جاري التحميل الآن

حل اللواء الثامن.. ما انعكاسات ذلك على الأرض؟

حل اللواء الثامن.. ما انعكاسات ذلك على الأرض؟

انتصرت الثورة، بل انتصر الشعب السوري العظيم الذي ضحى وعانى ما عاناه قبل إسقاطه زمرة الإجرام المتمثلة بنظام الأسد الطائفي الفاسد الذي جثم بسطوته وطغيانه وإرهابه وإجرامه على صدور وأنفاس السوريين لما يزيد على خمسة عقود.

نعم، وبعد 14 عامًا دامية، انتصر الشعب على فرعون العصر وزمرته وجلاديه. ولكن في المقابل، فلا شك أن الحكومة السورية الجديدة قد ورثت ثقل جغرافيا جمهورية مدمرة بغالبية بناها التحتية ومدنها ومفاصلها الحيوية، ناهيك عن ثقل وعظم التحديات الأمنية والاقتصادية والمعيشية والخدمية، التي وجدت الحكومة نفسها فجأة بلا حول منها ولا قوة في مواجهتها والتصدي لما هو مطلوب منها، من خلال السعي المتواصل لتذليل الصعوبات وإزالة العقبات، والعمل الجاد والحثيث للوصول الهادف إلى الحلول الناجعة والسريعة نسبيًا لبناء الجمهورية السورية الجديدة، رغم عظم وصعوبة المهام.

والتي، برأيي، ورأي كثير من المهتمين بالملف السوري، تحتاج فيها الدولة إلى العديد من السنوات من العمل الدؤوب والمتواصل لإعادة الإعمار وتأهيل وتأمين البلاد على جميع الأصعدة.

الدولة السورية الوليدة والتحديات الأمنية

في الواقع، فإن إدارة العمليات والأمن العام ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام والتحرير قد وضعت على رأس أولوياتها واهتماماتها المباشرة مسألة حساسة وفي غاية الأهمية، وهي فرض الأمن وتحقيق الأمان على كل الأراضي السورية. وذلك من خلال اتخاذ إجراءات عملية وميدانية كالإسراع في دمج الفصائل بجميع مسمياتها في بوتقة جيش وطني محترف واحد موحد، والعمل بموازاة ذلك على بناء وتشكيل جهاز أمني قوي متخصص بمطاردة مجرمي فلول النظام البائد، والقضاء على ظاهرة انتشار السلاح المنفلت وغير الشرعي بكل أنواعه، والعمل الهادف على حصر هذا السلاح بيد الجهات المعنية والمختصة فقط.

ولا شك أن السلطة السورية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع، سعت وما تزال وبكل الإمكانيات المتوفرة إلى فرض هيبة الدولة، وبسط سيادتها الكاملة وغير المنقوصة على كامل التراب الوطني، مختارة الأسلوب اللين، واللجوء إلى خيار المفاوضات والمحادثات للتوصل بشكل أو آخر إلى اتفاقات تسوية مع الأكراد والدروز وبقية الفصائل المسلحة التي استنكفت عن الاندماج في مؤسسة الجيش الواحد، مثل اللواء الثامن في درعا الذي تم حله أخيرًا بمطلب شعبي وجماهيري وتم تسليم مقدراته لمؤسسة الجيش الوليد.

إن مسألة دمج الفصائل العسكرية في إطار جيش وطني جديد هي خطوة مفصلية في مسار إعادة بناء الدولة السورية، لكن هذا الدمج والانصهار في الواقع يتطلب تضافر كل الجهود المحلية بشكل رئيسي، والإصرار على التجاوز الصادق والواعي للانقسامات المناطقية والإثنية والطائفية.

 

ماذا يعني حل اللواء الثامن لنفسه؟ انعكاسات ذلك على الداخل السوري

من المعروف أن اللواء الثامن تم تأسيسه في أعقاب اتفاق التسوية الإذعاني الذي رعته روسيا بين قوات النظام السوري والفصائل المسلحة في شهر آب 2018، حيث تم انضمام التشكيل حينها إلى الفيلق الخامس المدعوم والمأمور من موسكو. وفي عام 2022، تغيرت تبعيته رسميًا إلى شعبة المخابرات العسكرية، وهو ما اعتُبر حينها مؤشرًا على تحول في ميزان النفوذ داخل محافظة درعا، في ظل تراجع الدور الروسي نسبيًا لصالح السلطات الأمنية السورية وحليفتهم إيران، إلى أن جاء القرار قبل أيام بحل اللواء وتسليم سلاحه للجيش السوري. وعليه، فإن الإعلان النهائي عن حل (لواء التسويات) اللواء الثامن المقاد من المدعو أحمد العودة، الذي كان يعد من أهم وأبرز الفصائل المسلحة في الجنوب السوري، ووضع مقدراته البشرية والتسليحية تحت تصرف وزارة الدفاع، سيعزز كثيرًا من هيبة الدولة السورية، وسيزيد من فرص وإمكانيات سيطرتها السلمية الكاملة على كامل ترابها في الجنوب السوري (السويداء) وفي شرقي الفرات (ميليشيات قسد).

وخاصة بعد أن وقع الرئيس الشرع في آذار الماضي اتفاقًا مهمًا ولافتًا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، يقضي في مرحلته الأولى بخروج وانسحاب المسلحين الأكراد بكل أسلحتهم وعتادهم من سد تشرين ومن حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب إلى شرقي الفرات، وتسليم الحيين للدولة، والعمل لاحقًا على دمج مؤسسات ما يسمى الإدارة الذاتية الكردية في مؤسسات الدولة السورية. يأتي هذا الأمر مترافقًا مع المفاوضات المستمرة وحتى هذا التاريخ مع ممثلين عن طائفة الموحدين الدروز في السويداء لدمج مجموعاتهم المسلحة ضمن الجيش السوري، في خطوة تهدف إلى توحيد الهياكل الفصائلية العسكرية ضمن جيش الدولة. إذ أن القيادة السورية لن تقبل مطلقًا ببقاء أي جماعة مسلحة ومهما كانت تبعيتها وأعدادها وإمكانياتها خارج سيطرة الدولة، وسيكون هذا الأمر من الأولويات الأمنية التي تسعى الدولة للوصول إليها وتحقيقها، وبحسب المسؤولين، سلمًا أو (حربًا)، وهو آخر الخيارات المؤجلة والصعبة.

القضايا المتعلقة بهيكلة وزارة الدفاع والمؤسسات الأمنية المتعددة تعد أحد أبرز وأهم التحديات الموجودة على طريق الوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية، التي يقع على عاتق مسؤوليها العمل على إرساء أسس وقواعد نظام حكم جديد.

الأمل والإرادة والتحديات

في الواقع، ومع سقوط نظام الأسد المجرم، برزت وبشكل واضح لدى القيادة الجديدة الإرادات والنوايا والعزائم الحقيقية التي تهدف إلى تأمين واستغلال الفرص المناسبة لإعادة بناء الدولة السورية الجديدة، التي عاث بها نظام الإجرام الأسدي فسادًا وتخريبًا طوال ما يزيد على خمسة عقود. لكن المعطيات على الأرض والتحديات الأمنية المحلية والدولية المتنوعة والكثيرة المصاحبة لهذا التحول التاريخي ليست سهلة أو قليلة، وهذا من دون أدنى شك أمر طبيعي مقارنةً مع دولة مدمرة سُلبت كل مقدراتها وإمكانياتها طوال نصف قرن لصالح عائلة المخلوع الهارب ونظامه المجرم البائد. ولا شك أن القضايا المتعلقة بهيكلة وزارة الدفاع والمؤسسات الأمنية المتعددة تعد أحد أبرز وأهم التحديات الموجودة على طريق الوصول إلى نهاية المرحلة الانتقالية، التي يقع على عاتق مسؤوليها العمل على إرساء أسس وقواعد نظام حكم جديد، يستند إلى مبادئ الحكم الرشيد والمشاركة الشعبية الفعالة والواعية في صنع قرارات الدولة، والاحترام الحقيقي لحقوق المواطن السوري وحرياته وأمنه، والتعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري. وهذا كله في الحقيقة سيكون كما يتمناه السوريون تدشينًا لنظام سياسي جديد، في ظل انفتاح عربي وإقليمي ودولي على دمشق، وهذا عمليًا ما ظهر جليًا من خلال الزيارات الكثيرة لقادة ووزراء ومسؤولين من دول عربية وإقليمية أكدوا فيها دعمهم الكامل للسلطات السورية الجديدة لتحقيق كل أهدافها في إعادة وتأهيل البلاد.

ختامًا

إن مسألة دمج الفصائل العسكرية في إطار جيش وطني جديد هي خطوة مفصلية في مسار إعادة بناء الدولة السورية، لكن هذا الدمج والانصهار في الواقع يتطلب تضافر كل الجهود المحلية بشكل رئيسي، والإصرار على التجاوز الصادق والواعي للانقسامات المناطقية والإثنية والطائفية والولاءات الخارجية والداخلية المتعددة، والابتعاد عن عقبة الخشية من فقدان السيطرة والنفوذ. وهذا يمكن التغلب عليه بسهولة إذا تم تغليب مصلحة السوريين على مصلحة الأشخاص والجماعات من خلال صياغة عقيدة وطنية واضحة، تضمن استقلالية الجيش عن أية توجهات إيديولوجية أو ولاءات خارجية. كما يجب وضع استراتيجيات عسكرية تمكن القيادة العسكرية ووزارة الدفاع من إعادة تأهيل المقاتلين كلهم وإشراكهم في مهام مدنية وعسكرية جديدة، بما يمنحهم أدوارًا منتجة بعيدًا عن التجاذبات الميدانية. وعليه، فسيبقى شرط تعزيز الثقة بين المكونات السورية بمختلف أطيافها السياسية والاجتماعية هو الركيزة الأساسية لأي نجاح يعمل عليه، فالتجارب تقول إنه من دون حوار وطني صريح وشامل وشفاف يشارك فيه الجميع، وتفاهمات عادلة حول المستقبل السوري، فقد تبقى فكرة الجيش الوطني الموحد بعيدة وصعبة المنال، مما يهدد بتكرار نماذج عربية دخلت في صراعات وفوضى بعد نجاح ثوراتها.

شارك هذا المقال

#حل #اللواء #الثامن. #ما #انعكاسات #ذلك #على #الأرض

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات