جاري التحميل الآن

سرديات "قضية نيّرة أشرف".. الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق – diffah.alaraby.co.uk

سرديات "قضية نيّرة أشرف".. الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق – diffah.alaraby.co.uk

🦋سرديات "قضية نيّرة أشرف".. الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق – diffah.alaraby.co.uk
#سرديات #quotقضية #نيرة #أشرفquot #الحب #والعنف #لا #يلتقيان #بالمطلق #diffahalarabycouk #منتوف #MANTOWF

[elementor-template id=”7268″]

 

إننا لا ننتحر بسبب الحب من أجل امرأة، بل ننتحر لأنّ الحبّ يكشفُ عُريَنا وبؤسَنا ويُظهرنا عُزّلًا أمام العالم!

(تشيزاري بافيزي، شاعر إيطالي- 1950)

 

شرقًا وغربًا تحدث الجرائم كل يوم في الشعوب المتحضرة والبدائية. بعضها تقصه علينا الفضائيات المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعضها لم يُقص. وعندما نفحص تلك الجرائم نجد الكثير من أسبابها بسيطًا يصل إلى حد السخف والسذاجة في كثير من الأحيان. لكن المتأمل للكثير منها، سيرى كما لو أن قوى خارجية غير مفهومة تراود الفاعل لارتكاب الجريمة، والخروج عن المألوف والاعتيادي في المجتمع، بشكل يكاد يكون فيه التخيل عاملًا أساسيًا في التنفيذ، تحت وطأة التشبه بشخصيات أسطورية أو تاريخية أو وهمية فيلمية؛ وهؤلاء هم (مرضى تفكك الهوية الشخصية) عندما يقومون بإخفاء الصور الداخلية المفككة والمضطربة والعاجزة الخاصة في ذاتهم الحقيقية، ويُظهرون بدلًا منها مظهرًا خارجيًا عامًا. وهذا من المؤكد بأنه اضطراب في الشخصية التي تنطوي على سلوك مزدوج. فيميلون في حياتهم إلى تخيل الوهم والسراب على أنه حقيقة. وهذا المستوى من القناعة يسيطر على الفاعل بشكل مُلح، ليبقيه متماسكًا وقويًا بنظر الآخرين. والحقيقة هي ليست كذلك.

ومثالنا المؤلم فعلًا هو ما حدث في محافظة الدقهلية المصرية- جامعة المنصورة – أمام بوابة توشكي- من جريمة بشعة (يوم 20  يونيو/ حزيران 2022) راحت ضحيتها طالبة جامعية شابة هي نيّرة أشرف عبد القادر- 21 سنة، عندما قام بطعنها وذبحها بشكل علني، طالب (متفوق دراسيًا) وزميلها في الجامعة هو محمد عادل والذي يبدو أنه ترجم حبّه لها بشكل خرج عن نطاق العادي من العلاقات الإنسانية، إلى الذبح المباشر بالسكّين أمام الناس؛ في مشهد فيلمي مقزز نعدّه نادرًا على مستوى الواقع، ومتجاوزًا لكل القيم العرفية والدينية والأخلاقية والسلوكية والأدبية. فخرج هذا الشاب العاشق من ثوبه الشخصي إلى ثوب عريض فيه من الغموض الشيء الكثير. خرج من فردانيته (وهو ما سنأتي عليه) إلى سلوك لا يتفق قليلًا أو كثيرًا مع قيم ثقافة المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه ويعيشه في تلك الفعلة الدموية الشاذة، حتى لو كانت بدعوى الحب الجارف والغيرة المريضة والأنانية العاطفية المفرطة. فالامتثال إلى مثل هذه العاطفة غير السوية والاستثنائية والانسياق وراءها، تزيد من ظلام العقل، وتفتح فيه طبقاتٍ من الشرور لا آخِر لها، ومن ثم تؤدي إلى الخروج عن ثوابت الجماعة المتوارثة بهذا الاختراق العلني المستفز. وما حدث من جُرم سافر يشير إلى أن هذا العماء الشخصي هو إفراز لعلاقة عاطفية غير متكاملة الأركان، أباحت السماح (من طرف واحد) لكل شيء سيء وشرير وخطير فيها. وهو ما كان عليه الطالب محمد عادل، عندما أغلق نوافذ العقل كلها، ولم يسمح بكوّةٍ صغيرة من أن تجعله يعيد حساباته الشخصية مع الفتاة التي رفضت العلاقة العاطفية معه، بإصرار فتاة يافعة لم تجد في هذا الكائن ملمحًا مشرقًا، يؤدي بها وبه إلى أفق أكثر بياضًا وسلامًا. وبالتالي كشف هذا المراهق اضطرابه وسلوكه الفردي في هوس الحب من طرف واحد. وهو ما يعني تفكك هويته الشخصية إلى هويات شبحية صغرى فأصغر إلى حد التلاشي.

هذا في ما يتعلق بوضع الطالب النفسي والسلوكي والاجتماعي، أما في ما يتعلق بزميلته الضحية المغدورة، فسيأتي ضمن السياق العام لقراءة هذه الجريمة التي شابَها نوعٌ من التأويل وصل إلى حد التعقيد، مع يقيننا الثابت بأن أركان الجريمة متكاملة ولا شائبة أو مناورة فيها، وما حدث قد خرج عن نطاق الأخلاق الاجتماعية ومسارها المفهوم.

نيّرة أشرف عبد القادر كانت تختلف عن القاتل كليًا، فهي لا تعاني من العزلة، ولا اليتم، ولا الحصار البيتي الذي نعرفه!  

الكذب في الحب

الانشطار في شخصية الطالب هو أحد أسباب انعزاله وانطوائه عن العالم الخارجي المحيط به عن قُرب. أي أن العقدة المرضية نشأت في هذا العمر تحديدًا عندما واجه العالَم الجميل في الجامعة، بكل ما فيه من إغراءات وجماليات وتحولات وسلوكيات جديدة. ومن هذا استوجب عليه أن يكون متوازنًا في هذا المرأى الآخر الذي لم يعهده. ويبرمج ثقته بنفسه بقليل من الشعور بالتوتر والقلق، ويخرج من عزلته وانطوائيته، بدلًا من الرهبة المتوقعة من الاختلاط لا سيما مع الجنس الآخر. وعلى وفق هذا الرؤية وجد نفسه في بحر كبير يطوف فيه مجتمع مختلط ومتناقض مع أنه مجتمع مصري 100% غير أنه كان مهددًا بتلك العزلة الطفولية، التي يرجحها ويسببها مختصون نفسيون بأسباب اجتماعية، أبرزها انفصال الوالدين بالدرجة الأساسية وما يستتبع ذلك من تشتيت لذهنية الطفل، وشعوره بالحاجة إلى موَجّه رئيسي غير الأم؛ فالأم في مجتمعاتنا الشرقية ثانوية، في وجود الأب وفي غيابه أيضًا. لذلك نجد الانطوائي والمعزول طوعًا عن المجتمع من أكثر الناس حساسية تجاه الآخرين، بسبب عدم ثقته الكافية بنفسه. وميله إلى تضخيم ردود فعل الآخرين. لهذا تجده مستفزًا وخائفًا. ويكون ميله إلى الجنس الآخر أكثر من ميله إلى بني جنسه. ففي الجنس الأنثوي السلام والحنان- المرأة (الأم) المجسدة بأشكال النساء والفتيات. لنصل إلى أن “المجتمع” المخيف هو مجتمع ذكوري أساسًا. وفقدان الأب هو فقدان ركيزة مهمة في حياة الشباب، بل فقدان الحماية الكبيرة التي يرجوها كل مراهق وشاب. فارتمى من دون أسلحة في دائرة غرام كانت أكبر من مقاسه الشخصي، لا ليعيشه كما ثبت ذلك، بل أراده درعًا واقيًا له من مجتمع حادّ الطباع، ليكون أقل عيشًا في ذلك الحب، وأقل مما نتصوره من اندفاع مجنون أدى إلى ذبح فتاة صغيرة. ولنقل وَهمهُ الشخصي الذي بنى عليه خطة غبية تشفُّ عن جهل مطبق في اقتفاء أثر العلاقات الطبيعية وديمومتها. فانحاز إلى ظلام عقله في نهاية الأمر، لا بسبب أن البنت رفضته- كنتيجة- بعلاقة حب، إنما لأنه لا يمكن أن يُحب ويعشق في ظروفه الخائفة والقلقة والمترددة، بأن يكون إنسانًا سويًا؛ فكذب على نفسه قبل أن يكذب على زميلته، كما لو يجسّد مقولة نيتشه: إنك بحاجة إلى الكذب.

لكن محمد العاشق لم يكن فيلسوفًا ليفهم أن الكذب في أوقاته المطلوبة ارتقاء نفسي وإزاحة عبء ثقيل. وهو مداعبة مطلوبة في أزمات اجتماعية، ليس أولها وآخرها الحب. وبالتالي فإنه لم يكن ليصل إلى حالة التأمل التي يحتاجها لترتيب مزاجه النفسي، ودراسة واقع حاله الشخصي. ولم يكن يعرف أنه جزء من رومانسية شعبية يعيشها الجميع معه، غير أن غيره آثر الرجوع إلى الواقع، بينما هو ظل محلقًا في طلب الأمل الأنثوي ليحميه من قسوة المجتمع (كما فعلت أمه معه طيلة عشرين عامًا) ووجد ذلك الأمل كما يتصور بزميلته الراقية نيّرة، التي بدت أكثر فهمًا منه لواقعها وهي تتقصى واقع الحال المشترك، لتصل إلى نتيجة مفيدة أن عليها أن تحقق طموحها العملي والمهني، وأن لا يكون زميلها محمد حجر عثرة في مشوارها الحياتي الطويل. وهذا ما فعلته عندما قمعت في داخله وَهْم الحب الكبير. وآثرت أن تظل زميلته الهامشية وليس أكثر من هذا. أي أنها أغلقت؛ متأخرة بعض الشيء؛ الممر الداخلي فيه للوصول إليها. لكنه ظنّ بأن الممر المغلق ليس بهذا الشكل، إنما هو ممر مفتوح إلى قلبه وروحه. فالغلق هو الفتح في رؤية واهم العشق. والحب أعمى، كما يُنسب إلى أفلاطون. وهذا مشكل أساسي في فهم العلاقة الثنائية القائمة على عدم الإرادة لفهم الآخر ونوازعه. فالوهم عندما تفتّح وتناسل فيه، بعد أن وجد الكثير من الجسور إليها قطعتها نيّرة بقسوة، وهي جسور التواصل اليومية في المواقع الاجتماعية والهاتف، حتى لا يستمر الوهم طويلًا ويعرقل مشوارها الدراسي والحياتي. فالشاب تحول من عاشق صغير، إلى فهلوي وبلطجي مؤذٍ عندما أخذ يشهّر بها في مواقع السوشيال ميديا. ينشر صورها الكثيرة، ويكتب عنها كلامًا بذيئًا. ويعمل لنفسه مواقع وهمية ليكرّس قيمة الوهم في داخله..

ومن هنا اتضح تفككه النفسي..

ومن هنا بدأت الجريمة..

ومن هنا بدأ الإعداد لها..!

 

يوسف عبدلكي 

 


الوقوع في وهم الحب

سنجد أن داخل هذا الشاب حزمة عصبية متوترة غير ظاهرة تقريبًا. كما لو أن هناك وجود قرين فيه، يحفزه على سلوكيات صادمة وسريعة. ولا نعرف إن كانت الفتاة قد انتبهت اليها أم لا. لكن من الطبيعي أن تلفتها موهبته الدراسية، لكنها لم تعللها. بل لم يكن في مقدورها أو اهتمامها أن تجد أسباب التفوق الدراسي عنده. وحتى ميله إلى الانطوائية التي كان عليها وخوفه من المجتمع، لم تكن تنتبه إليه أو تعيره الاهتمام الكافي (تلك التي أضافت له قدرة داخلية على أن يميل ميلًا كبيرًا وأخيرًا إلى دروسه ودراسته، لتعويض النقص الاجتماعي الفادح فيه) وبقي الحب الذي يغمره. ونحن نسميه الوقوع في وهم الحب، معزولًا عن وظائفه الفكرية المتعددة؛ ليس أقلها التخيل والتفكير والإدراك. لنجد معطيات مختلفة في هذه القصة. أبرزها أنه افتقد العالم الخارجي بالرغم من أنه كان فيه. ولم تكن زميلته قادرة على انتشاله من عزلته النفسية؛ فهي شابة وبذات العمر. وقد يكون إدراكها محدودًا في كيفية استيعاب الوهم الذي يمثله زميلها، أو الانتباه إلى ما يشبه القرين العكسي، وبالتالي كيف تفتح أمامه جملة معطيات حقيقية بأن لا يندفع في الوهم أكثر من اللازم. ويبدو أنها كانت تحاول على مدار سنتين دراسيتين أن تفعل ذلك، لكن حيلتها محدودة على الأكثر. وتجربتها الحياتية غير فاعلة كليًا في استيعاب هذا النوع من العلاقات. وربما عدّت الوهم الذي يعيشه زميلها يمكن أن ينتهي عندما تكرر صدّها ونفورها له. ويعدل عن ملاحقتها بالطريقة المُلحّة التي تقترب من الافتعال في كثير من الأحيان، في مغناطيسية مُسرنمة ومخدرة، تشير إلى اختلال كبير في الوظيفة الدماغية لديه، ونقص في الطاقة الذهنية التي تشي باعتلال واضح عنده. وسنجد ذلك في إشارة عالم النفس بابلو شيلدر الذي رأى وجود قرابة وثيقة بين التنويم المغناطيسي والحب. وربما من هذه الصورة نقترب قليلًا أو كثيرًا إلى شخصيته الغامضة، المنعزلة، الخائفة والمتهيبة من المجتمع. مع أن الأجواء الجامعية قد فتحت له بشكل مباشر وصاعق أيضًا حياة أخرى، من الحرية والعلاقات والانفتاح الثقافي والمجتمعي. فخرج من عزلته نسبيًا (وهو الخائف من المجتمع) فاصطدم بنقيضه تمامًا: نيّرة.. الأكثر صلة منه بالمجتمع.


كمين القلب المزدوج

يلزم علينا القول هنا بأن نيّرة كانت تختلف عنه كليًا، فهي لا تعاني من العزلة، ولا اليتم، ولا الحصار البيتي الذي نعرفه. مما أكسبها شجاعة فردية في مواجهة المجتمع. وزرع الكثير من الثقة في نفسها. فكانت معه صريحة وواضحة من أنها تعدّه زميلًا لها ولا أكثر من هذا. وبقراءة واعية لسلوكية الفتاة ومنهجها اليومي، سنجد هناك بعضًا من الخلل في تركيبتها الشخصية. وفي النسق العام لها نميل إلى أن البنت كانت تنطوي على الكثير من الغرور، بسبب صغر سنها؛ إذ لا تجربة حياتية لديها؛ وكونها عاملة في مجال آخر(الموديل) بما يعني احتكاكها بوسط مهني غير دراسي، ثم إن حلاوتها البيّنة، تجعل منها مرصودة من قبل الرجال والشباب. وهذه مفاتيح أساسية لنمو وتضخم غرور شخصي، عندما تشعر البنت بأنها (مطلوبة) من الآخرين، ونعتقد بشكل لا لبس فيه أن محمد العاشق كان يعي ذلك. لذا كانت المواجهات بينهما متناقضة. ولّدت فيه الكثير من العُقد النفسية. أهمها بأن إحساسًا أخذ يعتمل في داخله أنه (غير مرغوب فيه) اجتماعيًا. هذا الإحساس الذي جسدته نيّرة فيه (من دون أن تعي ذلك) كبر في داخله مع الوقت. فكلما ازداد حبًا لها ازدادت بُعدًا عنه، وتركت بينهما مسافة طويلة وعريضة. والإحساس بالوحدة والعزلة اللتين يعاني منهما الشاب، أكدته الشابة نيّرة من دون أن تدري بطبيعة حاله وأحواله الاجتماعية التفصيلية، القائمة على العزلة واليُتم والحاجة والفاقة. فعقلها (لا قلبها) منصرف إلى دراستها، وإلى حياتها وتنظر إلى المستقبل بارتياح كبير. فيما كان محمد يرى أن نيرة هي الوحيدة القادرة على انتشاله من عزلته وخوفه الاجتماعي. وهنا وقع الشاب في كمين قلبه، وهو كمين مزدوج وصعب، بشعوره أن رفض الفتاة له، هو رفض (اجتماعي)، مما زاد في عُقده الشخصية. وكان لا بد أن يثبت لها/ وللمجتمع بشكل مباشر/ بأنه رجل وأن لا أحد يمكنه أن يرفضه مهما كانت الأسباب المباشرة وغير المباشرة. وهذا بحد ذاته شكل عنده تحديًا نفسيًا بأن (يلفت) أنظار المجتمع إليه. ليخرج من عزلته وخوفه الدائم حتى لو كان ذلك بطريقة غير مألوفة. فالرجال يميلون إلى القسوة واللامألوف أكثر من النساء كما يقال. وإن العقل المغلق له أخذ يتصاغر أمام وهمه العاطفي مع الرفض المتكرر من قبل زميلته. فتحول الوهم الساذج إلى مشكلة نفسية له. كبرت مع الوقت ورسمت مخيلته الضعيفة سيناريوهات انتقامية متعددة، بدأها بمعاكستها (إعلاميًا) والتشهير بها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ورسم خططًا كثيرة في تخويفها بغرض استمالتها؛ فهو يرى أنه (دفع نفسه) كليًا إليها ولم يبقَ عنده شيء آخر يحارب به.. حبًا. 

محمد عادل القاتل لم يكن عاشقًا ومُحبًا، فقد مات عندما خرج من ذاته الشخصية متوحشًا 


اختار الفتاة الخطأ

تقديراتنا الشخصية؛ ربما تكون دقيقة أو لا تكون؛ تقضي بأن هذا الشاب، مختل الشخصية، لم يكن (يحب) نيّرة ويعشقها، كما أراد البعض الترويج لهذا. وكان هو أكبر المروجين لهذه العلاقة من طرف واحد. وكان دفاعه الأول والأخير في النيابة العامة هو هذا؛ بقدر ما وجدها وسيلة عظيمة ومباشرة (لانتشاله) من وحدته وعزلته وانطوائه على نفسه. ولم تكن الفتاة قادرة على تحليل هذا الوضع المتشابك والمشتبك الذي كان يعيشه، وبالتالي حدثت المفارقة النفسية بينهما: حب جارف ونفور جارف. مع أنهما كانا ضمن محيط اجتماعي واحد، متشابه في السلوكيات والثقافة المحلية، إلا أن النوازع الثقافية والاجتماعية والسلوك الأخلاقي تنوعت بينهما. فالفتاة كانت تنظر إلى الحياة بتفاؤل وأريحية. ومحيطها البيتي متكامل إلى حد ما. أما هو فقد كان يعاني من نقص كثير في محيطه، وأهمه: فقدان الأب إضافة إلى الحاجات المادية الأخرى. وهذه الفوارق الخطيرة؛ بدأت تتجلى واضحةً أمامه؛ حين دخوله الجامعة، وحين انتظم في جو عام فيه المرح والشباب والعلاقات الجميلة كان لا بد أن (يتغير) من حيث المبدأ. وظن أن (الحب) وحده قادر على أن يرتقي به إلى درجة أعلى مما هو فيه. وهو ظن في محله أكيد. لكنه اختار الفتاة الخطأ تمامًا. وتوهم بالحب كثيرًا، حتى بدأت المطاردة (غير الواعية للنتائج) بطريقة فيلمية، لم يكن يعيها بالضبط. فقد اختصر الحياة كلها بوجود زميلته. في حين بدت الزميلة ترفض مثل هذه العلاقة، بل وجدت في محمد عثرة كبيرة في حياتها. وهي تدرس وتعمل في الموديل في آن واحد، وأن ملاحقته المستمرة لها وضعتها في خانق حاولت التخلص منه بأكثر من طريقة.


و”من الحب ما قتل”!

سنجد بشكل صريح أن الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق؛ وأنه وسيلة من وسائل القهر والضعف والجبن والخذلان.

وما عرضناه هو قراءات شخصية لم تخرج عن مجتمع الواقعة المؤلمة، متضمنة آراء تتوحد في قراءة وإدانة مشهد الذبح العلني الذي قام به القاتل لزميلته. فالعنف (العاطفي) الإرهابي يحيل إلى تشظية الشخصية العاطفية وموتها قبل أن تموت، أو تمارس فعل القتل. وبالتالي فإن محمدًا القاتل لم يكن عاشقًا ومُحبًا، فقد مات عندما خرج من ذاته الشخصية متوحشًا وعاد اليها راصدًا ومتربصًا ومهزومًا، وبالتالي ذبّاحًا مجرمًا. وكأنما أراد أن يقتل المجتمع الذي كان فيه وينتصر لخيباته الاجتماعية الكثيرة، عبر زميلته طالبة المنصورة الضحية لهذا الهوس المَرَضي المجنون، الذي سيؤدي به إلى حكم الإعدام؛ وهو على ما يبدو أقل ما يمكن للمحكمة المختصة أن تصدره بحقه.

هوامش وإحالات:

دراسات في الحب – خوسيه أورتغا إي غاسيت – ترجمة علي إبراهيم أشقر، الهيئة العامة السورية للكتاب- 2013

الخيال من الكهف إلى الواقع الافتراضي – د. شاكر عبد الحميد – عالم المعرفة – الكويت – 2009

الحب والحرية والفردانية – أوشو- ت: متيم الضائع – دار الحوار للنشر والتوزيع – 2013 – سورية – اللاذقية

الفلاسفة والحب – ماري لومونييه وأود لانسولان- ت: دينا مندور- دار التنوير- ط2 – بيروت  2019

موقع إسلام ويب – د. عبد العزيز أحمد عمر- 31- 5- 2015  

موقع منتوف – 17 مارس/ آذار  2021

موقع الجزيرة. 22/ 5/2014

ويكيبيديا – الموسوعة الحرة

مواقع تواصل اجتماعي متعددة. صحف مصرية يومية. صفحات فيسبوكية مختلفة. يوتيوبات شخصية. فضائيات مصرية محلية ورسمية. شهود من طرفي الجريمة. لقاءات كثيرة مع ذوي القتيلة وذوي القاتل وأصحابهم وجيرانهم ومعارفهم.

 


سرديات "قضية نيّرة أشرف".. الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق – diffah.alaraby.co.uk
أقراء أيضا

افضل 40 تطبيق أندرويد مجانا بأداء خرافي
[elementor-template id=”7272″]
المصدر : منتوف ومواقع انترنت 👇سرديات "قضية نيّرة أشرف".. الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق – diffah.alaraby.co.uk

سرديات "قضية نيّرة أشرف".. الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق – diffah.alaraby.co.uk

سرديات "قضية نيّرة أشرف".. الحب والعنف لا يلتقيان بالمطلق – diffah.alaraby.co.uk

قد تهمك هذه المقالات