“سحر جوس” هكذا رد أندريه أرشافين نجم المنتخب الروسي السابق، على سؤال حول التأهل الدراماتيكي لمنتخب بلاده إلى يورو 2008.

ما قاله أرشافين عن جوس هيدينك مدرب منتخب روسيا آنذاك ما هو إلا مشهد واحد من فيلم سينمائي مليئ بالنجاحات والإنجازات للمدرب الهولندي خاصة في بطولات كأس العالم.

هيدينك خاض 3 نسخ لكأس العالم مع 3 منتخبات من 3 قارات مختلفة، وبمستويات مبهرة ليثبت أن السحر الذي قدمه كان حلالا.

بيت دي فيسر مستشار رومان أبراموفيتش مالك تشيلسي السابق الذي أوصاه بالتعاقد مع هيدينك قال عنه: “نعم إنه ساحر ولكنه يعمل كل يوم من أجل فريقه. هيدينك لا يفرض النظام وطريقة اللعب مسبقا ولكنه ينظر إلى اللاعبين ، ويتعرف على أفضل نقاط قوتهم ثم يقرر ما سيقوم به”.

الكرة الشاملة

ظهر جوس هيدينك للمرة الأولى بكأس العالم، مع منتخب هولندا في نسخة مونديال فرنسا 1998، إذ قاد منتخب بلاده وسط مجموعة مميزة من اللاعبين.

هيدينك قدم مستويات رائعة مع هولندا في كأس العالم 1998 واعتمد على الثنائي الهجومي الناجح، باتريك كلويفرت ودينيس بيركامب ووفر لهما المرونة التكتيكية طوال مباريات البطولة.

إدجار ديفيدز كان كاسحة الألغام وخلفه الجدار الدفاعي المكون من ياب ستام وفرانك دي بوير والحارس إدوين فان دير سار.

قدمت هولندا نسخة تاريخية بعدما تأهلت في مجموعة ضمت بلجيكا والمكسيك وكوريا الجنوبية.

وأطاحت في ثمن النهائي بمنتخب يوغوسلافيا بهدف دافيدز القاتل قبل أن تقسو على الأرجنتين في ربع النهائي بفضل العبقري دينيس بيركامب.

هولندا اصطدمت بالبرازيل في نصف نهائي البطولة ووصلت المباراة إلى ركلات الترجيح، وهنا خسرت الطواحين بطاقة المباراة النهائية.

وفقدت هولندا الشغف حين لعبت أمام كرواتيا في مباراة تحديد المركز الثالث، لتنهي مشوارها بعدما قدمت الأداء الأمتع لها في منافسات المونديال.

وقال هيدينك عقب البطولة “كنا على بعد خطوة واحدة من النهائي، ما حدث كان عارا حقيقيا. لعبنا بطريقتنا الممتعة و بشكل عام قدمنا كأس عالم جيدة. لقد أبلينا بلاء حسنا في أعين العالم”.

البطل القومي

استضافت كوريا الجنوبية بالتعاون مع اليابان منافسات كأس العالم 2002، إذ بحث التنين الكوري عن الظهور بشكل جيد وتحسين تصنيفه على المستوى العالمي.

منتخب كوريا الجنوبية الذي لم يحقق أي انتصار في منافسات كأس العالم قبل نسخة 2002 لم يجد أفضل من “الساحر” جوس هيدينك لقيادة الفريق.

سحر هيدينك حول أمة تشارك في استضافة كأس العالم 2002 أقصى طموحها تخطى دور المجموعات إلى الحصول على المركز الرابع. كيف حدث ذلك؟

أقام هيدينك معسكرا تحضيريا في إسبانيا ووجد أن الخجل يسيطر على لاعبي منتخب كوريا الجنوبية، إذ لا يتحدث اللاعبون صغار السن مع اللاعبين الأكبر سنا وتسود الانطوائية أجواء الفريق.

هيدينك أدرك أنه أمام نموذج لا يمكنه تقديم الكرة الشاملة التي اعتادها ولكنه لاحظ أنهم أقوياء وهنا مارس سحره المعتاد وعمل على رفع معدلات اللياقة البدنية للفريق وكثف مجهوداته على العامل النفسي وابتكر نهجه وفقا لقدرات اللاعبين المتاحين.

قدمت كوريا الجنوبية نسخة تاريخية واستطاعت تخطي المجموعة التي ضمت بولندا وأمريكا والبرتغال.

اصطدمت كوريا بالعملاق الإيطالي في ثمن النهائي رغم الحديث عن المجاملة التحكيمية الفجة من باريون مورينو حكم المباراة.

مورينو منح أصحاب الأرض ركلة جزاء مشكوك في صحتها، وحرم إيطاليا من ركلة جزاء وأشهر البطاقة الصفراء الثانية في وجه فرانشيسكو توتي بداعي التحايل، قبل أن يقضي آن يونج هوان على آمال الطليان بهدف ذهبي.

مرة أخرى وجدت كوريا الجنوبية نفسها أمام عملاق أوروبي جديد وهو المنتخب الإسباني في ربع نهائي كأس العالم.

ركلات الترجيح منحت كوريا الجنوبية بطاقة التأهل لنصف النهائي لكن المباراة التي أدارها جمال الغندور لم تمر مرور الكرام بعدما ألغي هدفين للماتادور، الحكم المصري أوضح بعد ذلك أن المسؤولية يتحملها الحكم المساعد وأن أدائه كان جيدا للغاية.

هيدينك وجد نفسه أمام سيناريو جديد بعد إخفاقه في نصف نهائي مونديال فرنسا إذ واجه ألمانيا في نصف نهائي 2022، وبالفعل خسر بهدف دون رد وسط حضور آلاف الكوريين.

وحرمت تركيا المنتخب الكوري الجنوبي من الصعود لمنصات التتويج وخطفت المركز الثالث، لكن جوس هيدينك تحول إلى بطل قومي في كوريا الجنوبية.

الاتحاد الكوري الجنوبي غير اسم ملعب جوانججو كأس العالم إلى ملعب جوس هيدينك. كما حصل على الجنسية الكورية الجنوبية الفخرية، وهو أمر لم يحدث في الماضي لأي شخص أجنبي.

“هذا شرف عظيم بالنسبة لي. أكن احتراما عميقا للشعب الكوري. ما حققه الفريق في كأس العالم كان له تأثير كبير على البلد بأكمله“.

جوس هيدينك بعد حصوله على الجنسية الفخرية.

طبيب نفسي

بات لقب “الساحر” ملازما لـ جوس هيدينك أينما ارتحل خاصة مع نجاحاته المتتالية مع الأندية التي دربها وليس فقط مع المنتخبات.

هذه المرة وجد المدرب الهولندي نفسه أمام مهمة تأهل أستراليا إلى كأس العالم بعد غياب 32 عاما.

كالعادة هيدينك لا يعرف سوى النجاح، أستراليا حجزت مقعدها في كأس العالم 2006 بألمانيا عقب تخطي عقبة أوروجواي خامس ترتيب أمريكا الجنوبية في مباراة حاسمة بينهما.

شاركت أستراليا بعد غياب وتأهلت رفقة البرازيل إلى ثمن النهائي بعد تخطي المجموعة التي ضمت اليابان وكرواتيا أيضا.

“الساحر” شرب من الكأس الذي أذاقه لـ إيطاليا في مونديال 2002 وخسر في ربع نهائي كأس العالم 2006 في الرمق الأخير من ركلة جزاء حصل عليها فابيو جروسو وترجمها فرانشيسكو توتي الذي كان ضحية في 2002 إلى هدف التأهل لربع النهائي ومن ثم استكمال المشوار حتى الفوز على فرنسا بركلات الترجيح في المباراة النهائية الشهيرة.

“كانت أستراليا قوية بدنيا وجيدة من الناحية الذهنية، لذلك عمل جوس على الجانب الذهني. لم يستخدم طبيبا نفسيا ولكنه فعل ذلك بنفسه” هكذا تحدث جراهام أرنولد مساعد جوس هيدينك عقب نهاية البطولة.

مونديال 2006 شهد آخر مشاركات جوس هيدينك في كأس العالم ولكنه سيظل أيقونة تاريخية في أذهان عشاق كرة القدم بفضل ما قدمه خلال 3 نسخ لكأس العالم.

كرة قدم حتى الموت

هيدينك بعيدا عن نجاحاته في كأس العالم قاد منتخب روسيا لتأهل تاريخي إلى يورو 2008 وتولي تدريب أندية عملاقة على غرار أيندهوفن وريال مدريد وفنربخشة وفالنسيا والمنتخب التركي وتشيلسي وحقق 13 لقبا في مسيرته.

“بي إن سبورتس” أشارت إلى أن أستراليا قررت الاستعانة بخدمات المدرب المتقاعد صاحب الـ75 عاما في خطة استعدادته لخوض منافسات كأس العالم 2022.

جراهام أرنولد مساعد جوس هيدينك في كأس العالم 2006 هو المدير الفني الحالي لمنتخب أستراليا وسيعود للتعاون مع أستاذه من جديد بعد مرور 16 عاما.

وقال أرنولد عن قرار الاتحاد الأسترالي: “جوس راوي قصص رائع، لذلك لا أستطيع الانتظار لرؤية تأثيره على هذا الجيل الحالي من اللاعبين الأستراليين”.

وأضاف “يعرف العديد من أولادنا مآثره وإنجازاته على الصعيد الدولي لكنهم لم تتح لهم الفرصة أبدا لمقابلته”.

العجوز الهولندي بعد مسيرة تدريبية حافلة يبدو أنه لا يستطيع العيش بعيدا عن كرة القدم ويعتبرها الشيء الأهم في حياته.