⌚ #باولا #كارولا #حب #جياكوميتي #الغامض #أسماء #مستعارة #وبورتريهات #رمادية #القدس #العربي #منتوف #MANTOWF #ساعات
باولا كارولا حُبّ جياكوميتي الغامض: أسماء مستعارة وبورتريهات رمادية – القدس العربي
[elementor-template id=”7268″]
عندما رأت الفيلسوفة الوجودية والناشطة السياسية النسوية سيمون دو بوفوار لوحةً أنجزها صديقها الفنان السويسري ألبرتو جياكوميتي كتبتْ: «لقد أخذ أنماط التمثيل الحالية وقلَبَها من الداخل إلى الخارج مثل القفاز.» مشيرةً بشكل دقيق إلى قدرته الخارقة في الوصول إلى مداخل العماء في شخصية باولا كارولا (كارولين). بينما لم يكن دييغو (شقيقه النحات) سعيداً بعدما اعتقد أن الأمور تزداد سوءاً مذ بدأت باولا المجيء والذهاب إلى الاستوديو، للخضوع لعيني الفنان المختلف، فقد احتقرها دييغو ونظر إليها دائماً على أنها مُجرّد بائعة هوى عادية ومحتالة رخيصة، رآها تتسكع في مونمارتر، ولم يكن لديه سبب لافتراض خلاف ذلك. أما آنيت زوجته وموديله المعتاد فقد كانت سعيدةً بوجود امرأة أخرى في حياة زوجها!
أسماء متعددة وشغف متناقض بالحيوانات والجواهر والمال
إيفون مارغريت بوارودو هو اسمها الكاثوليكي الذي تغيَّرَ في ما بعد إلى باولا كارولاـ وفقاً للمقابلة التي أجرتها معها الأمريكية كريستينا كاريو في (صحيفة الفن) بتاريخ 31/03/2011 قبل وفاتها في ذلك العام. لقد غَيَّرت اسمها عدة مرات لتكون أكثر قبولاً في نظر جياكوميتي ومَنْ حوله من عائلته وأصدقائه، ففي بعد ظهر أحد الأيام في سبتمبر/ أيلول 1958، وصلت شابةٌ جميلة غامضة إلى الباب رقم 46 في شارع هيبوليت ميندرون قرب مونبارناس- جنوبي باريس (كان هذا المكان هو الاستوديو الذي عمل فيه ألبرتو جياكوميتي منذ عام 1926.) قدَّمَت نفسها على أنها «باولا ثوريل صديقة الفنان التعبيري التجريدي روبرتو ماتا» القادم من تشيلي، في محاولة أولى للظفر بالوقوف أمام الفنان الشهير. كانت قد جاءت للسؤال عن كلفة نحت تمثال نصفي لها بناءً على طلب زوجها! وهو ما لم يكن صحيحاً فرفض جياكوميتي الطلب لكنْ ومع ذلك فقد التقيا للمرة الثانية والثالثة، حتى غيّرتْ الصُدفة كل شيء، بعد إصابة موديله المعتاد – زوجته آنيت – ني آرم ـ بالأنفلونزا. وقتها عرضتْ عليه أن تكون موديله ليوافق ألبرتو بشرط أن تكون موديله الثابت لثلاث ساعات، ثلاث مرات في الأسبوع. بعد ذلك الاتفاق أطلقت باولا كارولا على نفسها اسم (كارولين) وذلك لقربه من اسم (عائلتها: كارولا). فأصبح هذا الاسم شهيراً في عالم الفن وقدَّمها جياكوميتي للعالم الذي صادَقَتْ عليه متاحفه، مَعارضُهُ ووسائل إعلامه ونُقَّاده في شتى أنحاء العالم.
في كتابه: «كارولين: آخر موديل لألبرتو جياكوميتي» الصادر بتاريخ 01/07/2017 يكشف فرانك موبير الناقد ومؤرخ الفن والروائي الفرنسي المُعاصر قصة آخر حب كبير لألبرتو جياكوميتي، مُطْلِقاً عليها اسماً ملتبساً «كارولين تامانيو» كآخر موديل وقف أمام ألبرتو جياكوميتي، فرانك موبير الرجل الحساس ذو العينين المفتوحتين على أشدهما عَبَّرَ عن جاذبية لوحات كارولين في معارض جياكوميتي، ما دفعه للبحث بشكل مُرَكَّز ومنهجي في مساحات اللوحات والمنحوتات ليعثر على كارولين فقيرةً ومريضةً عاشت آخر أيامها حياةً مريرة في مهجع رخيص في مدينة نيس، منسيةً من عالَم الفن، فيقابلها ويقضي معها نصف يوم ليذكر في كتابه «كارولين: آخر موديل لألبرتو جياكوميتي» ما فحواه: «أنَّ الموديل الأكثر جمالاً والتي وَرِثَتْ جياكوميتي بعد وفاته، كانت غبيةً لأنها لم تستطع الاستفادة من السنوات التي كانت بها شديدة القرب من الفنان السويسري العالمي، وأنها كانت صادقةً، حزينة للغاية ومُؤثِّرة، أصيبت بالجنون في النهاية!». إنه يكشف قصةً كتبَتْها الحياة بقلمِ صلب: قصة حب لامع، عشق حقيقي، وخسارة مؤلمة فاتحاً النار على عالم الفن وإعلامييه.
أحبَّتْ باولا الضفادع واللؤلؤ وهيمنت عليها القصص الخيالية، وهذا ما أُضيفَ إلى خصائصها الغريبة الساحرة. كان عدد الضفادع التي اعتنتْ بها ثلاثة عشر، كما احتفظتْ بكلب سمته (ميرلان) وروَّضتْ قطةً برية وغراباً صغيراً سمته (بيككو). كما تَقبَّل الفنان السويسري شغفها باللآلئ، وامتدَّ الشغف إلى الماس وأهداها أساور وخواتم وساعة مرصعة بالجواهر. ومع ذلك، كان التكريم الرئيسي لها هو المال الذي تبرَّعَ به الفنان بسخاء. على أي حال، يبدو أن كارولين احتقرت المال بقدر احتقار الفنان السويسري له، والدليل على ذلك أنه عندما خرجا معاً في أمسيات باريس كانا يستمتعان بصرف الأموال في الوقوف قرب طاولة الروليت فقط والاستمتاع بلعبة الحظ المتغيرة، لأن المال لم يكن مهماً بالنسبة لهما، والدليل الآخر على ذلك هو تشبيه جياكوميتي للمال بورق التواليت!
بورتريه رمادي
لم يكن اسمها الحقيقي مؤكَّداً ومع ذلك، كشخص، كانت ملوَّنةً بشكل مُفرط مع غزارة (وحشية) عظيمة، ولم تكُ باولا كارولا زوجةً أو حبيبةً مُخلِصة، بل امرأةً شابة خلّصتْ ألبيرتو جياكوميتي من تراتبية التنوع اللوني وذهبت به بعينيها الرماديتين بعيداً، لتستولي بهما على ابن (بورغونوفو) القرية النائية في ريف جنوب شرقي سويسرا، ألبرتو الذي وُلِد من تلاقُح الغيم مع الجبال الرمادية في كانتون غراوبوندين – الذي يعني المقطع الأول من تسميته الألمانية (غراو): اللون الرمادي، لأن باولا بَصَمَتْ بذاك اللون على السنوات الخمس الأخيرة من حياته، من خلال أعماله الثلاثين التي أنجزها لها كموديل أخير وثابت، ميَّزَ أهم مرحلة في مسيرته الفنية ككل، بعد أن وشَّى جمال روحها العبثية المضطربة، ونوَّمَتْها عيناه (مغناطيسياً) تاركاً لها حرية تشكيل نفسها وأفعالها بلون سائد، اتفق ذلك مع الحياة الملونة أم لم يتفق!
عندما جلست باولا كارولا أمامه للمرة الأولى، هَيمنَ الرمادي كلون رئيسي على أعمال جياكوميتي فلقَّبَها La grisaille (الرمادية باللغة الفرنسية) مبحراً في عالم تلك المرأة الشابة – التي تصغره بحوالي أربعين عاماً- ساهماً في لوحته دونما تفكير، ليتَحرِّكَ بالبورتريه الأول الذي رسمه لها بشكل فطري، ساعياً إلى تفكيكه، غيْر آبهٍ بميكانيكية اليد، بقدر انشغاله برؤية عالمها الداخلي الغريب، لأن ذلك ما كان يهمه بالفعل. في تلك الأثناء أصبحت باولا الموديل الرئيسي، منذ تركيزه المتزايد باستمرار على نظراتها عديمة اللون. لقد تأكَّد أن العينين التي أرسلتْ بهما باولا تلك النظرات كانت لها صِبغة، لكنها لا تنبعث منها!
بالنسبة لجياكوميتي فإن محاولة الفنان إعادة إنتاج هذا الرأي غالباً ما تعني تجاوز حدود الواقع من أجل عدم الوصول إلى حدود الفطرة السليمة. يرد جياكوميتي على ملاحظات أخيه دييغو وأصدقائه (يقولون إنني أرسم باللون الرمادي فقط) أو (ارسمْ بالألوان): «أليس الرمادي لوناً أيضاً؟ إذا رأيتُ كل شيء باللون الرمادي، فإن في هذا الرمادي كل الألوان التي أختبرُها وأُريدُ إعادة إنتاجها، فلماذا يجب أن أستخدم لوناً مختلفاً؟ لقد جرَّبْتُهُ أيضاً، لأنه لم يكن في نيَّتي أبداً أن أرسم فقط باللونين الرمادي والأبيض، أو حتى بلونِ واحد. في بداية العمل، غالباً ما أضع العديد من الألوان على اللوحة مثل زملائي، لقد حاولتُ الرسم، وفي سياق العمل ألغيتُ لوناً تلوَ الآخر وما تبقَّى: رمادي، رمادي، رمادي. أما عن تجربتي مع الرمادي، فإنني أُتلف تماماً اللون الذي أختبرهُ، والذي أراه، والذي أريد إعادة إنتاجه، فهو يعني الحياة نفسها بالنسبة لي، وإذا قمتُ بوضع لون آخر عليه عن قصد، فسيكون اللون الأحمر الذي أدخلتُهُ بالقوة في لوحتها ضاراً لأنه يزيح المنطقة التي تنتمي إليها، أعني تلك البقعة الحمراء بالذات!». كتاب جياكوميتي السيرة الذاتية للكاتب الأمريكي جيمس لورد- النسخة الألمانية- دار فيشر).
أسئلة كثيرة تركتها باولا كارولا بلا أجوبة، خصوصاً تلك التي تتعلق بأصولها، نشأتها وعائلتها، حبها للمال، اهتمامها بألبرتو جياكوميتي دون غيره، علاقتها الطيبة بآنيت زوجته ولا مبالاتها بمن حوله، عملها كبائعة هوى ثم تركها لتلك المهنة، لكنها أجابت على كل التساؤلات من خلال البورتريهات والمنحوتات التي أبدعها لها باللون الرمادي، فكلما كانت لوحتها رمادية، كانت شخصية (كارولين) أكثر تألقاً في نظره، كان اللمعان جزءاً من جوهرها وأرادت حقا أن تتألق حتى لو كان ذلك على نَفَقَتِهِ، وقد تَحقّق توقُّعهُ. لقد عرف أن للإبداع ثمناً وكان عليه قبول تلك «الجزية» لأنه لم يُرِدْ حرمان روحه من حاجتها. إنه من الخطأ فهم ذلك على أنه عملية مَحْضُ مادية، لأن فرحة الفنان بالاكتشاف دفَعتْهُ إلى إضفاء الطابع المثالي على لوحاته الرمادية من الداخل، لجعلها واضحةً لها غامضةً للعالم، لترسل رسائلها الأخيرة لكل من سأل عن حياتها الخاصة من خلال تصريحها للأمريكية كريستينا كاريو قبل وفاتها: «كان رجلاً شغوفًا يتمتع بفضول لا نهاية له وبشكل لا يصدَّق، لقد جعلني ألبرتو أشعر بأنني على قيد الحياة لمدة طويلة». وحتى عندما توفي وانتهى كل شيء، كانت تقول أحياناً: «كنتُ حُلمه المجنون وسأبقى كذلك.. دائماً».
كاتب سوري
باولا كارولا حُبّ جياكوميتي الغامض: أسماء مستعارة وبورتريهات رمادية – القدس العربي
أقراء أيضا
[elementor-template id=”7272″]
المصدر : منتوف و غوغل و مواقع انترنت 👇باولا كارولا حُبّ جياكوميتي الغامض: أسماء مستعارة وبورتريهات رمادية – القدس العربي
باولا كارولا حُبّ جياكوميتي الغامض: أسماء مستعارة وبورتريهات رمادية – القدس العربي
باولا كارولا حُبّ جياكوميتي الغامض: أسماء مستعارة وبورتريهات رمادية – القدس العربي
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.