جاري التحميل الآن

حكومة دمشق ومعضلات الحفاظ على الشرعية

حكومة دمشق ومعضلات الحفاظ على الشرعية

حكومة دمشق ومعضلات الحفاظ على الشرعية

تعد السلطة ضرورة لأي مجتمع إنساني، إذ يفرض العيش المشترك حدا أدنى من الوفاق بين مكونات المجتمع يؤدي إلى ازدهار تتحقق من خلاله المصلحة المشتركة لتلك المكونات. ويتجسد الوفاق بشكل من أشكال التنظيم السياسي الذي لا يمكن للمجتمع أن يستمر من دونه، فالإنسان ليس حيوانا اجتماعيا ومفكرا فحسب، إنما لديه على حد تعبير (كانْت) “مزاج لا اجتماعي يدفعه إلى الرغبة في توجيه كل شيء هواه”. من هنا تبرز ضرورة وجود السلطة الكفيلة بضبط سلوك الفرد. والسلطة أينما ذكرت، لا بد أن يتبادر للذهن ذكر الشرعية، بل تعتبر الشرعية الصفة الملازمة للسلطة كي تكون سلطة.

تآكل الشرعية الثورية

إن الدولة في نهاية الأمر هي كيان سياسي يمارس السلطة عن طريق استخدام القوة المُشرعة، ورَغم أن السلطة تعني في طبيعتها وجود علاقة بين آمر ومأمور، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن تفرض إرادة طرف على طرف آخر وأن ينصاع هذا الطرف الآخر للأوامر وحسب، عند ذلك تكون العلاقة علاقة يسودها الإجبار والإكراه. وتستمد الشرعية أولا وأخيرا من رضا الجماهير، فالشرعية الثورية سريعة العطب والزوال تبدأ بالتآكل والاضمحلال من اللحظة الأولى التي ينتقل فيها ضغط البندقية من الجبهة إلى الشارع، سواء نتيجة الاقتتال البيني، أو نتيجة الانتهاكات بحق المواطنين، وتزداد تآكلا عندما تلاحظ الجماهير ابتعاد الممارسة الفعلية عن الشعارات التي طرحت مع انطلاقة الثورة. من هنا تبدو الحكومة الجديدة في دمشق أمام أكثر من معضلة في مواجهة تحدي الحفاظ على الشرعية.

معضلة الإنسان المقهور

إن السياق الطبيعي لثورات الشعوب التي خضعت طويلا لحكم نظام مستبد – غالبا -هو أن تعيد إنتاج الاستبداد. وفي هذا السياق يبدو أن للعوامل النفسية دوراً بارزاً في هذا الموضوع، وهو ما سماه مصطفى حجازي في كتابه “التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجيا الإنسان المقهور”: التماهي بالمتسلط، بمعنى أن الإنسان المقهور عندما يمتلك القوة يلجأ إلى التشبه بالمتسلط وتمثل عدوانيته وطغيانه، والتماهي بالمتسلط هو من أقوى عوامل مقاومة التغيير وعرقلة التحرر الاجتماعي. يقول مصطفى حجازي: “هذه الدينامية تقوم على الإعجاب الصريح أو الضمني بالمتسلط، سواء في تبني

بطشه وتهديده، أو في تمثل أسلوبه الحياتي وقيمه. هناك رغبة دفينة في احتلال مقام كمقامه، إن لم تكن الرغبة في الحلول محله بشكل جذري، باعتبار مقامه يشكل الحالة الحياتية المثلى”. من هنا يمكن تفسير التشابه في السلوك لدى بعض الثوار مع السلوك المتبع من قبل عموم أتباع النظام البائد، وهو ما تسبب بالحرج للحكومة الجديدة في أكثر من موقعة.

معضلة الباحثين عن الزعامة

تعرف المراحل الانتقالية بأنها -غالبا- مضطربة وشديدة الحساسية وغير مستقرة. وهذه البيئة التي هي أقرب إلى الفوضى، وهي بحد ذاتها تعتبر بيئة مفضلة لبعض الشخصيات. هناك مقولة لـ “دوستويفسكي” تضيء على جانب مهم من هذه المشكلة: “فمن يحترفون إثارة الفوضى في المجتمع هم بالتأكيد الذين لا يملكون حلاً لمشكلاته ولكن يبحثون عن الزعامة وسط الفوضى”. فالمزاج المنخفض الذي يهيمن على الأغلبية الساحقة من السكان نتيجة اضطرب المرحلة الانتقالية، يقابله مزاج مرتفع وشعور بالرضى، بل والنشوة لدى أقلية متنفذة ممن احترفوا إثارة الفوضى ووصلوا إلى مبتغاهم (زعامتهم) من خلالها. فهؤلاء هم أعداء الدولة أو ما يشبه الدولة، وهم لن يسمحوا بإقامة سلطة تُشعر الناس أنهم في حالة طبيعية مهما كلف الثمن؛ لأن قيام السلطة، بكل بساطة، يعني زوال مجدهم القائم على الفوضى التي يراد لها أن تدوم إلى ما لا نهاية إن أمكن.

المعضلة الأيديولوجية

يحسب للسيد أحمد الشرع رئيس “هيئة تحرير الشام” سابقا، ورئيس الجمهورية العربية السورية في الوقت الحالي أنه استطاع الانتقال بهيئة تحرير الشام من تنظيم جهادي لطالما وصف بالدوغمائية إلى جماعة ذات توجه وطني، وهذا إنجاز تاريخي لم يسبقه إليه أحد حسب المعلومات المتوفرة لدينا، لكن هذه النقلة لهيئة تحرير الشام من جماعة أيديولوجية إلى جماعة وطنية رغم فرادته مازال يشكل مازقا للحكومة الجديدة في دمشق؛ فمن جهة أولى لا يمكننا تصور الانزياح أنه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فهو انزياح إلى الوسط أو ما دون الوسط، وهذا ما يكبل القيادة بقيود لا تتيح لها التجاوب مع كل المطالب التي تنادي بها التيارات اليسارية والعلمانية. ومن جهة ثانية؛ يبدو أن لبعض فئات الشعب السوري ومكوناته المختلفة هواجس متنامية من أن يكون السلوك المرن المتبع من قبل الإدارة الجديدة ليس سوى أحد أشكال الخديعة التي يتبعها القادة عادة إلى أن يستتب لهم الأمر.

وتتجلى معضلة غياب الثقة لدى بعض الأقليات من السوريين، وينتج عنها معضلة أشد تعقيدا يحتاج الخوض فيها إلى بحث مطول. ولكن بالعموم تحتاج الحكومة بالدرجة

الأولى لترميم هياكلها ومؤسساتها، فهي تعمل – حتى الآن – من دون أهم مؤسستين في تعضيد ثباتها وصلابتها، وهما: المؤسسة الإعلامية، والمؤسسة الأمنية، والقصد هنا جهاز الاستخبارات الذي هو موجود بالفعل، لكنه بحاجة للتقوية والدعم أكثر. علاوة على ذلك تحتاج الحكومة إلى زجر من لديهم بقايا أيديولوجية من زمن ما قبل الوطنية، وردع المتماهين بالمتسلط، فالخوف من عقاب القانون هو الذي يصلح النفوس، ولعل في هذا مدخلا لمد جسور الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري.

شارك هذا المقال

#حكومة #دمشق #ومعضلات #الحفاظ #على #الشرعية

المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇

قد تهمك هذه المقالات