جاري التحميل الآن

بين الانقلاب والدستور: كيف غيَّر العسكر معالم السياسة السورية؟ (1949 – 1950)

بين الانقلاب والدستور: كيف غيَّر العسكر معالم السياسة السورية؟ (1949 – 1950)

بين الانقلاب والدستور: كيف غيَّر العسكر معالم السياسة السورية؟ (1949 – 1950)

يعتبر عام 1949 عاماً مفصلياً في الحياة الدستورية في سوريا، وقد مرّت التطورات الدستورية خلاله بمرحلتين مهمتين، وهما: 

أ ــ مرحلة الإجراءات الدستورية في عهد الانقلاب الأول: مرحلة حسني الزعيم     

شكل انقلاب حسني الزعيم مرحلةً دستوريةً جديدة في تاريخ سوريا، ولكن هذه المرحلة لم تدم سوى خمسين يوماً، بين إجراء الاستفتاء على دستور الانقلاب الأول في 25 حزيران/ يونيو1949، وانقلاب سامي الحناوي عليه في 14آب/ أغسطس1949. فتزايد سخط الشعب السوري، والقوى السياسية على الحكومة القديمة إثر هزيمة الجيش في حرب فلسطين، ومن ثم ردة فعل على التعديلات الدستورية، التي لم تقدم أي إصلاح اجتماعي يذكر. وذلك كله دفعهم للترحيب بالانقلاب العسكري الأول للزعيم، فاعتبروه بداية عهدٍ دستوري جديد، سيطوي صفحة الماضي إلى غير رجعة.  فما الإجراءات الدستورية الجديدة التي جاء بها عهد حسني الزعيم؟  

بعد فشل محاولات الزعيم التوصل إلى تفاهم مع القوى السياسية في البرلمان القديم (لاسيما الكتلة الدستورية المعارضة)، اتخذ قراره الحاسم بحلّ البرلمان.  وبدأ بإصدار مجموعة من المراسيم التشريعية والقانونية، ولعل أهمها هو إصدارَ مرسومٍ في 7 نيسان/أبريل 1949.  وقد نصَّ على تشكيلِ لجنةٍ لوضع دستور جديد.  وكلف أسعد الكوراني (أمين وزارة العدل) بالمهمة، ويسانده عدد من القانونيين. فكان ذلك إعلاناً صريحاً على إلغاء دستور سوريا لعام 1930 بشكل نهائي.  

صدرت عدة اعتراضات على إلغاء الدستور القديم، من قبل النخب الوطنية (خالد العظم وفارس الخوري)، وحتى أن ميشيل عفلق (أمين حزب البعث العربي) استقال من وزارة المعارف.  وأرسل مذكرةً إلى الزعيم في أيار/مايو يرفض فيها الدستور الجديد، واصفاً إياه بأنه مشروع موظفين تابعين للزعيم.  فرأى ضرورة إجراءُ انتخاباتِ جمعيةٍ تأسيسيةٍ لوضع دستورٍ رسمي، يُعرض على الاستفتاء العام.  لكن لم يأبه الزعيم بذلك، فدعا للاستفتاء الشعبي على دستوره ورئاسته معاً.  ومع بدء عملية الاستفتاء في 26 حزيران/يونيو، وَجَّهت الحكومة للناخبين السوريين عدة أسئلة للإجابة عنها، وهي:

  1. أَتقْبل أن يُنتخب رئيس الجمهورية لأول مرة من الشعب بالاقتراع السري العام. 
  2. أَتقبل أن يُخول رئيس الجمهورية بوضع دستور جديد خلال أربعة شهور. 
  3. تقبل أن يُخول رئيس الجمهورية، وريثما يتم وضع الدستور صلاحيةَ إصدارِ المراسيم التشريعية. 

بعد ذلك، أعلنت نتائج الاستفتاء، فبلغت نسبة المصوتين على الأسئلة بــ(نعم) نحو 726116 صوتاً من مجموع الأصوات الانتخابية، وهو ما يعادل 88,9% وفق تقرير اللجنة المشرفة على الاستفتاء. وبذلك تولى حسني الزعيم رئاسة الجمهورية السورية في 26 يونيو 1949.  

حاول الزعيم تبني القيم الليبرالية في دستوره الجديد، ولا سيما قيم المواطنة وحرية التعبير، والمساواة الاجتماعية. وهذا ما أكده أسعد الكوراني للصحفي نذير فنصة (صاحب جريدة ألف باء) بــأن “الدستور الجديد تبنى ميثاق حقوق الإنسان، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة في عام 1948”. ورغم ذلك، فإن الزعيم لم يصدر الدستور بعد الانتهاء من إعداده. ولعل سبب ذلك هو قصر عهد الانقلاب الأول، وتأثير الظروف السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية المحورية، التي حالت من دون تطبيق برنامجه الإصلاحي الدستوري. فالزعيم اكتفى بتكليف لجنة قانونية لإصدار قانون مدني جديد. وبدا القانون الجديد مزيجاً دستورياً بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي “العلماني”. حيث تم فيه توسيع المرجعيات القانونية للقضاء المدني، بعد أن كان يتم التقاضي على أساس قانون المجلة العدلية العثمانية، والذي يعتمد في أحكامه على المذهب الحنفي. ونظراً لأهمية ذلك الإنجاز الدستوري، عدَّه مجيد خدوري “إسهاماً دستورياً عظيماً يكتب للرئيس حسني الزعيم”.  

ومن الأعمال الدستورية البارزة في عهد الزعيم، هو إلغائه للأوقاف الذرية، والتي كان يعدها أرسلان عِلةً في جسد الأمة، ومصدرَ انتفاعٍ للمحامين لكثرة ما تسببه من شكاوى بين الناس.  ورأى الحوراني بأن إلغاء الوقف الذري كان إنجازاً قانونياً عادلاً، ومفتاحَاً لحل كثير من المشكلات العائلية العقارية والزراعية، والتي كانت سائدةً في المدن والأرياف السورية.  

تركت إجراءات حسني الزعيم وقراراته الفردية، نوعاً من الإحباط لدى القوى الحزبية والاجتماعية التي دعمت انقلابه مبكراً، فأدى سلوكه العسكري لتشكل خطراً يهدد نفوذها السياسي والاقتصادي.

يعتبر انقلاب حسني الزعيم، بأنه أولَ تدخلٍ للجيش في الحياة المدنية في الشرق الأوسط الحديث.  وعلى الرغم من أن باتريك سيل اعتبر إجراءات الزعيم، بأنها أزالت الكثير من الأعشاب الميتة من الحياة المدنية في سوريا. فإن فترة حكمه وصفت بالفترة الانقلابية المؤقتة والغير مستقرة تنظيمياً وإدارياً، بسبب قلة الخبرة السياسية لدى الزعيم، وعدم وجود خبراءٍ إداريين وسياسيين يساندونه في الحكم. حيث كان المجتمع السوري في تلك المرحلة، أشبه بما وصف به بسمارك الإيطاليين في نهاية القرن التاسع عشر، بأن”لهم شهيةً قويةً، لكن أسنانهم نَخرة”. يُمكن القول: رغم انفراد الزعيم في السلطة، وغلبة الطابع العسكري على حكمه، لكنه سعى لترسيخ ثقافة عصرية ليبرالية عبر مراسيمه الدستورية المكثفة، والتي غطت معظم عهده.  فكان حكمه ممهداً حقيقياً للحكومة الأتاسية، والتي عملت على انتخابِ جمعيةٍ تأسيسيةٍ لوضع دستور جديد في سوريا عام 1950م.   

 ب ـــ مرحلة العهد الدستوري المؤقت: حكومة هاشم الأتاسي الانتقالية في أواخر عام 1949

تركت إجراءات حسني الزعيم وقراراته الفردية، نوعاً من الإحباط لدى القوى الحزبية والاجتماعية التي دعمت انقلابه مبكراً، فأدى سلوكه العسكري لتشكل خطراً يهدد نفوذها السياسي والاقتصادي. وذلك زاد من النقمة عليه، فتراكمت العوامل التي أدت إلى نجاح انقلاب عسكري ثانٍ قاده سامي الحناوي (قائد الجيش السوري في عهد الزعيم) في آب/أغسطس 1949. وعلى الفور، قام الحناوي بنقل السلطة من الجيش إلى حكومةٍ مدنيةٍ مؤقتة برئاسة هاشم الأتاسي، ريثما يُوضع الدستور الجديد، ويُنتخب برلمان جديد للبلاد.  

دعا بيان الحكومة الأول إلى انتخاب جمعية تأسيسية للدستور. وبعد أن انتهت انتخابات الجمعية، وفاز حزب الشعب بالأكثرية الساحقة في مقاعدها، قَدمت الحكومة مشروع دستور مؤقت للجمعية، وتضمن إعطاء صلاحيات تنفيذية وتشريعية للوزارة، بينما يوضع الدستور الجديد. فتمت الموافقة عليه من الجمعية، وأُعطيت الحكومة صلاحيات كاملة لمدة ثلاثة أشهر.  

إن أبرز الإجراءات الدستورية التي جرت في مرحلة الوزارة المؤقتة، هو تعديل قانون الانتخاب للعام 1947. بعد الضغوط الحزبية والخارجية، لتحقيق مشاركة أكبر للمواطنين في عملية صنع القرار السياسي. فشكلت الوزارة لجنة للتعديل، انتهت من نقاشاتها بإجراء التعديلات الآتية: 

  1. منح المرأة السورية (المتعلمة) حق الانتخاب. فذلك المرسوم اعتبر خطوة تقدمية تحررية في سوريا، قياساً لوضعية المرأة الانتخابية في باقي البلدان العربية، وحتى في بعض الدول الأوروبية في تلك المرحلة.  
  2. تُلغى الطائفية في الانتخابات، وقصد بها الطائفية السياسية في الدولة الوطنية، وليست الطائفية الدينية.  
  3. تقليل سن الناخب من 20 إلى 18 عاماً، مما فتح باب المشاركة للناخبين الشباب بشكل أوسع من السابق.  

ورغم تلك الإجراءات الدستورية الإصلاحية، إلا أن مواد دستور الحكومة المؤقتة كان يتصف بالاضطراب، واحتوى الكثير من النواقص الفنية. فقد أكد على السلطات التنفيذية الممنوحة للحكومة خلال ثلاثة أشهر. ولكنه لم يَرسم طريقها الذي سوف تتبعه إذا ما انتهت تلك المدة، في حال لم ينجز دستور الجمعية بعد هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن دستور الحكومة المؤقت موقعاً من قبل هيئة تشريعية، أو خاضعاً لرقابة الجمعية التأسيسية، وذلك لأن واضعوه اعتبروا بأن الجمعية ليس لها صفة نيابية، ومهمتها قاصرة على وضع الدستور لا أكثر.

ولذلك اعتبر خالد العظم أن مرحلة حكومة هاشم الأتاسي المؤقتة انتهت، دون أن تبني توافقاً سياسياً بين النخب الفاعلة، وكما أنها لم تتمكن من تحييد دور الجيش عن الحياة المدنية، بل أسهمت في زيادة حدة التوتر بين القوى السياسية الحزبية داخل الجمعية وخارجها.  

#بين #الانقلاب #والدستور #كيف #غير #العسكر #معالم #السياسة #السورية

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات