جاري التحميل الآن

كيف يبدو صراع الحضارات في عالم ترامب؟ | سياسة

كيف يبدو صراع الحضارات في عالم ترامب؟ | سياسة

كيف يبدو صراع الحضارات في عالم ترامب؟ | سياسة

مع بدء دونالد ترامب ولايته الثانية، تصاعد البحث في شكل العالم الذي صار فيه عنوانًا على نهاية حقبة وبداية أخرى. تبخرت اليقينيات القديمة، وانتهى النظام العالمي الليبرالي الذي تشكل في تسعينيات القرن العشرين.

إننا نقف على أعتاب لحظة إعادة تنظيم في العلاقات الدولية لا تقل أهمية عن أحداث عام 1989 – سقوط الاتحاد السوفياتي، أو 1945 – نهاية الحرب العالمية الثانية، أو 1919 – ما بعد الحرب العالمية الأولى.

في كل من نقاط التحول الكبرى، كان النظام القديم في طريقه إلى الإفلاس ببطء، قبل أن ينهار فجأة. ورغم أن الأمر لم يكن واضحًا دائمًا للمعاصرين، فإننا نستطيع أن نرى في وقت لاحق أن النظام الجديد الذي سينجح في كل حالة كان قيد الإعداد منذ فترة طويلة.

ترامب “يسدل الستار على القرن الأميركي” – على حد قول ديفيد والاس-ويلز، كاتب العمود في The New York Times (نيويورك تايمز) والأكثر مبيعًا. إن النظام الذي بُني على مدى عقود من الزمان إلى حد كبير من قبل القوة الأميركية ولصالحها يتم التخلص منه إلى حد كبير لمنع عمله الآن ضد القوة الأميركية ذاتها.

من الواضح تمامًا ما الذي يرغب دونالد ترامب فيه: المبدأ القائل بأن الفوضى العالمية تفتح الفرصة للقوى العظمى التي طالما حاصرتها الأعراف والقواعد.

أعلن ماركو روبيو في جلسة استماع أمام لجنة مجلس الشيوخ في يناير/كانون الثاني: “إن النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد عتيقًا فحسب، بل أصبح الآن سلاحًا يُستخدم ضدنا”.

كتب المراقب الفرنسي أرنو بيرتراند في منشور على منصة X (تويتر سابقًا): “كانت الهيمنة ستنتهي عاجلًا أم آجلًا، والآن تختار الولايات المتحدة إنهاءها بشروطها الخاصة”. وأضاف: “إنه النظام العالمي ما بعد أميركا – الذي جلبته إليكم أميركا نفسها”.

في حين يحتضر النظام القديم، فإن السؤال المركزي الذي يتشبث بالعلاقات الدولية اليوم هو طبيعة النظام الجديد الذي يكافح من أجل الولادة. من هنا تأتي أهمية المقال الذي نشره أواخر الشهر الماضي في Foreign Policy (فورين بوليسي) المؤرخ نيلز جيلمان، والذي يبحث فيه عن صيغ ما بعد النظام الليبرالي الغربي.

استندت الهيمنة الجديدة التي نشأت بعد الحرب الباردة في تسعينيات القرن العشرين إلى عدة ركائز معيارية:

  1. أن الحدود الدولية لا ينبغي إعادة كتابتها بالقوة – وكان الدفاع عن هذه القاعدة بعد الحرب العالمية الثانية بمثابة السبب الظاهري لحرب الخليج عام 1991.
  2. أن مبدأ السيادة الوطنية لا يزال ساريًا، ما لم تُرتكب فظائع جسيمة ضد حقوق الإنسان – وهو الاستثناء الذي تم إضفاء الطابع الرسمي عليه في نهاية المطاف تحت عنوان “المسؤولية عن الحماية”.
  3. أن التكامل الاقتصادي والمالي العالمي ينبغي أن يتبناه الجميع، لأن التجارة الحرة والعادلة من شأنها أن تعود بالنفع على جميع الأطراف.
  4. أن النزاعات بين الدول سوف تُحل من خلال المفاوضات القانونية في المؤسسات المتعددة الأطراف – وكان ترقية الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT) إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 1995 المظهر المؤسسي الرمزي لهذا المبدأ.

يرى المؤرخ الأميركي أن: “المسمار الأخير في نعش هذه المبادئ -بعد تحدي الصين وروسيا- هو أن الولايات المتحدة، التي ادّعت في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين أنها أعظم بطل لهذه المبادئ، ترفض الآن كلًّا منها”.

وإذا كانت الحرب على غزة هي نهاية النظام الدولي المبني على القواعد – كما أعلن أمين عام منظمة العفو الدولية – فإن عالم ترامب هو عالم بلا قواعد؛ إذ لا ينبغي فيه أن يتورط في النظام أو البنية، بل تحكمه القاعدة الخالدة: “أنا القاعدة، والقاعدة أنا”.

أهدرت غزة الرأسمال المعياري للنظام الليبرالي الغربي وللنظام الدولي القائم على القواعد، الذي جرت مراكمته بشق الأنفس على مدى عقود من الزمن بعد الحرب العالمية الثانية.

كشفت الحرب على غزة عن الأوهام التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية بشأن الإنسانية المشتركة. ينتهي أنييس كالامارد، أمين عام منظمة العفو الدولية، في مقال نشره منتصف فبراير/شباط 2024 في Foreign Affairs (فورين أفيرز)، تعليقًا على الحرب على غزة، إلى نتيجة مفادها أن: “النظام القائم على القواعد، والذي حكم الشؤون الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في طريقه إلى الزوال، وربما لا تكون هناك عودة إلى الوراء”. ويتابع: “إن هذا التفكك، الذي يتجلى بوضوح في تدمير غزة ورد فعل الغرب عليه، يشير إلى نهاية النظام القائم على القواعد وبداية عصر جديد”.

أما عالم ترامب فقد فصل تمامًا بين القوة المادية لأميركا وبين الشرعية الأخلاقية التي ادّعتها لعقود. هذا الافتراق مما لا يهتم به ترامب الآن. كثيرًا ما يزعم الرجال الأقوياء الشعبويون في مختلف أنحاء العالم أن قيم المجتمع المفتوح – التعددية، والتسامح، والحداثة – هي مستوردة من الغرب. ويقولون إنهم يبنون ثقافة سياسية وطنية أصيلة تختلف عن الليبرالية الغربية.

صعود الصين وعودة روسيا يجب أن يُفهما أيضًا على أنهما عملان من أعمال التوازن الثقافي، أي استجابات ليس فقط للهيمنة الجيوسياسية للولايات المتحدة على مدى العقود الثلاثة الماضية، بل أيضًا لانتشار الليبرالية في جميع أنحاء العالم.

نرى ترامب يؤطّر الصراع داخل الولايات المتحدة في الحروب الثقافية الطويلة الأمد بين القيم التقليدية المحافظة للأسرة والدين، والتي تجد جذورها في التقاليد اليهودية- المسيحية، وبين أيديولوجية “اليقظة” التي يتبناها التقدميون والنسويات ومجتمع الميم وأصحاب دعاوى العدالة العرقية والمناخية… إلخ، في استعادة لمعركة تم توصيفها ذات يوم بأنها: “البابا في مواجهة مادونا (مغنية البوب)”.

إن حرب ترامب على التنوع والإنصاف والشمول هي حرب على عصر الحقوق المدنية نفسه، ومحاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بالحقوق المتساوية. تحت ستار العدالة والجدارة، يريد ترامب وحلفاؤه استعادة عالم حيث يكون المؤهل الأول والأهم لأي وظيفة مهمة هو ما إذا كنت أبيضَ وذكرًا.

هو لا يضع الكثير من الثقة في الأنظمة القائمة على القواعد أو التحالفات أو المنتديات المتعددة الجنسيات. عالم ترامب يجب أن يكون مستعدًا لاغتنام اللحظة، والاستفادة القصوى من أي فرص تأتي في طريقه. النظام الدولي فيه شديد الشخصنة. ترامب لا يتقيد بشكل مفرط بخطوط الصدع المحددة: ديمقراطي وغير ديمقراطي، أو عالم حر وغير حر. هو غالبًا ما يفضل الأفراد على الحكومات، والعلاقات الشخصية على التحالفات الرسمية.

إدارة ترامب لا تستخدم الهياكل الشاملة للتعاون الدولي، مثل الأمم المتحدة أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE). وبدلًا من ذلك، قد يتعامل هو ومستشاروه – وخاصة أولئك الذين ينحدرون من عالم التكنولوجيا – مع الساحة العالمية بعقلية شركة ناشئة، أو شركة تشكلت للتو، وربما يتم حلها قريبًا ولكنها قادرة على الاستجابة بسرعة وإبداع لظروف اللحظة – على حد قول والاس.

وبالمثل، لا يهتم ترامب بالأمركة كأجندة للسياسة الخارجية، ويفصل شعوره بالاستثنائية الأميركية للولايات المتحدة عن العالم الخارجي غير الأميركي بطبيعته.

الواقع أن كراهية ترامب للعولمة تجعله في نفس صف بوتين وتشي ومودي. في رحابه، يجد المحافظون اليمينيون الدعم والمساندة – كما أعلن نائبه في مؤتمر ميونخ للأمن.

من الواضح أن مفهوم “النظام الدولي القائم على القواعد” يمثل لعنة على ترامب. ففي نهاية المطاف، قد يضطرك اتباع القواعد إلى القيام بشيء لا تريده، وقد يفرض تكاليف قصيرة الأجل على بلدك.

ويبدو أن ترامب يعتقد أن القواعد الحالية لا تعزز المصالح الأميركية في الأمد البعيد. يبدو أن هدفه هو تعظيم حريته في التصرف في كل الأوقات، وهذا يفسر ميله إلى النظر إلى التحالفات باعتبارها أعباء.

جيلمان يرسم لنا أهم ملمح في النظام العالمي القادم الذي سيقوم على “صراع الحضارات” – في تقديره. هو يرى أن “فكرة صراع الحضارات لم تكن خاطئة، بل كانت سابقة لأوانها فقط” – هكذا عنون مقاله.

وأيًا كانت التسمية التي قد تُطلق على هذا النظام الجديد في نهاية المطاف، فإن سماته المميزة – وفق تقدير جيلمان – سوف تشمل المعاملات الصفرية في الاقتصاد الدولي، وسياسات القوة التي تتلخص في أن “الأقوياء يفعلون ما في وسعهم، والضعفاء يعانون ما يجب عليهم أن يتحملوه”، والتأكيدات القوية على سياسات الهوية التي تركز على “الدول الحضارية”.

لكن ما المقصود بالدولة الحضارية؟ وما تأثير إحيائها على الصراعات في عالم قيد التشكل؟ وما موقعنا نحن العرب في هذا الصراع في سياق الحرب الدائرة في فلسطين، التي تحولت لدى الكيان الصهيوني إلى حرب على الهوية؟ وأخيرًا وليس آخرًا، هل يمكن أن يساهم طوفان الأقصى في إعادة تأكيد ذاتنا الحضارية في مواجهة الآخرين؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

#كيف #يبدو #صراع #الحضارات #في #عالم #ترامب #سياسة

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات