اجتثاث الأسديَّة قانون ننتظره أم ثقافة نرسخها؟
[ad_1]
قبل مرور أقل من مئة يوم على انتصار الثورة السورية، بدأ عدد كبير من “الأسديّين” بالإعلان عن صوتهم، واجتراح الأسباب لمناصرتهم للنظام المخلوع، من مختلف الشرائح السورية، والحديث عن سياقات علاقاتهم به وتسويغها، دون اعتذار، أو أيّ شعور بالذنب، أو تفهّم لأرواح الضحايا، بل إن هناك عدداً منهم لا يزال يدافع عن الرئيس المخلوع ونظامه، بحجة تعدّد الآراء أو الحرية أو الديمقراطية وأهمية تفهم ضرورات التنوع السوري، مستفيدين من فترة فراغ في السلطة السورية وعدم وجود آليات ناظمة للفضاء العام، أو وجودهم خارج البلد أو جسّ نبض السلطة الحالية تجاههم!
وأبرز ما نجده في هذا السياق هو “البودكاست مع كل من سلاف فواخرجي وباسم ياخور”، حيث وجد كثير من السوريين في مقابلة سلاف فواخرجي مثلاً وقاحة وقلة أدب تجاه التضحيات السورية. مما جعل كثيراً منهم يتساءل عن الحلول مع هذا النوع من الأشخاص ضمن الأطر القانونية، وطرحت عدة أفكار من مثل: منعها من دخول البلد، الصمت، الاعتذار، التبرع بجزء من مالها للضحايا، المحاكمة.
وقد سرّع مثل هذا النوع من التصريحات، وكذلك التكويعات السريعة لعدد من مجرمي النظام السابق مثل محمد سيلمان ومحمد الشعار وقد شغلا مهمة وزير سابقاً، فكرة “اجتثاث الأسدية” كأحد الحلول لمحاكمة إرث النظام السابق، كي تكون رادعاً لمنكري الجرائم التي سبق ارتكابها، ولتمشي مسيرة البلد إلى الأمام.
وكي لا تكون المواطنة في المرحلة القادمة قائمة على تجاوز جرائم المرحلة السابقة، خاصة أن الضحايا المباشرين أو ذويهم لا يزالون على قيد الحياة ولم تجف دماؤهم بعد. وتعد هذه الخطوة جزءاً من العدالة الانتقالية التي عادة ما تكون جزءاً من مراحل ما بعد النزاعات الأهلية، والعدالة الانتقالية تعني وفقاً لأدبيات الأمم المتحدة: الاعتراف بالضحايا، وتعزيز ثقة الأفراد في مؤسسات الدولة الجديدة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، كخطوة نحو المصالحة ومنع الانتهاكات التي يمكن ان تحصل من الضحايا دون العودة إلى القانون، وقد كانت العدالة الانتقالية إحدى أبرز مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
تقنياً، آليات اجتثاث منظومة إجرامية أو تشبيحية سابقة كحالة اجتثاث الأسدية تعدّ مهمة قانونية، يمكنها أن تسترشد بالتجارب العالمية، ولدى السوريين خبرات كبيرة بتجارب الشعوب الأخرى في هذا السياق، وبات لدينا نفر كبير من الصبايا والشباب السوري الذي حصل على شهادات عليا في مجال ما بعد النزاع.
أما من جهة تاريخية واجتماعية وفكرية فإن دور المفكرين والباحثين وأساتذة الجامعات والإعلاميين لاغنى عنه في التركيز على دور اجتثاث إنكار الجرائم بحق الشعب، وعليه فإن الحديث بداية عن مفهومه وضروراته وأهدافه والوعي به، وأنه لا يعني الانتقام بقدر كونه جزءاً من علاج المجتمع السوري لنكباته الكثيرة والطويلة، وأنه ليس موجهاً ضد طائفة أو عرق أو اتجاه سياسي أو شرحية اجتماعية.
ويقصد بالأسدية، في إطار تعريف أولي، كل من سوّغ أو ساهم بجرائم الأسد في تاريخ سوريا وخاصة في مرحلة الثورة السورية ممن قام بارتكاب جرائم بنفسه أو أعطى الأمر بها أو سوغها، أو دعا إلى إبادة مدن سورية عبر منشوراته، أو أفاد عبر صفقات من النظام السابق دون جوه حق، أو شغل موقعاً من المواقع السيادية التي أسهمت بتمكين النظام السابق.
فيما يميل كثيرون إلى اعتبار ضرب السوريين بالسلاح الكيماوي فاصلاً رئيسياً بين مرحلتين. بينما يرى رأي آخر أن الاجتثاث يجب أن يقع على من لا يزال متمسكاً بذلك النوع من التفكير، أما من اعتذر أو تراجع دون أن يكون مجرماً فيمكن التعامل معه بطريقة مختلفة. ولعلّ استمعال مصطلح “الأسدية” نوع من محاولة عدم تطييف الاجتثاث كي لا يكون موجهاً لشريحة بعينها أو طائفة ما، بل يشمل كل من كان جزءاً فاعلاً من تلك “الأسدية” من مختلف الطوائف والمحافظات.
الكثير من “الأسديين” اليوم يحاولون الهروب من فكرة تبنيهم للأسدية بالقول: هؤلاء ليسوا أفضل من أولئك! وهو يريد أن يقارن بين السلطة الحالية -التي هي كما أي سلطة لديها أخطاؤها- غير أن هذا التسويغ غير جائز بالمفهوم الحِجاجي لأن المقارنة لا تكون مع سلطة أمر واقع بل تكون مع القيم والقوانين السائدة ومدى الامتثال إليها.
المخيف في مثل هذا النوع من الاجتثاث، كما يرى باحثون، هو أن يصبح أداة في يد السلطة لقمع معارضيها أو من تختلف معهم، أو ملعباً انتخابياً يبرز دوره لاحقاً، أو قد يصبح مثل “محكمة أمن الدولة” الشهيرة في سوريا ذات الصيت السيء في قمع المعارضين حيث كانت تفصل الأحكام تبعاً لما يريده النظام حيث تغدو تهمة “إضعاف هيبة الدولة” حجة صالحة لأي نوع من أنواع القمع.
في أدبيات الاجتثاث تحضر تجربتان كبيرتان: واحدة ذات سمعة سيئة، وهي تجربة اجتثاث حزب البعث في العراق حيث تم توظيفها بطريقة انتقامية واستهدفت شرائح اجتماعية معينة، وواحدة أخرى تعد ناجحة وهي تجربة اجتثاث النازية. ولعل التجربة الألمانية مفيدة في السياق السوري نظراً لأن الأسدية تقترب منها في نقاط عدة منها: تسويغ القتل والكراهية والسماح لضباط الأمن والعسكر بقتل الناس دون سند قانوني، ووجود مثقفين وإعلاميين وبرلمانيين وأساتذة جامعات دعوا للإبادة وقتل السوريين شركاء الوطن.
فكرة اجتثاث الأسدية قد تكون خياراً ملائماً للوضع السوري نظراً لأن النظام المخلوع في عهد الأسدين بقي أكثر من نصف قرن، وبالتالي نشأ جيلان في عهده، وهذا يسهل كونهم ضحايا على مستوى الوعي، لنظام استبدادي، وبالتالي فإن الاجتثاث لا يعني السجون والمحاكمة فحسب، بل خطة فكرية لتوعية المواطن السوري عامة والأسدي خاصة بالمفاهيم الصحيحة للتعامل بين البشر وفقاً لقوانين حقوق الإنسان والقوانين الدولية المعنية بالأمر.
ويمكن أن نشير في إطار مناقشة ما قالته سلاف فواخرجي إلى أحد ممن عرفها في مرحلة شبابها أنها كانت إنساناً طبيعياً تحضر محاضراتها الجامعية وتحرص على الالتزام بالقيم التربوية، وكانت إنسانة خجولة ومحترمة، لكنها اليوم في إطار غسيل الدماغ الأسدي، أو المصالح، أو البحث عن دور، باتت تتحدث في الإعلام عن تسويغات محددة وبالتالي، هي ضحية وعيها الذي تشكل لاحقاً، أو ضحية البحث عن مصالحها التي تقاطعت مع النظام السابق بحيث ارتبطت هي وعائلتها بعلاقات شخصية مع النظام المخلوع، من هنا فإن اجتثاث الأسدية لا يعني الجانب القانوني فحسب بل كذلك الجانب النفسي والفكري يحتاج إلى معالجة ومناقشة.
التجربة الهولندية في هذا المجال مهمة ولديهم أكثر من حالة يمكن أن يستضاء بها ما يتعلق بالزنوج وما يتعلق بتجارة البشر. حيث شكلت لجان علمية بحثت في الأمر ووصلت إلى النتائج المرجوة، حيث تركز تلك التجربة من أجل أمان المجتمع ليس على فكرة السجن فحسب؛ بل كذلك على المعالجة النفسية والاجتماعية والفكرية.
تشير فكرة الأدلجة أو الدفاع عن اتجاه ما أو نظام أو مجرم والتماهي معه إلى أسباب عدة: تقاطع في المصالح، أو ممارسة السلطة، أو قصور في الوعي، أو التخويف من القادم، أو مرض نفسي ما.
وفي الوقت الذي يدعو فيه سوريون لاجتثاث الأسدية فإن هناك من يدعو لتكريس للتسامح مع الأسدية وعدها مفرزاً سورياً طبيعياً، ومن ذلك بيان صدر قبل أيام لتجمع سوري معارض للسلطة الحالية من داخل دمشق نص حرفياً: “يعتبر شهيداً كل من قضى من أجل سورية من كلا الطرفين المتصارعين منذ أحداث 2011، إذ لا يمكن إنجاز المصالحة إلا بعد العفو والمسامحة التي تشكل حجر الأساس لإعادة الإعمار في البشر والحجر ويمكننا استلهام تجارب مصالحات الحروب الأهلية في رواندا والجزائر وجنوب أفريقيا على سبيل الاستئناس بها في عملية المصالحة بين السوريين”
ربما البيان فيه استباق للمحاكمة المتوقعة لأحد مسؤوليه الرئيسيين الذي دعا من قبل لإبادة مدينتي “دوما وإدلب”! ومن الملفت الإشارة إلى أن الأسديين أنواع: أسديون واعون وقد أفادوا من الأسديين، وأسديون بسطاء يملأ الرعب قلبهم، ويحاربون طواحين الهواء، وأسديون ساذجون، وأسديون خائفون وأسديو الجكارة ضد السلطة الحالية لأنها لا تمثلهم!
هناك أسئلة عدة تبقى قيد النقاش ضمن ” اجتثاث الأسدية” ما هي حدود الزمن الماضي الذي سننظر إليه؟ وما هي المعايير؟ ومن هم الأشخاص المعنيون بالاجتثاث؟
فكرة اجتثاث الأسدية وقوانينها وثقافتها تحتاج إلى ندوات وتقاطعات ونقاش عبر الفضاء العام كي يتم بلورتها، دون أن تكون أداة انتقام أو أذى لأشخاص ليسوا جزءاً منها، وما هذه السطور إلا أحد مفاتيح الحديث عن ضرورة حدوثها كجزء من تحقيق العدالة الانتقالية وأخلاقيات سورية مأمولة كجزء من أخلاقيات حقوق الإنسان.
[ad_2]
#اجتثاث #الأسدية #قانون #ننتظره #أم #ثقافة #نرسخها
المصدر : مقيم أوروبا ومواقع انترنت وغوغل👇
[ad_1]
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.