار من خلاله إلى تنمية المجتمعات المحلّية بعيداً عن تدخّل المركز”.

أما الكاتب السوري، حسن النيفي، فاعتبر خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” أن مسألة الفيدرالية في سوريا ليست أمراً محصوراً بتفاهمات سورية – سورية، وإنما لها تداعيات إقليمية ودولية لا يمكن تجاهلها، وتابع بالإشارة إلى أن “تركيا لا يمكن أن توافق على إنشاء أي كيان كردي على حدودها الجنوبية، وهذه حقيقة واقعة يجب أخذها بعين الاعتبار، أضف إلى ذلك أن جميع الدول النافذة في الشأن السوري لا تميل إلى تجزئة سوريا، بل تدعو إلى وحدة الأراضي السورية، بما في ذلك الدول المتعاطفة مع الإدارة الذاتية (فرنسا – أميركا)، وعلينا أن نتذكر دوماً أن (اتفاق الشرع-عبدي) وكذلك التفاهمات حول حيي الشيخ مقصود والأشرفية (في مدينة حلب)، إضافة إلى التفاهم حول انسحاب قسد من سد تشرين، جميع هذه التفاهمات كانت بدفع أميركي فرنسي والغاية منها دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية. وأعتقد أن تمسّك الكورد بالطرح الفيدرالي في الوقت الراهن ربما ينتهي إلى ما انتهى إليه التصويت الذي جرى في كردستان العراق من أجل الانفصال النهائي عن الدولة العراقية”.

بالعودة إلى تصريحات إلهام أحمد، فإنها لم تخرج عن الأدبيات السياسية التي تبنتها الإدارة الذاتية في سنواتها الأخيرة، إلا أنها هذه المرة أتت في لحظة سياسية انتقالية دقيقة، ما يجعلها محمّلة برسائل تفاوضية موجهة إلى دمشق، و حتى إلى الأطراف الإقليمية والدولية التي تراقب باهتمام شكل النظام الذي سيُبنى على أنقاض المركزية الأسدية.

وفي مقابل هذا الخطاب، أُعلن في 15 نيسان 2025 عن تأسيس “مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة والفرات“، الذي يضم سبعة كيانات سياسية ومدنية، أبرزها “تجمع أبناء الجزيرة – تاج”، و”اتحاد شباب الحسكة”، و”حركة 8 كانون”، كحراك عربي مضاد يرفض ما وصفه بـ”مشاريع الفدرلة والتقسيم”. البيان التأسيسي للمجلس شدد على أن “قسد” لا تمثل عرب المنطقة، وأن وجود بعض العناصر العربية في صفوفها لا يمنحها شرعية التحدث باسمهم، داعياً إلى تمثيل سياسي بديل ينقل صوت المنطقة إلى العاصمة دمشق وإلى المؤسسات الدولية، مع التأكيد على وحدة سوريا أرضاً وشعباً.

هل تصلح الفيدرالية لسوريا؟

يأتي هذا الاستقطاب في وقت لم تتبلور فيه بعد الصيغة النهائية لشكل الحكم في سوريا الانتقالية، ما يعيد طرح سؤال جوهري؛ ما الذي يعنيه فعلاً النظام الاتحادي؟ وهل يمكن تطبيقه في سوريا؟

الفيدرالية، بحسب التعريف السياسي والدستوري، تقوم على نقل جزء من السلطة السيادية إلى وحدات مكوّنة للدولة، بحيث تكون لهذه الوحدات صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية واضحة ومحميّة في الدستور، لا يمكن تعديلها إلا بإجماع وطني. وهي تختلف عن اللامركزية الإدارية التي تمنح السلطات المركزية صلاحيات محلية محدودة قابلة للتعديل أو الإلغاء.

وتُعد الفيدرالية إطاراً ناجحاً لإدارة التنوع في دول مثل ألمانيا وسويسرا والهند، لكنها في الحالة السورية لا تزال محل جدل واسع، يعود جزء منه إلى التباين الحاد في البنية الديمغرافية وتوزيع الموارد. ففي حين تتمتع مناطق شمال شرقي سوريا بثروات طبيعية كبيرة من النفط والزراعة، فإن مناطق أخرى تعاني من هشاشة اقتصادية وافتقار للبنية التحتية، ما يجعل الحديث عن توزيع عادل للسلطة والثروة أمراً بالغ الحساسية، كما أن هناك مخاوف لدى بعض الأطراف في سوريا من أن تُستخدم الفيدرالية كغطاء لانفصال تدريجي، رغم تأكيد الإدارة الذاتية مراراً أنها ملتزمة بوحدة البلاد.

في ضوء هذا الجدل، تبقى الفيدرالية بين من يراها ضماناً للتعدد والمشاركة السياسية، ومن يخشى أن تكون قفزة على اللحظة الوطنية الجامعة. ويبدو أن الحسم لن يكون سياسياً فقط، بل دستورياً أيضاً، إذ إن أي نظام اتحادي لا يمكن ترسيخه إلا من خلال وثيقة دستورية توافقية، تُعرض على الاستفتاء الشعبي وتُكتب بيد جميع السوريين، لا من خلال تفاهمات ثنائية أو موازنات أمر واقع.

american force

الباحث شورش درويش، بيّن خلال حديثه بأن المجتمعات المحلية، ومن ضمنها الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، تبحث في الأصل عن ضمانات من المركز بأن لا يعاد نموذج الدولة المركزية المتسلّطة، وفي حال طلبت الضمانات من “الأطراف” فإن ذلك ممكن بالنظر إلى تجارب جميع الدول التي حدّت من سلطة المركز، وزاد بالقول “المركز سيحتفظ بالسلطات السيادية (الدفاع والاقتصاد والخارجية والداخلية)، وبالتالي فإن إفساح المجال للمجتمعات المحلية للتعبير عن نفسها ثقافياً وإدارياً ورسم خططها للتنمية لا يتعارض مع السياسة العامة للبلاد، ويستحيل من خلال إعادة التعاقد بين السوريين أن تهدد اللامركزية الوحدة الترابية للبلاد، ولأجل ذلك ينبغي أن تجترح سوريا نموذجاً أكثر عدلاً تجاه المجتمعات المحلية والثقافات الوطنية، واتباع سياسات جهوية رشيدة معبّراً عنها في دستور يقطع مع الدساتير السابقة التي كرّست المركزية التي دخلت في خدمة الدكتاتورية”.

من جانبه أفاد الكاتب، حسن النيفي، خلال تصريحاته لموقع “تلفزيون سوريا”  بأن إعادة النظر في الإعلان الدستوري بات أمراً واجباً لاستدراك بعض الأمور، “أهمها التأكيد على حق الكرد بحقوقهم الثقافية والإشارة إلى حقهم في التعلم والحديث باللغة الكوردية، وإذا ما تزامن هذا مع اعتماد نظام اللامركزية الإدارية، فأعتقد سيكون مخرجاً سليماً ومناسباً للجميع”، وفق تعبيره.
واستدرك بالقول “غياب الفيدرالية لم يكن في أي يوم من الأيام أصلاً للمشكلة السورية، كذلك فإن الدعوة إلى اعتماد نظام فيدرالي اليوم لن يكون أصلاً في حل المشكلة أو مخرجاً للأزمة، بل ربما يكون مقدمة لتشظي الجغرافيا السورية وكذلك عاملاً ممهداً لمزيد من النزعات الانفصالية”.
من ناحيته اعتبر درويش في ختام تصريحاته لموقع “تلفزيون سوريا”، أن النموذج الذي تطرحه الإدارة الحالية قابل للتطوير ولن يكون نموذجاً جامداً. “تتوقف إمكانية تطوير التجربة على السياسات التي ستتبعها دمشق إزاء فكرة اللامركزية في عموم سوريا، وعلى قدرتها تخطي سياسات الإنكار والاضطهاد القومي تجاه الكرد التي اتبعها نظام البعث، وبطبيعة الحال فإن الوصول إلى صيغة حكم محدّثة وإلى تعاقد دستوري يتطلّب تطوير التفاهمات على الأرض بين دمشق والإدارة الذاتية، ولعل تجربة الأحياء الكردية بحلب مطلع الشهر الجاري تبدو واعدة لجهة إدماج القوى الأمنية في هيكلية الدولة والتي قد تنعكس على مجمل شمال شرقي سوريا، شريطة أن يتم تنحية الظرف الإقليمي الضاغط على الطرفين (الإدارة ودمشق) من مجريات عملية التفاهم والاتفاق، بالشكل الذي يجعل من أي إتفاق إطاري اتفاقاً وطنياً يعزز فرص الحل السياسي في مجمل البلاد”.

طرح تفاوضي أم مشروع ثابت؟

بدران جياكرد وهو قيادي بارز في “الإدارة الذاتية” كان قد قال في وقت سابق من هذا الشهر لوكالة “رويترز”، إن “جميع القوى السياسية الكردية في سوريا اتفقت في ما بينها على رؤية سياسية مشتركة حول شكل الحكم السياسي وهوية الدولة السورية وماهية حقوق الكرد وكيفية تضمينه دستورياً، وأكدوا ضرورة تحقيق نظام اتحادي برلماني تعددي ديمقراطي”.

وقال جياكرد “الأمر الأساس بالنسبة إلى المجتمع السوري وجغرافيته والواقع المعاش تؤكد ضرورة الحفاظ على خصوصية كل منطقة إدارياً وسياسياً وثقافياً، وهذا ما يلزم وجود مجالس محلية تشريعية في إطار الإقليم وهيئات تنفيذية لإدارة شأن الإقليم وقوات أمنية داخلية تابعة لها”، وأضاف أنه ينبغي تحديد ذلك في الإطار الدستوري لسوريا”.

في حين كان الرئيس السوري أحمد الشرع أعلن معارضته للنظام الاتحادي، خلال مقابلة مع صحيفة “الإيكونوميست” في كانون الثاني الماضي، معتبراً أنه لا يحظى بقبول شعبي ولا يصب في مصلحة سوريا، بحسب تعبيره.

#طموح #اتحادي #أم #حذر #سياسي. #ما #مدى #صلابة #اتفاق #الشرع #عبدي

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات