جاري التحميل الآن

فرص وتحديات.. كيف يمكن للسوريين في الخارج المساهمة بإعادة بناء وطنهم؟

فرص وتحديات.. كيف يمكن للسوريين في الخارج المساهمة بإعادة بناء وطنهم؟

فرص وتحديات.. كيف يمكن للسوريين في الخارج المساهمة بإعادة بناء وطنهم؟

على مدى سنوات الحرب، عاش السوريون واحدة من أشد الفترات قسوة في تاريخهم الحديث، مما دفع الملايين إلى الهجرة واللجوء إلى مختلف أنحاء العالم. ورَغم صعوبة الغربة، لم تنقطع صلتهم بوطنهم، بل حملوا معهم مسؤولية أرضهم ومستقبلها، باحثين عن سبل لمساندته في مختلف المجالات. ومع انتصار الثورة السورية وإقبال البلاد على مرحلة جديدة، بات دور السوريين في الخارج أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ يُشكّلون شريان حياة يرفد الاقتصاد، ويدعم العمل الإنساني، ويعزز الهُوية الثقافية والسياسية، فضلاً عن مشاركتهم في إعادة الإعمار.

واليوم، ومع تصاعد الحاجة إلى توحيد الجهود، يبرز السؤال الجوهري: كيف يمكن للسوريين في الخارج أن يكونوا فاعلين في بناء مستقبل سوريا بشكل مستدام؟ من هنا، تنشأ المبادرات الإغاثية، الاقتصادية، والتعليمية وغيرها، لتؤكد أن الطريق إلى النهوض لا يمكن أن يكتمل إلا بتضافر جهود الداخل والخارج، وَفق رؤية تعيد بناء الوطن على أسس من الوحدة والتضامن.

تعزيز الاقتصاد الوطني عبر التحويلات والاستثمار ونقل الخبرات

تشكل تحويلات السوريين في الخارج أحد أهم روافد الاقتصاد السوري في السنوات الأخيرة. يعتمد ملايين السوريين داخل البلاد على الأموال التي يرسلها ذووهم المغتربون. ومع انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع تكاليف المعيشة، أصبحت هذه التحويلات طوق نجاة للعائلات، حيث تغطي احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وتعليم. واليوم، يتجاوز دور التحويلات مجرد الدعم الاستهلاكي قصير الأجل، إذ يمكن أن تكون أداة لتنشيط الاقتصاد عبر استثمار هذه الأموال في مشاريع إنتاجية توفر فرص عمل محلية، وتحد من البطالة والفقر، بما يتناسب مع اقتصاد السوق الحر.

طوابير الخبز في سوريا

إلى جانب ذلك، يمكن للسوريين في الخارج الاستثمار في مشاريع مدروسة تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وتوفر دخلاً مستداماً لهم ولذويهم. الاستثمار في قطاعات مثل الصناعات الغذائية، والزراعة، والمشاريع الخدمية، وحتى في التعليم والصحة، يمكن أن يحقق أثراً مضاعفاً من خلال توفير فرص عمل، ودعم الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، في مقابلة خاصة مع تلفزيون سوريا، بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه تحويلات المغتربين في دعم الاقتصاد السوري، وكيف يمكن تعظيم هذا الدور: “يمكن أن تدخل عشرات الملايين من الدولارات إلى سوريا، حيث يتم تحويل المزيد من الأموال خلال هذا الشهر نتيجة الضغوط المالية التي تواجهها الأسر داخل البلاد، خصوصاً أن نسبة الفقر وصلت إلى 90% وَفق الإحصائيات الصادرة عام 2024. هذه الأموال قد تساهم في تعزيز حجم العملات الأجنبية في سوريا، ولكن يجب أن تتم عبر القنوات الرسمية مثل البنوك والمؤسسات المالية التابعة للحكومة الجديدة. إلا أن هذا الأمر لا يزال ضعيفاً نتيجة العقوبات السابقة. رغم أن العقوبات قد تم رفعها، إلا أننا حتى الآن لم نشهد تحويلات شخصية عبر القنوات الرسمية. هذه الخطوة يمكن أن تعزز حجم النقد الأجنبي في البنوك، لكنها لم تُفعل بشكل كبير حتى الآن”.

العديد من الدول التي مرت بأزمات اقتصادية استطاعت التعافي عبر استثمارات المغتربين، ويمكن للسوريين اتباع النهج ذاته من خلال إنشاء شراكات مع رواد الأعمال داخل البلاد، أو دعم مشاريع صغيرة ومتوسطة توفر فرص عمل مباشرة، مما يسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية المحلية.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث قضيماتي بشأن المجالات الأكثر احتياجاً التي يمكن للمقيمين خارج البلاد تقديم دورات وخبرات مهنية بشأنها للسوريين داخل البلاد: “إن سوريا تحتاج إلى جميع المجالات بشكل عام، ولكن هناك احتياجاً خاصاً في مجال الصناعة. فقد وصلت عجلة الإنتاج في سوريا إلى مستوى يقارب الصفر، ولذلك فإن إعادة تشغيلها تعتمد على توفر بنية تحتية مناسبة، وهو ما يمكن أن تقدمه الحكومة خلال الأشهر الستة القادمة”.

واطنون سوريون يتزاحمون في الأسواق في شارع شعلان بدمشق للتسوق لتناول الإفطار في اليوم الثاني من شهر رمضان

يمتلك السوريون المغتربون خبرات غنية في مجالات متعددة، بدءاً من الإدارة وريادة الأعمال، ومروراً بالتكنولوجيا والهندسة، وانتهاءً بالخدمات الطبية والتعليمية. ويسهم نقل هذه الخبرات إلى الداخل، عبر برامج تدريبية أو استشارات للشركات المحلية، أو حتى من خلال العمل عن بعد مع المؤسسات السورية، في تحديث بيئة الأعمال، ورفع كفاءة العمل المؤسسي، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات السورية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم مؤتمرات علمية وافتراضية تربط بين السوريين داخل البلاد وخارجها، بالإضافة إلى دعم مشاريع الابتكار والبحث العلمي، مما يساعد في تطوير تقنيات جديدة وتحسين جودة الإنتاج المحلي.

وفي هذا السياق، يوضح الباحث قضيماتي كيف يمكن للسوريين في الخارج المساهمة في نقل خبراتهم ومعارفهم الفنية والإدارية لدعم القطاعات الحيوية في الداخل السوري، قائلاً: “إن مساهمة السوريين في الخارج في بناء القطاعات الحيوية داخل سوريا تعتمد على شقين. الشق الأول يتعلق بالدولة والحكومة الجديدة ومدى حاجتها واستعدادها لاستقطاب هذه الخبرات للعمل داخل البلد. قد تكون بعض هذه الخبرات قد دخلت بالفعل إلى سوريا، لكننا لا نزال في مرحلة التهيئة، ولذلك قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتم الاستفادة منها بشكل كامل”.

أما الشق الثاني، وفقاً لقضيماتي، “فيتعلق بالخبرات المرتبطة بالاستثمارات والمشاريع الصغيرة، وهو يعتمد على عدة عوامل. أولها توفر بنية تحتية ملائمة تشجع المستثمرين المغتربين على نقل خبراتهم وشركاتهم إلى سوريا. ثانياً، يجب أن تكون هناك قوانين تحمي أموال هؤلاء المستثمرين. لذلك، نحتاج إلى بعض الوقت حتى نرى هذا الأمر يتحقق على أرض الواقع ونتمكن من الاستفادة منه”.

ثانياً: المشاركة في العمل الإنساني والإغاثي وإعادة الإعمار

لعبت الجمعيات والمنظمات الإنسانية داخل سوريا دوراً محورياً في تقديم الخدمات الأساسية للمجتمعات المتضررة، لكنها عانت في كثير من الأحيان من شح التمويل. وهنا يمكن للسوريين في الخارج أن يشكّلوا شبكة دعم مالي مستدام لهذه المنظمات، عبر تحويلات منتظمة أو تبرعات شهرية. من المهم أن يكون هذا الدعم منظماً وممنهجاً لضمان وصوله إلى مستحقيه، مع وجود رقابة تمنع إساءة استخدام الأموال.

يمكن للجاليات السورية أيضاً تنظيم حملات إغاثية جماعية بالتنسيق مع المنظمات المحلية، وتوجيه الدعم وَفق أولويات مدروسة تشمل الغذاء، الصحة، والتعليم. ومن الضروري أن تتحول هذه الحملات من مجرد مساعدات إغاثية طارئة إلى مشاريع إعادة إعمار مستدامة، مثل إعادة تأهيل المدارس، والمراكز الصحية، والبنية التحتية، إذ يتطلب المستقبل التركيز على التنمية بدلاً من الإغاثة فقط. كذلك، يمكنهم تمويل مشاريع تنموية مستدامة، مثل إنشاء مشاغل صغيرة، ودعم المشاريع الزراعية، وتمكين المرأة، وتوفير التدريب المهني للشباب. وتساهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل محلية، وتقليل الاعتماد على المعونات الخارجية.

المشاريع الصغيرة في سوريا

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في الشؤون السياسية والاجتماعية بسام السليمان، عن كيفية توجيه الدعم الإنساني ليصبح أكثر استدامة ويساهم في تحسين الواقع المعيشي للسوريين على المدى الطويل: “إن توجيه الدعم ليكون أكثر استدامة هو أمر بسيط يمكن تحقيقه من خلال إجراء دراسات بالتعاون مع الحكومة. هذه الدراسات ستؤدي إلى وضع خطط لمشاريع مستدامة. نعم، الشعب السوري يحتاج إلى خطط إغاثة عاجلة، لكنه بحاجة أيضاً إلى خطط استجابة مستدامة”.

وفي السياق ذاته، يتحدث الباحث أدهم قضيماتي عن دور المبادرات الفردية للمغتربين في تطوير المهارات المهنية للشباب السوري، وكيفية توسيع نطاق هذه المبادرات، قائلاً: “يمكن للمبادرات الفردية أن تساهم في بناء جوانب معينة، لكنها لا تكفي لبناء دولة أو تطوير القطاعات الحيوية بشكل شامل. الاعتماد الأكبر يجب أن يكون على الحكومة والخطط التي تضعها للتنفيذ”.

ويضيف قضيماتي: “نحن نتحدث عن تخطيط حكومي متكامل يجب أن يكون موجوداً أولاً، وبعد ذلك تأتي المبادرات الفردية لتكمل هذه الخطط أو تساهم في تنفيذها. المبادرات الفردية يمكن أن تكون فعالة في الأمور البسيطة والمشاريع الصغيرة، لكنها ليست كافية لتطوير قطاعات الدولة بشكل كامل. التخطيط الأولي من الدولة ضروري، ثم تأتي هذه المبادرات كداعم للتنفيذ”.

ثالثاً: الدور السياسي والثقافي للجالية في دعم قضايا سوريا

يمتلك السوريون المنتشرون في أوروبا، وأميركا، وكندا فرصاً مهمة للتأثير على الرأي العام وصنّاع القرار في الدول المضيفة، من خلال الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وكذلك عبر المشاركة في ندوات ومؤتمرات لإيصال صوت الشعب السوري، وطرح القضايا المرتبطة بسوريا، وإبراز الصورة الحقيقية للوضع في سوريا بعد سقوط النظام، مع تسليط الضوء على الحاجة إلى دعم الحلول التي تخدم الشعب السوري، وليس فقط المصالح السياسية للدول الكبرى.

يمكن للجاليات السورية الاستفادة من اللوبيات الخاصة بها في الضغط على السياسات في الدول الغربية، بهدف التأثير على الحكومات والبرلمانات لدعم مواقف تخدم مصالح الشعب السوري، سواء على صعيد تخفيف العقوبات الاقتصادية ذات الأثر السلبي على المدنيين، أو زيادة الدعم الإنساني والإغاثي.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في الشؤون السياسية والاجتماعية بسام سليمان في مقابلة خاصة مع تلفزيون سوريا: “بالنسبة للجاليات، يمكن أن تشكل جماعات ضغط فعّالة، خاصة أن بعض أفرادها حصلوا على جنسيات في دول إقامتهم، ما يمنحهم القدرة على التأثير في الانتخابات والشأن السياسي”.

بالإضافة إلى ذلك، هناك جزء من هذه الجاليات أصبح من أصحاب رؤوس الأموال والنشاطات الاقتصادية، وقد رأينا كيف كان للجالية السورية في الولايات المتحدة تأثير ملموس، وأعتقد أن هذه الجاليات يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحسين الواقع في سوريا”.

رابعاً: دعم التعليم وبناء القدرات المهنية والتقنية

يعدّ التعليم الاستثمار الأهم في مستقبل سوريا، ويمكن للسوريين في الخارج، خصوصاً رجال الأعمال والأكاديميين، المساهمة من خلال تأسيس صناديق منح دراسية لدعم الطلاب السوريين. هذه المنح يمكن أن تشمل التعليم الجامعي والدراسات العليا، والتدريب المهني، مما يفتح آفاق المستقبل أمام الشباب السوري.

كما يستطيع السوريون المتخصصون في الخارج تنظيم برامج تدريبية للشباب السوري في الداخل عبر المنصات الرقمية. يمكن أن تشمل هذه البرامج مجالات مثل البرمجة، ريادة الأعمال، الإدارة، الصناعة، وغيرها، مما يساهم في رفع كفاءة الشباب وتأهيلهم لسوق العمل المحلي والدولي. بالتنسيق مع الخبراء التربويين السوريين في الخارج، يمكن العمل على تطوير المناهج التعليمية السورية بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل المستقبلية، مع التركيز على المهارات الحياتية والتقنية، مما يعزز فرص الشباب في بناء مستقبلهم.

543

وفي هذا الإطار، يقول الباحث أدهم قضيماتي: “فيما يتعلق بالمناهج والبرامج التعليمية، يجب أن تواكب احتياجات السوريين المستقبلية، وندعو إلى توطين التكنولوجيا في سوريا. كما يجب أن تعتمد البرامج التعليمية على التكنولوجيا بشكل كامل، وتطوير مناهج تركز على المجالات التي كانت غير موجودة في سوريا، مثل قطاع النفط والتكنولوجيا. هذا التطوير ضروري لأنه يمثل الأساس لبناء مستقبل سوريا”.

ويضيف قضيماتي: “أما بالنسبة لدور السوريين المغتربين، فسيكون دورهم فعالاً عندما توضع خطط واستراتيجيات واضحة. عند وجود مثل هذه الخطط، سيكون هناك الكثير من الأشخاص المستعدين للمساهمة في تطوير قطاع التعليم. الخبرات متوفرة سواء داخل أو خارج سوريا، وهي جاهزة لدعم كل ما تحتاجه سوريا في هذا المجال”.

بشكل عام، إن دعم السوريين في الخارج لوطنهم ليس مجرد واجب أخلاقي أو تعبير عن الحنين فحسب، بل هو مسؤولية وطنية تتطلب بناءً على أسس منهجية متكاملة. التحويلات المالية، الاستثمار، ونقل الخبرات، جنباً إلى جنب مع المشاركة الإنسانية والسياسية والتعليمية، تشكل خارطة طريق متكاملة لدعم سوريا المستقبل. فالسوري في الخارج ليس مجرد مغترب، بل هو سفير لوطنه، وسند لشعبه، وجزء من الحل لبناء مستقبل أفضل.
 

 

#فرص #وتحديات. #كيف #يمكن #للسوريين #في #الخارج #المساهمة #بإعادة #بناء #وطنهم

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات