جاري التحميل الآن

نظرات في ملف الجهاديين المهاجرين في سوريا

نظرات في ملف الجهاديين المهاجرين في سوريا

نظرات في ملف الجهاديين المهاجرين في سوريا

لا ريب في أن مسألة الجهاديين الأجانب في سوريا إشكالية. وقد برزت مؤخراً على وجه الخصوص بعد ما تسرّب من الطلبات الأميركية من الحكم الحالي بألا يتولى أي من هؤلاء مناصب عليا في العهد الجديد الذي كان قد أعلن، بعد ثلاثة أسابيع من وصوله إلى السلطة، عن جملة «ترفيعات» تم بموجبها تعيين كبار الضباط الذين يُفترض بهم أن يتولوا بناء الجيش الوليد وقيادته. وبينهم ثلاثة عمداء وثلاثة عقداء من غير السوريين، ولم يسبق ذلك منحهم الجنسية.

بدأ توافد المهاجرين العرب والأجانب المدفوعين بعوامل دينية للقتال إلى جانب الثوار السوريين في العام 2012. وشهدت السنوات التالية تصاعداً في أعدادهم مع بروز «الشام» بوصفها «ساحة» الجهاد الأولى، ثم مع سيل من الذين أغوتهم طوبى «الدولة الإسلامية» (داعش) فأرادوا الحياة في كنفها وتسخير ما لديهم من إمكانات في سبيل بنائها. حتى تهاوت أخيراً، في ربيع العام 2019، مؤذنة بأفول ظاهرة المهاجرين التي كانت قد تراجعت بوضوح قبل ذلك.

وفي الحقيقة أن تعقيم نظام حافظ الأسد، ثم ابنه، للبلاد من الموجة السلفية الجهادية التي انتشرت في العالم الإسلامي منذ تسعينيات القرن العشرين، لعب دوره في الإبقاء على النظرة إلى الجهاديين العابرين للحدود بكراً، تملؤها صور رومانسية عن الفدائي الإسلامي الذي يترك بحبوحة العيش، بالضرورة كما تقول صورة نمطية، ويسارع إلى نصرة إخوانه. وبالنظر إلى عدم تكافؤ القوى في السنوات الأولى للثورة، وتعرض المحتجين للسحق الذي دفعهم إلى الاستغاثة بكل فاعلي الأرض، من المجتمع الدولي إلى الإخوة العرب والمسلمين؛ كان المستجيبون لهذه الاستغاثة موضع تقدير شديد، فضلاً عن الترحاب وتقديم الخدمات وبسط الأرض. لا سيما قبل أن تسفر داعش عن أنيابها السلطوية الدامية، وهي الجماعة المهاجرة، بمعظم قادتها وعسكرييها وشرعييها وقضاتها وغيرهم.

بالمقابل كان النظام يخوّف أولياءه، وأكثرهم من المستعدين لذلك أصلاً، من «الوحوش البشرية» التي توافدت من أصقاع الأرض بغايات تتراوح بين ذبح الرجال وسبي النساء. ولم يعجز عن تقديم الأدلة مع بروز داعش التي أراد تسويقها كعنوان لكل المقاتلين ضده من مهاجرين وسوريين. ومن اللافت أن هذا الجمهور، الذي أصابته فوبيا الجهاديين الأجانب، لم يشعر بأي تناقض عندما كان يشارك في الدفاع عنه أجانب، أفغان وباكستانيون وعراقيون ولبنانيون، يحملون أيديولوجيا إسلامية مشابهة بالاتجاه الآخر.

وكذلك لم يجد المقاتلون الكرد السوريون، في سياقهم الخاص، غضاضة في تولي أكراد من جنسيات أخرى مناصب قيادية، بارزة أو خفية لكنها قوية جداً في الحالين، في بنائهم الذي أعلنوه باسم «الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا»، وفي مختلف المفاصل العسكرية والمدنية.

إذاً… كان لكل طرف في البلد أجانبه المفضلون وأجانبه المرذولون. في حين أجمع جمهور الكل على الإعجاب بمقاتل أجنبي أممي وحيد هو الأرجنتيني تشي غيفارا الذي قاتل مع الثورة الكوبية وسواها.

وبالعودة إلى ملف الجهاديين المهاجرين يقدّر عدد هؤلاء ببضعة آلاف، ويزيدون في حالات خاصة هاجرت فيها عائلات كاملة وشكلت مجتمعاً بهدف التوطين، كما في النموذج الأبرز للإيغور القادمين من الصين المعروفين بالتركستان. ومن الناحية التنظيمية يتوزع المهاجرون على أشكال مختلفة. فهناك مجموعات وأفراد كانوا أعضاء في «هيئة تحرير الشام» حتى حلت نفسها.

إذاً… كان لكل طرف في البلد أجانبه المفضلون وأجانبه المرذولون. في حين أجمع جمهور الكل على الإعجاب بمقاتل أجنبي أممي وحيد هو الأرجنتيني تشي غيفارا الذي قاتل مع الثورة الكوبية وسواها

وهناك مجموعات كانت تقاتل كحليف مستمر وثابت مع «الهيئة»، ومنهم الإيغور أنفسهم الذين حافظوا على ارتباطهم التنظيمي الخاص مع «الحزب الإسلامي التركستاني». وهناك مجموعات صغيرة من الذين قنعوا من «الهيئة» بأن يحافظوا على رباطهم الجهادي على خطوط التماس سابقاً، واكتفت منهم بألا يمتلكوا قرار الحرب والسلم مع النظام. وهناك مجموعات كانت تتشكل سراً لمقاومة ذلك وللهجوم على «الهيئة» من منطلقات متشددة، وصولاً إلى تكفيرها وقتالها في بعض الأحيان. وأخيراً هناك جهاديون معتزلون، أفراداً أو مجموعات تقربها أصولها الجغرافية، أتعبهم ما كانت قد آلت إليه «الساحة» فالتفتوا إلى شؤونهم الحياتية الخاصة أو إلى التعليم الشرعي في معاهد أنشأوها لذلك.

وفي حالة معظم هؤلاء يرى جمهور عريض من السوريين، على رأسه السلطة الحالية في دمشق، أنه من الخيانة التخلي عن هؤلاء الإخوان الذين قاتلوا إلى جانبهم وعانوا معهم صعوبات العيش، وإجبارهم على الخروج من هذه البلاد، التي أسهموا في تحريرها، باتجاه دولهم التي ينتظرهم فيها الإعدام والسجون، أو إلى مصير مجهول في أرجاء العالم.

إنها معضلة أخلاقية في نظر هذا الجمهور الذي يرى أن شركاءه في سنوات العسرة هؤلاء ربما كانوا أقرب إليه من سوريين آخرين كانوا حينها يبنون حياتهم الجديدة المريحة في أوروبا حتى لو كانوا ثائرين ضد النظام أو معارضين له. فما بالك بسوريين كانوا يرمون البراميل من المروحيات أو القذائف من الطائرات الحربية أو الصواريخ من الثكنات، ومن كان يصفق لهم ويشد من أزرهم من المدنيين؟

وبالمقابل يرفض جمهور سوري، عريض هو الآخر، رؤية المهاجرين من جانب مشرق واحد. فقد قاتل هؤلاء ضد سوريين لم يكونوا في صف النظام وحده عندما انخرطوا في الصراعات البينية. فقد اشتهرت بعض مجموعاتهم بأنها «رأس حربة» الهجوم على هذا الفصيل أو ذاك، وترددت أسماء بعض بارزيهم قادة في معارك السيطرة على مدن وبلدات ومعابر في مناطق محررة. من دون أن نغفل عن مقاطع مصورة بثها مقاتلون غير سوريين، في أثناء المجازر التي طالت علويين في آذار الفائت، وهم يتوعدون بالإبادة الطائفية.

مثل كثير من المسائل الشائكة بعد سقوط النظام تحتاج هذه القضية إلى نقاش مجتمعي عريض ومتعدد في ظروف مناسبة. وإلى النظر في تجارب مماثلة ربما كان أقربها حالة البوسنة التي لم تتخل عن المتطوعين الإسلاميين الذين أسهموا في معركتها، لكنها أطّرت وجودهم بسياقات قانونية تضمن لهم الحماية وفرص العيش المكافئة للسكان، وتضمن للبلاد أن يقودها أبناؤها، وألا يتعرض سلمها الداخلي للتهديد، وألا تقع في إحراج خارجي بوصفها منصة محتملة للجهاديين.

شارك هذا المقال

#نظرات #في #ملف #الجهاديين #المهاجرين #في #سوريا

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات