جاري التحميل الآن

سوريا فرصتنا الأخيرة

سوريا فرصتنا الأخيرة

سوريا فرصتنا الأخيرة

مضحكة وساذجة تلك التلفيقات والأخبار التي يتناقلها البعض هذه الأيام، خصوصاً على صفحات التواصل الاجتماعي. والحقيقة الواضحة أن من يخترعها هم أناس مجرمون قبل أن يكونوا ذوي ذواتٍ مأزومة. من مثل خبر مؤكد أنه تم طرد وزير الخارجية السوري من مؤتمر بروكسل الذي انتشر قبل انعقاد المؤتمر حتى، وحضره الوزير في اليوم التالي بطبيعة الحال. أو أن الحماية الدولية بسبب مجازر الساحل قاب قوسين أو أدنى.

تلفيقات يسوِّق لها أساساً، أناس مطلوبون للعدالة بسبب جرائمهم وارتكاباتهم في عهد الأسد، وواضح أن هناك خبرات إعلامية (متوسطة الخبرة) خلفها، ويستخدمها ويستثمر بها أناس يعملون على أجندات مرتبطة بإيران وربما روسيا ودول إقليمية أخرى. المحزن أن ليس البسطاء فقط هم من يتعاطون معها، بل يتلقفها أناس يفترض أنهم يمتلكون سعة الأفق فيصدقونها (وهذا ليس أكيد) ومن ثمَّ يروجونها بدورهم.

لن يكون العالم اليوم بوارد أي تغيير دراماتيكي آخر في سوريا، وهذه يجب اعتبارها مسلمة قبل البدء بأي نقاش حول مستقبل البلد. ولكن هل يريد العالم سوريا نموذجاً مستقراً ومتطوراً، كما يحلم معظم السوريين؟ بالتأكيد يهم العالم بعض الاستقرار في سوريا، ولكن أن يريدها نموذجاً منافساً في المستقبل بما يشكل حافزاً في المنطقة، فهذا أمر مشكوك فيه، حتى لو ادّعى الدبلوماسيون الدوليون ذلك.

من جهتي، أرى أن على أي موالي للنظام الجديد أو معارض له التفكير في الكيفية التي يمكن أن تخدم هدفه، عبر العمل السياسي الذي يبدو أنه متاح حتى الآن على الأقل. شخصياً أرى أن سوريا اليوم إما أن تتكئ على مقوماتها مع دعم دولي يجب الحفاظ عليه، أو أنها ستسقط في دوامات فشل جديد سيدفع ثمنه كل السوريين، وسياسياً سيدفع ثمنه أكثر أولئك الذين يحلمون رغبوياً هذه الأيام بتغيير عبر قوة خارجية، لم تأتِ ولن تأتي. فالتغيير الأخير وإسقاط نظام الأسد، حدث بضوء أخضر دولي وإقليمي. ولن يتم التراجع عنه خلال أشهر ولا خلال سنوات قليلة.

حقيقة أن مجموعة مصنفة إرهابية قد سيطرت على الحكم في سوريا، ليس بالأمر اليسير أمام المجتمع الدولي كي يتعامل معه، ولن يتم تمريره بيسر وسلاسة، ما يضع كثيرا من الاشتراطات والتحديات أمام الإدارة الجديدة، لتحظى باعتراف عالمي لم يتحقق تماماً حتى اليوم، ولذا نرى التردد الدولي في رفع العقوبات عن سوريا، وهذا تحدٍّ إضافي بسبب لون القادة الجدد، ما يقتضي اختبار نواياهم الحقيقية.

حقيقة أن مجموعة مصنفة إرهابية قد سيطرت على الحكم في سوريا، ليس بالأمر اليسير أمام المجتمع الدولي كي يتعامل معه، ولن يتم تمريره بيسر وسلاسة، ما يضع كثيرا من الاشتراطات والتحديات أمام الإدارة الجديدة، لتحظى باعتراف عالمي لم يتحقق تماماً حتى اليوم

من جهتها، سارعت الإدارة السورية منذ الأيام الأولى، خصوصاً عبر الرئيس الشرع ووزير خارجيته الشيباني، لتوجيه رسائل عاجلة عبر تصريحات مطمئنة متتالية إلى المجتمع الدولي. رسائل تجيب على المخاوف الدولية وحتى الداخلية. وقد كان ذلك ناجحاً في الحقل الدبلوماسي.

لكن كما هو معلوم، فإن الفاعلين الدوليين، رغم الارتياح الأوّلي، كانوا يُصرّون على ترجمة تلك الرسائل الإيجابية إلى أفعال ملموسة، وهو ما لم يتحقق بنجاح يوازي نجاح الخطاب الدبلوماسي حتى الآن، سوى في بعض الشكليات، ومع ذلك من الواضح أن هناك ارتياح دولي وإقليمي وحتى رسائل دعم، وهذا يمكن أن يُفسَّر بوجود قنوات تواصل، تعلم بوساطتها تلك القوى عن كل خطوة تالية للإدارة الجديدة.

وصلت إلى هنا بالكتابة، وخطر لي أن هناك من سوف يتساءل هل أنا مع الحكومة الجديدة أم ضدّها؟ الحقيقة، على ما يبدو لي، أنني مثل المدّاحين الذين انتقلوا من مديح الأسد إلى مديح سلطات دمشق الجديدة، لأنهم لا يجيدون سوى هذا النهج وقد تعودوا عليه. نعم، مثل هؤلاء أنا، لكن من الجهة المعاكسة تماماً، يبدو أني اعتدت المعارضة ولن أجيد غيرها، ولن يكون هناك متّسع من الوقت لاكتساب مهارات لم أمارسها يوماً. ولذا انتقلت من معارضة الأسد لمعارضة السلطات الجديدة، ولكن لا يمكنني الإنكار أنني امتلك اليوم روحية جديدة في هذه المعارضة، ولكن دون أي سقف.

أمام الإدارة الجديدة اليوم، أن تعلن بوضوح أنها قطعت مع تاريخها السابق، ولن ينفع هنا أن تمسك العصا من الوسط. طبعاً هذه المهمة ليست سهلة، وتحتاج إلى شجاعة استثنائية لمواجهة التحديات، ولتجنيب سوريا مواجهات جديدة إن كانت داخلية أو مع المجتمع الدولي، وأهم تلك التحديات، وخصوصاً بعد ما شهدناه في الساحل، هي إقصاء المقاتلين الأجانب بطريقة لا لبس فيها، بل وتحييد كافة المتطرفين من حلفائها، ما يجعل الطريق سالكاً أمام سوريا الجديدة التي يتحدث عنها مسؤولوا الإدارة. فهؤلاء الذين قَتلوا على أساس طائفي في مدن وقرى الساحل، سوف يقتلون غداً على أي خلاف آخر.

ومن ثمَّ عليها البدء بمعالجة ملفات التركة الثقيلة التي أورثها الأسد للسوريين، ومن بينها الأحقاد المتراكمة. معالجة متروية وحكيمة وعادلة، وليس عبر ردود فعل يمكن أن تُفَسَّر على أنها انتقامية. بدءأً بفتح ملف العدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين، دون تمييز، علناً وبطريقة شفّافة وبيد خبراء مستقلين، ومن ثم ردّ المظالم وتعويض المتضررين، وإنصافهم مادياً ومعنوياً. والجميع يعلم ويقدِّر أن قذارات تراكمت خلال أكثر من نصف قرن لن تزول بسهولة ولا بوقت قصير، ولكن علينا أن نبدأ وأن نعلن أمام العالم أننا بدأنا.

قبل فترة صرح غير بيدرسن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا بأن “أمام سوريا فرصة وحيدة وأخيرة كي تنهض من جديد”. لم أصدق بيدرسون كثيراً في السابق، لكني سأنضم إليه في قوله هذا، وأكرر معه أنه يجب علينا جميعاً، حتى لو كان لون النظام الجديد لا يناسبنا، العمل لنهضة سوريا الجديدة، إنها فرصتنا الأخيرة.

 

شارك هذا المقال

#سوريا #فرصتنا #الأخيرة

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات