مع نهاية الحرب العالمية الأولى، سجلت بولندا ظهورها مجدداً كدولة ذات سيادة على خارطة أوروبا بعد مضي أكثر من 120 عاماً على تقاسمها بين النمساويين والبروسيين والروس. ومع اعتراف القوى المنتصرة بالحرب العالمية الأولى رسمياً باستقلال بولندا، اقتطعت الأخيرة، حسب بنود معاهدة فرساي، أجزاء من مناطق بروسيا الغربية وسيليزيا (Silesia) التي كانت في السابق ملكاً للإمبراطورية الألمانية، وضمتها لسيادتها.
صورة للمارشال والبطل القومي البولندي يوزف بيوسودسكي
وبسبب بنود معاهدة فرساي التي خسرت بموجبها ألمانيا جانباً من أراضيها، شهدت العلاقات الدبلوماسية الألمانية البولندية اضطراباً طيلة فترة العشرينيات. ولمواجهة احتمال غزوها من طرف الألمان، لم تتردد بولندا عام 1921 في إبرام تحالف عسكري مع فرنسا مساهمةً بذلك في زيادة عزلة ألمانيا ما بعد الحرب على الساحة الأوروبية.
ومع صعود أدولف هتلر وحصوله على منصب المستشار يوم 30 يناير 1933، تخوّف البولنديون من إمكانية اندلاع حرب مستقبلية مع ألمانيا حول مسألة الحدود خاصة مع ترويج النازيين على مدار سنين، عبر آلتهم الدعائية، لفكرة إنهاء العمل بمعاهدة فرساي واستعادة الأراضي التي يسكنها الألمان والتي اقتُطعت من ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى.
صورة ليوزف بيوسودسكي رفقة عدد من مساعديه
وأمام هذا الوضع، اتجهت بولندا بزعامة المارشال والبطل القومي يوزف بيوسودسكي (Józef Piłsudski) لحث الفرنسيين على شن حملة عسكرية استباقية ضد ألمانيا مؤكدةً على وجود خروقات ألمانية لمعاهدة فرساي. فبناءً على ما أكده البولنديون، عمدت ألمانيا لإعادة تسليح نفسها بشكل بطيء وبطرق ملتوية منتهكةً بذلك أحد أهم بنود معاهدة فرساي. كما حذّر بيوسودسكي من خطورة وصول النازيين للسلطة وإمكانية اتخاذهم لمنهج جديد قد يزعزع أمن أوروبا مستقبلاً.
إلى ذلك، ينفي عدد من المؤرخين الفرنسيين حصول بلادهم على مقترح بولندي رسمي حول حرب استباقية ضد ألمانيا. وفي المقابل، يؤكد هؤلاء المؤرخون على قيام السفارة البولندية بباريس بالترويج لهذه الإشاعة بهدف الضغط على النازيين لإجبارهم على إبرام معاهدة عدم اعتداء مع بولندا.
من ناحية ثانية، استاء البولنديون من عدم اكتراث الفرنسيين بعمليات إعادة التسلح الألمانية وخرقها لبنود معاهدة فرساي. فضلاً عن ذلك، اتبعت فرنسا بداية من العام 1929 نهجاً دفاعياً للتعامل مع أي تهديد ألماني مستقبلي فعمدت لإنشاء خطوط دفاعية على طول حدودها مع كل من ألمانيا وسويسرا ولكسمبورغ وإيطاليا، عرفت بخط ماجينو (Maginot).
صورة لوفد ألماني بقيادة وزير الدعاية غوبلز رفقة مسؤولين بولنديين سنة 1934
وأمام هذا الوضع، لجأت بولندا يوم 26 يناير 1934 لتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا لتجنب اندلاع حرب بين الطرفين. وحسب بنود هذه المعاهدة، تعهّدت كل من بولندا وألمانيا بالحفاظ على السلام بين الطرفين طيلة العشر سنوات القادمة وحلّ جميع الخلافات بينهما بطرق سلمية. وبينما رحّب النازيون بهذه الاتفاقية التي أثنوا على دورها في إنهاء الحرب التجارية بين بولندا وألمانيا، استاء الشعب الألماني من سياسة الحزب النازي واعتبروا الأمر تنكراً للوعود السابقة التي قدّمها أدولف هتلر باستعادة الأراضي التي اقتطعت من ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى.
أيضاً، تخوّفت بولندا من إمكانية اندلاع حرب مستقبلية ضد الإتحاد السوفيتي. ولهذا السبب، لم يتردد البولنديون في توقيع اتفاقية عدم اعتداء أخرى مع جوزيف ستالين أملاً في الحفاظ على استقلال بلادهم والنأي بها عن أي خلاف مستقبلي قد يهز القارة الأوروبية.
صورة للقائد السوفيتي جوزيف ستالين
ولم تصمد هذه الاتفاقيات طويلاً. فخلال شهر أغسطس 1939، وقّع الألمان والسوفيت اتفاقية عدم اعتداء بينهما بالعاصمة موسكو. وبموجب هذه المعاهدة، اتفق النازيون والسوفيت على تقاسم أراضي بولندا خلال الأسابيع التالية.
ويوم 1 سبتمبر 1939، انهارت اتفاقية عدم الاعتداء الألمانية البولندية حيث نكث أدولف هتلر بعهده وأطلق العنان لعملية غزو الأراضي البولندية. ويوم 17 من نفس الشهر، انهارت الاتفاقية التي وقعها البولنديون مع الإتحاد السوفيتي تزامناً مع بداية تدخل الجيش السوفيتي بالقسم الشرقي من البلاد.
صورة لجنود ألمان وسوفيت أثناء تبادلهم للتحية عقب غزو بولندا
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.