جاري التحميل الآن

الجريدة الرسمية والنشر.. سوريا الجديدة ما بين السرية والشفافية

الجريدة الرسمية والنشر.. سوريا الجديدة ما بين السرية والشفافية

الجريدة الرسمية والنشر.. سوريا الجديدة ما بين السرية والشفافية

منع نظام الأسد المخلوع نشر 140 تشريعاً في الفترة بين عامي 2010 و 2023، منها 110 مراسيم تشريعية و30 قانوناً، وذلك بحسب دراسة سابقة في مركز عمران حملت عنوان “النفاذ للتشريعات.. حق آخر غيّبه نظام الأسد“. واستند نظام الأسد على المادة 3 من قانون النشر رقم 5 لعام 2004 من أجل عدم نشر هذه التشريعات “بناء على ضرورة الدفاع الوطني ومقتضيات سلامة الدولة“.

سمح التفسير والاستخدام الواسع لهذه المادة لنظام الأسد بالتهرب من نشر بعض التشريعات، مستنداً إلى أحكام هذه المادة التي تتيح له ذلك تحت غطاء قانوني. يترافق هذا الأمر مع قصور واضح في دستور 2012 بشكل عام، وفي حق النفاذ إلى المعلومات بشكل خاص. كما أن نظام الأسد خالف القوانين الدولية ولم يلتزم بتنفيذ المعاهدات التي وقع عليها، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنه يتجاوز أحكام الفقرة 2 من المادة 3 من قانون الإعلام الصادر بالمرسوم التشريعي 108 لعام 2011، والتي تنص على “حق المواطن في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشأن العام”.

سابقاً في سوريا، تُقسم النصوص إلى قسمين: “القوانين”، وهي النصوص التشريعية التي يقرها مجلس الشعب ثم يصدرها “رئيس الجمهورية”، و”المراسيم التشريعية”، وهي النصوص التي يصدرها “رئيس الجمهورية” مباشرة وتُعرض لاحقاً على مجلس الشعب للتصديق كإجراء روتيني. وغالباً ما تُصدر المراسيم التشريعية خارج تواريخ انعقاد الدورات العادية لمجلس الشعب، أو في حالات رفع الجلسات بنهاية العطل الرسمية خلال انعقاد دورات المجلس.

اليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، وتولي حكومة تسيير الأعمال إدارة وتسيير أمور المؤسسات الحكومية في البلاد ومع الإعلان الدستوري، تعود أهمية النفاذ للمعلومات للظهور مجدداً على السطح، خصوصاً أن هناك حالة من عدم الوضوح في صحة القرارات والتعاميم الصادرة عموماً، وهناك إرباك وتشتت لدى السوريين كما أنها تفتح مجالاً واسعاً للإشاعات ولتزييف الأخبار أو القرارات وبالتالي ضياع المعلومات الصحيحة.

“يُبلغ من يلزم تنفيذه”.. بمقابل الكشف عن موالين النظام

من بين الممارسات التي تكرست خلال الفترة الماضية، والتي لا تزال مستمرة، هي الصيغة التي يذيل بها عدد كبير من القرارات والتعاميم الوزارية، حيث يُختتم النص بعبارة “يبلغ من يلزم تنفيذه”، وهي عبارة تعني ضمناً عدم نشر القرار علناً. في هذه الحالة، يُعد نشر القرار على المنصات الرسمية مخالفةً للقرار نفسه. لتصحيح هذا الوضع، لتجاوز هذه الإشكالية، يُفضل إعادة الصياغة إلى “يُنشر ويبلغ من يلزم تنفيذه”، مما يضمن العلنية دون التعارض مع التنفيذ.

أما في حال كان الهدف الأساسي حجب نشرها، فهذا يشير إلى ضعف في إدراك أهمية الشفافية لدى الجهات القائمة على إصداره. في حالات أخرى، لا يتم نشر القرارات رسمياً، لكنها تتسرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يكشف عن وجود ثغرات في آليات ضبط السرية داخل المؤسسات الحكومية. عندما تنتشر هذه الوثائق بشكل غير رسمي، فإن ذلك يعكس إما تسيّباً إدارياً أو تسريباً متعمداً، وهو ما يستدعي إجراءات رقابية أكثر صرامة لتحديد المسؤولين عن التسريبات ومعاقبتهم وفق القوانين واللوائح النافذة.

بعيداً عن مسألة نشر القرارات أو حجبها، لا يمكن إنكار أن نشر هذه القرارات سواء عبر المعرفات الرسمية أو عبر التسريبات ساهم بشكل كبير في قيام المجتمع الثوري بالكشف عن عدد من الحالات التي تم فيها تعيين موالين للنظام بمناصب حساسة، مما دفع الجهات المسؤولة إلى إعادة النظر في بعض التعيينات، وهو ما حدث في عدد من قرارات وزارة العدل، ووزارة التعليم العالي، ووزارة النقل، وغيرها من الوزارات والمؤسسات.

إن ما ينقص عمليات التعيين الحالية في المناصب الإدارية هي عملية التحقق من هؤلاء المرشحين، ونتيجة الوضع الحالي بعد سقوط النظام، فإن هذه العملية قد تأخذ منحى أكثر تعقيداً بسبب غياب مؤسسات راسخة في الدولة، واحتمالية تسلل شخصيات غير مؤهلة أو متورطة في ممارسات غير قانونية إلى مواقع السلطة. لضمان اختيار أشخاص يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، ينبغي تبني منهجية تحقق شاملة تأخذ بعين الاعتبار السياق السياسي والاجتماعي الجديد.

هذه المنهجية، ينبغي أن تأخذ بعين الحسبان عدة أمور أهمها: التحقق من الخلفية السياسية والوظيفية للمرشحين، وذلك من خلال مراجعة مدى ارتباطهم بالنظام السابق، وما إذا كانوا متورطين في الفساد أو القمع، وكذلك مراجعة المؤهلات والخبرة والكفاءة، بالإضافة للتدقيق الجنائي والقضائي والمالي، وفحص الذمة المالية والتأكد من أنهم لم يكونوا جزءاً من شبكات الفساد المرتبطة بالنظام البائد، وكذلك مراجعة السمعة العامة والسلوك الاجتماعي، عبر البحث في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن أي تصريحات أو مواقف معادية للثورة و/أو داعمة لنظام الأسد.

هذا المنهجية أيضاً، تحتاج لمضاعفة الجهود من المجتمع (تبدو فعالة حتى الآن) بشكل أكبر ومستدام، وذلك من أجل الاستفادة من الكم الهائل من المعلومات الموثقة لديه للشخصيات الموالية للنـظام أو الفاسدة إدارياً أو مالياً، ولا ينبغي أن يبقى هذا الجهد محصوراً بمؤسسات الدولة والتي يبدو أنها تحت ضغط شديد لكثرة الملفات المفتوحة أمامها.

الجريدة الرسمية بمفهوم جديد

يحتكم النشر الرسمي لكافة الصكوك بما فيها التشريعات والقرارات والتعميمات وغيرها من النصوص على قانون النشر القانون 5 لعام 2004، ويفصل القانون في مواده تعريف الجريدة الرسمية، وآلية النشر، والصكوك التي تخضع للنشر، وطريقة ترقيم كل منها وترقيم صفحات أقسامها، بالإضافة إلى تحديد الجهة المشرفة على عملية النشر وتحديد الجهة التي تُشرف عليها.

إن الوصول إلى الجريدة الرسمية ذاتها غير متاح عبر الإنترنت بشكل رسمي عبر موقع أو بوابة إلكترونية مُعتمدة من قبل الدولة، وهو ما كان معمولاً به لدى نظام الأسد، كما أنها غير قابلة للبحث بداخل الملفات بسبب الطريقة التي يتم إخراجها بها، وهو ما صعب المهمة كثيراً أمام الباحثين والناشطين وكذلك العامة من النفاذ للمعلومات كحق أصيل لهم، مما أجبر عدد منهم على شراء الجريدة الرسمية كملفات PDF ثم تنفيذ عمليات (Optical Character Recognition) المعروفة اختصاراً بـ “OCR” وهي تقنية التعرف الضوئي على الحروف، وتُستخدم لاستخراج النصوص من الصور أو المستندات الممسوحة ضوئياً (مثل ملفات PDF الممسوحة أو الصور). وهي عملية مكلفة مادياً بعض الشيء.

بالمقابل، تمتلك حكومة الإنقاذ تجربة ناشئة وجيدة فيما يتعلق بإصدار جريدة رسمية خاصة بها، حيث أصدرت أول عدد منها في 13 أيار 2023، واستمرت حتى العدد 80 الصادر في 5 كانون الأول 2024، أي قبل سقوط النظام بثلاثة أيام. تتميز هذه الجريدة بإمكانية البحث داخل كل عدد بشكل مستقل، وهي ميزة لم تكن متاحة في الجريدة الرسمية التابعة للنظام السابق. ومع ذلك، فيها عذر عدم إمكانية البحث الشامل عبر جميع الأعداد دفعة واحدة في الجريدة الرسمية الخاصة بحكومة الإنقاذ.

إن العمل بالجريدة الرسمية التابعة للدولة متوقف منذ سقوط النظام، ولم يتم تفعيلها حتى الآن في ظل مرحلة تسيير الأعمال. يعود آخر عدد متوفر منها إلى العدد 47، الصادر بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وينبغي إعادة تفعيل الجريدة في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أن الإعلان الدستوري أقر في مادته الأخيرة نشر الإعلان في الجريدة الرسمية. كما ينبغي العمل على إتاحة الجريدة الرسمية مجاناً وتحسين عملية النشر الإلكتروني، لضمان وصول المواطنين والباحثين إلى المعلومات الرسمية بسهولة وشفافية.

كحل إسعافي، ومنعاً للإشاعات وأي عمليات تزوير يمكن أن تحدث، يمكن وضع رمز إلكتروني “باركود” على كافة القرارات الصادرة، على أن يقود عند مسحه إلكترونياً لنسخة مطابقة للقرار تكون مخزنة على تبويب خاص في موقع الوزارة أو المؤسسة المعنية، كما ينبغي إرسال نسخة من هذه القرارات إلى “مديرية النشر والمطبوعات” ليصار لوضعه في الجريدة الرسمية عند متابعة إصدارها، وتوفير موقع إلكتروني لها، يتم التأكد من خلاله أيضاً من كافة القرارات ولاحقاً التشريعات الصادرة.

النفاذ للمعلومات.. خطوات ضرورية لسوريا المستقبل

يُعد النفاذ إلى المعلومات أحد المبادئ الأساسية في الحكم الرشيد، إذ يعزز الشفافية، ويكافح الفساد، ويدعم المشاركة المجتمعية. ومع ذلك، يتعارض هذا الحق أحياناً مع متطلبات السرية، خاصةً في قضايا الأمن القومي، والبيانات الشخصية، والمصالح الاستراتيجية، مما يستدعي إيجاد توازن يضمن إتاحة المعلومات دون الإضرار بالمصلحة العامة.

تمثل الشفافية أساساً لثقة المواطنين بالمؤسسات، إذ تتيح لهم وللمجتمع المدني مراقبة أداء السلطات وكشف التجاوزات، مما يسهم في تحسين السياسات وتقليل الفساد. كما أن النفاذ إلى المعلومات ضروري لتعزيز المساءلة وتمكين المواطنين من فهم كيفية إدارة الموارد العامة واتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم. في الدول التي تعتمد قوانين شفافة، يكون مستوى الفساد أقل، وكفاءة المؤسسات أعلى بفضل الرقابة المجتمعية.

رغم أهمية الشفافية، تظل السرية ضرورية في بعض الحالات، مثل المعلومات الاستخباراتية والعسكرية، التي قد يعرض كشفها الأمن الوطني للخطر، كما تتطلب المفاوضات الدبلوماسية، وبعض الأبحاث الاستراتيجية، مستوى معيناً من السرية لحماية مصالح الدولة.

على المدى القريب والبعيد، من الضروري معالجة القصور الدستوري فيما يخص النفاذ إلى المعلومات، عبر تكريس هذا الحق في الدستور الجديد، وإصدار قانون حديث للنشر يكون بديلاً عن القانون رقم 5 لعام 2004. وأيضاً لتحقيق التوازن بين السرية والشفافية، ينبغي وضع إطار قانوني واضح يحدد متى يجب إتاحة المعلومات ومتى يمكن حجبها، مع استثناءات محددة بدقة، وليس وفق قرارات تعسفية وفق ما كان في عهد النظام البائد.

كما ينبغي تأسيس هيئة حكومية للإشراف على تنفيذ قانون النفاذ إلى المعلومات في حال تشريعه، إلى جانب تطوير منصة إلكترونية موحدة تتبع للهيئة تعمل على تسهيل الوصول إلى البيانات غير الحساسة، وإلزام المؤسسات بنشر قراراتها وتعاميمها وكذلك تقارير دورية حول أدائها، ولا يمكن الاكتفاء بوجود معرفات رسمية على برامج التواصل الاجتماعي، كـ “تلغرام” أو “X” أو فيس بوك، وذلك على الرغم من أهمية وجودها.

إن إرساء مبدأ الشفافية وضمان حق النفاذ إلى المعلومات يسهم في تعزيز وعي المواطنين والمشاركة في الحياة العامة، ومكافحة الفساد والهدر المالي ويمنع عمليات تزوير القرارات أو التعاميم الصادرة، كما يساهم في تعزيز النزاهة والبحث العلمي، ودعم اقتصاد مبني على المعلومات الدقيقة، مما يجعل النفاذ إلى المعلومات ركيزة أساسية للحكم الرشيد، وضمان مشاركة فاعلة في صناعة القرار وبناء مؤسسات قوية وموثوقة.

#الجريدة #الرسمية #والنشر. #سوريا #الجديدة #ما #بين #السرية #والشفافية

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات