الحوار مع العالم المصري الكبير الدكتور فاروق الباز له شجون فهو صاحب فكر مستنير وذو رؤى علمية متفردة ومصدر إلهام للباحثين والدارسين، وحين  يصل شأن الكون إلى هذا الحد من الخطر، وحين تصبح البشرية في قلب تلك المخاطر، والعالم مهدد بالفناء فإن الأمر جلل.. والقضية لا تحتمل الانتظار، ويصبح الحديث مع الدكتور فاروق الباز بمثابة البحث عن منجاة، والتنقيب عن أسباب ودلالات، وتلمس للجذور والمآلات.. كأنها نهاية العالم.. هكذا وصفت صحيفة ديلي ميل  قبل أسبوعين ما تشهده أوروبا ودول عدة من تطورات مناخية ما بين حرائق في الغابات ودمار جراء الفيضانات وجفاف في الأنهار والمتنزهات.. والخسائر تجاوزت المليارات.. ظواهر مناخية فريدة، وتطورات للطقس مخيفة، ويبقى العلم وحده صاحب الكلمة الفصل.. والمرجعية الأم التي تحمل إجابات للعديد من الأسئلة الحتمية التى فرضتها تطورات المناخ؟

موضوعات مقترحة

ربما تكون هذه القضية هي الأهم لكن هناك من القضايا الهامة الأخرى التى تفرض نفسها في حضرة العالم الكبير فاروق الباز وتمثل في مجملها وتطورها أهمية بالغة لمصر الحاضر والمستقبل، وفي مقدمتها قضية المياة في ضوء أزمة سد النهضة وملف التنمية الزراعية والأمن الغذائي وتأثيراتها المتوقعة في ظل تداعيات الأزمة العالمية التى خلفتها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ثم تاتي أيضًا قضية البحث العلمي والفضاء وتسخير ذلك لخدمة التنمية وما يرتبط بها في قضية التعليم، كما تأتي تطورات وسيناريوهات اختفاء الدلتا وما تردد عن غرق الإسكندرية ..

كل هذه القضايا كانت محور حوار لا تنقصه الصراحة مع العالم الكبير فاروق الباز في محاولة من “بوابة الأهرام ” لأن تجيب عن أسئلة المخاوف، وتساؤلات الهواجس في توقيت بالغ الأهمية ولحظة فارقة تستعد فيها مصر لاستضافة أكبر قمة عالمية يحضرها 32 رئيس دولة ونحو 5 آلاف شخصية دولية يبحثون مخاطر التغيرات المناخية التى تواجه العالم في شرم الشيخ في نوفمبر المقبل  COP 27.. فجاءت إجابات العالم الكبير بأدبه الجم وتواضعه غير المحدود ونبله المعهود تحمل من فيض علمه الغزير وفكره الوفير ما ينير طريق البشرية ويفتح أبواب الأمل نحو مستقبل آمن وكون مستقر.. على مدى أكثر من ساعتين وعبر زووم تحدث الباز من أمريكا؛ حيث عاش وتعلم  فأجاب عما يأتي:

العالم المصري الدكتور فاروق الباز.. كيف ترى مشاهد التغيرات المناخية التي تحدث في دول العالم الآن؟

أراها نتيجة طبيعية لما يحدث من تلوث للبيئة وللكوكب بسبب انبعاثات الغازات الملوثة التي يستخدمها الإنسان في وسائل النقل وآليات الزراعة والصناعة وغيرها فنتج عن هذا التلوث ظاهرة الاحتباس الحراري؛ حيث احتبست هذه الغازات الملوثة في الغلاف الجوي للأرض وتسببت في تغير المناخ بارتفاع درجة حرارة سطح الأرض عن الدرجة الطبيعية التي خلقها عليها الله وجعلها ملائمة لعيش جميع الكائنات الحية على الكوكب، وبالتالي عندما ارتفعت هذه الدرجة عن الطبيعي بدأ الجليد في الذوبان واشتعلت الحرائق في الغابات وتقلصت بعض البحيرات، وكذلك جفت أنهار كثيرة فضلًا عن فساد محاصيل زراعية ستؤثر بالحتمية على صناعات بتراجعها أو ربما اختفائها تمامًا.

تغير المناخ

وما تأثير هذه التغيرات على كوكب الأرض؟

كوكب الأرض يسير في دورانه حول الشمس غير مكترث بما يحدث على السطح، ولن تضره التغيرات المناخية أبدًا وإنما ستضر الكائنات الحية الموجودة على السطح وهي الإنسان والنبات والحيوان والكائنات البحرية فارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤثر على حياة الإنسان، أما الكوكب فلا يعنيه إن بَقِيَت عليه الكائنات الحية أم انقرضت”.

تغير المناخ

ما أقصى تأثير قد تحدثه التغيرات المناخية على كوكب الأرض؟

تدمير الكائنات الحية الموجودة على السطح، وهو ما حدث من قبل، كانت هناك كائنات تعيش على كوكب الأرض، وانقرضت كليةً وتمامًا – بفعل التغيرات المناخية – مثل الديناصورات، وحدث ذلك نتيجة أن كويكب تعرض للتكسير، وكتلة كبيرة منه اصطدمت بالأرض، فانبعثت في الغلاف الجوي للأرض أتربة ومياه، وغير ذلك من مخرجات، أخفت الشمس لمدة طويلة، فتعرضت الأرض للبرودة، والتجمد، ومات كل من عليها من كائنات حية، ولم يتأثر كوكب الأرض، أو يتغير، وما حدث هو أن تلك الحقبة انتهت، وبدأت بعدها بـ 60 مليون سنة حياة أخرى، وكائنات جديدة.

انقراض الكائنات الحية

إذن ما هو التأثير المتوقع على الأمن الغذائي؟

للأسف قد تختفي محاصيل بفعل تغير المناخ، حيث لن تستطيع التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، لأن الله سبحانه وتعالى حين خلق كوكب الأرض جعل له درجة حرارة معينة تستطيع جميع الكائنات الحية أن تتكيف معها وتستمر حياتها، وسوف يترتب على غياب بعض المحاصيل تغير، وربما اختفاء لبعض الصناعات وكل ذلك سيغير حياة الإنسان.

اثر تغير المناخ علي الامن الغذائي

هل تفاجأ العلماء بما يحدث الآن؟

لا، العلماء توقعوا حدوث ذلك منذ 30 عامًا، ونبّهوا إليه، ولكن للأسف لم يكترث إليهم الناس، ولا رؤساء الدول: “قَلَّ جدًا من يستمع إلى العلماء، وخاصةً عندما يقولون من المفترض ألا نفعل ذلك”!

تحذير العلماء من تغير المناخ

وبماذا تفسر هذا السلوك؟

عدم استماع للعلم، وللعلماء الذين قالوا إن التغيير في درجة حرارة الأرض سيؤثر على الزراعة، والإنتاج، والصناعة، وحياة الإنسان كليةً وتمامًا.

تحذير العلماء من تغير المناخ

ما أثر هذه التغيرات على الدول الإفريقية؟

الحقيقة نحن أقل تأثرًا، وسيقتصر تأثرنا على المنتجات التي نستوردها من الخارج فقط، أما أن يؤثر تغير المناخ على إفريقيا بنفس الدرجة التي تأثرت ولا تزال تتأثر بها دول أوروبا فهذا لن يحدث، لأن إفريقيا شهدت بالفعل تغيرات رهيبة في الماضي نتج عنها وجود الصحراء الغربية – الحالية – والتي كانت قبل تحولها لصحراء منطقة تعيش فيها الكائنات الحية، لكن بفعل التغيرات المناخية تحولت لصخور، ورمال، فأصبحت صحراء، وبالتالي لن تفعل بها التغيرات المناخية – الحالية – شيئًا أكثر من كونها صحراء “هيحصلها إيه تاني أكتر من كده”.

اثر تغير المناخ علي افريقيا

وما حقيقة تعرض الإسكندرية للغرق ؟

الحديث عن غرقها أعتبره تهويلًا من الوضع، لكني أشجع هذا التهويل، لأنه سيدفع المسئولين إلى التحرك من الآن نحو الاستعداد للتغيرات المتوقعة على المدينة، وما ينتظرها من تغيرات هو أن منسوب المياه سيرتفع وقد ارتفع بالفعل 10 سم، وهذا الارتفاع سيؤثر على شكل الشواطئ والمراسي والميناء وحياة الناس وحركة البيع والشراء.

اثر تغير المناخ بالاسكندرية

هل ستحتاج الشواطئ إلى الرفع؟

لن نستطيع رفع جميع الشواطئ، لكن مؤكد أننا بحاجة – من الآن -إلى دعمها، لأن الوضع ليس مجرد ارتفاع في منسوب المياه، وإنما عند ارتفاع هذا المنسوب، ومع وجود الهواء، تصطدم أمواج البحر بالشواطئ، مما يعرضها إلى النحر، ويؤدي إلى دخول المياه إلى المدن، ولذلك فإن الإسكندرية بحاجة إلى دعائم أسمنتية، أو مصدات تستقبل قوة دفع أمواج البحر بدلًا من الشواطئ .

اثر تغير المناخ بالاسكندرية

هل يعني ذلك أن الأدوار الأولى فقط من المنازل القريبة للشواطئ في الإسكندرية هي التي ستتأثر بالتغيرات المناخية؟

نعم، ممكن أن تتأثر الأدوار الأولى في بعض المنازل، حسب المنطقة الموجود فيها المنزل، لأن التغيرات ستحدث في مناطق معينة، وهي المناطق التي سيرتفع فيها منسوب المياه عن سطح البحر.

اثر تغير المناخ بالاسكندرية

هل سيشهد العالم تغيرات أبعد من التي تحدث حاليًا ؟

لا، لا يوجد أبعد من الوضع الحالي الذي تشهده أوروبا، حيث جفاف الأنهار، وتقلص البحيرات، وذوبان الجليد، وارتفاع منسوب المياه عن سطح البحر، واشتعال الحرائق في الغابات، وتأثر المحاصيل الزراعية، ومن ثَم تأثر الصناعات، وكل ذلك بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة لتغير المناخ: “هذه هي أقصى مشاهد قد يتسبب فيها تغير المناخ”، ولكن هل معنى ذلك أن يستمر الإنسان في تلويث البيئة وتصدير انبعاثات ضارة للغلاف الجوي! على العالم أن يتوقف فورًا عن هذه الممارسات وتعلن كل دولة خطتها السنوية للتقليل من استخدام الطاقة الملوثة للبيئة.

حرائق وجفاف بسبب تغير المناخ

وهل مصر في منأى عن هذه المشاهد المتصاعدة في أوروبا؟

ليست في منأى عنها، ولكن يمكننا القول أن هذه المشاهد تحدث بالفعل، ووارد أن تكون تأثيراتها أقل في أماكن مختلفة، كما يحدث الآن في صحراء شمال إفريقيا، ونحن من ضمنها.

تغير المناخ بصحراء شمال افريقيا

في حال استمرار الانبعاثات الملوثة للبيئة.. ما أكثر المناطق تأثرًا بالتغير المناخي في مصر؟

الشواطئ، وخاصةً المنطقة الممتدة في البحر المتوسط، مثل رشيد، والمنطقة الممتدة في البحر مثل رأس البر، وقد تعرضت بالفعل إلى تغيرات بعد أن ارتفع منسوب المياه، وغطى بعض المناطق فأدى إلى غرقها.

ارتفاع منسوب المياه بسبب تغير المناخ

ما هي رؤية حضرتك لمصر في ظل هذه التغيرات المناخية الجارية؟

نحن “الحمد لله” بخير، وشواطئنا ليست مهددة بخطر شديد، لكن رغم ذلك علينا أن نكون في مقدمة الدول التي تناشد بالحفاظ على البيئة، وعلى كل شبر في أرض مصر، لأنه شاهد على تاريخ الإنسان، وما ينبغي أن نفرط في هذا التاريخ الذي هو جزء من تاريخ العالم، وعلينا أن نُبقِي على تاريخ العالم.

مصر جزء من تاريخ العالم

حضرتك متابع جيد لقمة شرم الشيخ للمناخ، هل تتوقع لهذه القمة أن تصل لقرارات دولية حاسمة لمواجهة التغيرات المناخية والحد من الانبعاثات الملوثة للبيئة؟

هذه القمة ممتازة، وبلا شك ستخرج بقرارات حاسمة، لا يمكن أن تجتمع كل هذه الدول بدون فائدة، وأنا كـ “فاروق الباز” أنتظر من مصر أن تقول سأعتمد استخدام الطاقة الشمسية في كل مكان قدر المستطاع، ويجب على كل دول العالم أن تتوجه لهذه الطاقة من أجل حماية الإنسانية كلها.

استخدام الطاقة الشمسية بمصر

إذن.. ما رسائل حضرتك لهذه القمة؟

أن نكون أول دولة، وأكثر دولة تستخدم الطاقة الشمسية، ليرى العالم أن مصر في مقدمة الأمم التي تحافظ على البيئة، والكوكب، وتقلل من الانبعاثات الملوثة لهما، مثل ثاني أكسيد الكربون، وغيره، ربما لن نستطيع استخدام الطاقة الشمسية بنسبة 100% لكن يمكن أن نقول إننا سنحاول استخدامها بنسبة 80% أو 70% وإن شاء الله نصل لهذه النسبة.

زراعة الصحراء

كيف ترى مستقبل التنمية في مصر في ظل ندرة الموارد المائية؟

نحن نبذل ما في وسعنا، وأرى أن استخدام الطاقة الشمسية سيؤهلنا لأمور عديدة من شأنها أن تجعل مستقبل التنمية لدينا مزدهرًا، خاصةً أننا نمتلك طاقة شمسية كبيرة جدًا، وبالمجان، تمنحنا فرصًا لزراعة الصحراء.

سد النهضة

كيف ترى آثار سد النهضة على مصر في ظل عدم وجود اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية الملء والتشغيل للسد؟

أي خلل في كمية المياه التي تصل لمصر لن نقبله، ولن نسكت عنه، وهذا يعني أن إثيوبيا، أو أي دولة أخرى، لن تستطع أن تقلل من حقنا في المياه على الإطلاق، أما في الوقت الحالي، فلسنا بحاجة إلى نقطة مياه واحدة زيادة عما لدينا، وقد لا نحتاج لمدة عام من الآن، لأن المياه تجمعت خلف السد فملأت الخزان لديهم حتى ارتفعت عن اللزوم ففاضت عندنا.

التعدي علي الاراضي الزراعية

بمناسبة هذه القضية، ظهرت شائعات كثيرة نالت من المصريين وعرّضت البعض منهم للتوتر، والقلق، ماذا تقول لهم؟

معكِ حق، والخطأ الأكبر في أن الكثير من غير المتخصصين في هذا الشأن، يظهرون بالقنوات الفضائية للحديث عن قضية السد، وهو ما يفتح أبواب القلق، والتوتر، والخوف، نتيجة تحدثهم بدون تخصص ومعرفة كافية، ويدفع بالتساؤلات للحكومة عن مستقبل المياه، وبهذه المناسبة أقول إن قضية سد النهضة، هي أمن قومي، وأناشد المجلس الأعلى للإعلام بأن يكون رقيبًا عليها بعدم السماح لغير المتخصصين في هذا الشأن، أن يظهروا على الفضائيات، للحديث عن سد النهضة، وتقديم تحليلات تفتقر إلى المعرفة الكافية،  فهذا أمر كارثي، وأرجو أن يتوقف، وأقول للمصريين من ضحايا هؤلاء المحللين – غير المتخصصين – “مفيش حكومة في مصر هتخلي نقطة من الميه بتاعتنا تقل وأي حد هيحاول يقلل من حصتنا مش هنسكتله فمفيش داعي للخوف”.

التعدي علي الاراضي الزراعية

الحديث عن المياه ينقلنا إلى الحديث عن الزراعة.. كيف ترى التعدي على الأراضي الزراعية في مصر؟

هذا السلوك الكارثي هو سبب استدانتنا من البنوك من أجل شراء سلع غذائية لسد حاجتنا من الغذاء، وقد بدأ هذا السلوك بعد ثورة 1952 وأحدث تغييرات في الزراعة أثرت على الإنتاج الزراعي في مصر، فبدأت الاستدانة من البنوك لشراء القمح، بعد أن كانت مصر توفره للدول، وبالمجان، مثل اليونان، والرومان.

الزيادة السكانية تلتهم ثمار التنمية

مَن تناشد هُنا لعلاج هذه الظاهرة ؟

أناشد المواطن الذي يبني على أرض زراعية، وأقول له أنت تضر بمستقبلك، ومستقبل أبنائك، وشعب بالكامل، نحن اليوم بسبب التعدي على الأراضي الزراعية نقلل من مساحة هذه الأراضي، وبالتالي نقلل من فرص الزراعة، وحجم المحاصيل، فنضطر للأسف إلى الاستدانة من البنوك لاستيراد المحاصيل – الغائبة – من الخارج، أقول له أنت تُجبر بلدك على الاستدانة من البنوك وسوف تعاني بعد ذلك؛ حين تلجأ الحكومة لوسائل تمثل لها مصدر دخل يُمكّنها من سد هذه الديون، كفرض الضرائب، وغيره، وأناشد الحكومة بتبنّي حملات توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة، توضح للمواطنين ما يفعله التعدي على الأراضي الزراعية، بالإنتاج الزراعي: “الأرض إللي كانت بتنتج إنتاج ممتاز، دلوقتي اختفت تحت الأسمنت”.

صور لتلسكوب جيمس ويب للكون

كيف ترى مستقبل التنمية الزراعية في مصر إذا لم يتوقف سلوك التعدي على الأراضي الزراعية؟

سنستمر في الاستدانة من البنوك، والاعتماد على الدول الغنية في شراء الغذاء كل عام أكثر من العام السابق له: “النهاردة لو بستلف علشان أوفر رغيف لـ 100 مليون السنة الجاية هستلف علشان أوفر رغيف لـ 101 مليون مواطن؛ لأن هناك زيادة سكانية كل عام وفي يوم من الأيام الدول دي هتقولنا خلاص”.

صور لتلسكوب جيمس ويب للكون

في ضوء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية كيف ترى أهمية زراعة القمح لمصر والتوسع فيها؟

ليس لدينا إمكانية للتوسع أكثر من ذلك، بسبب محدودية الأرض الزراعية نتيجة التعدي عليها بالبناء، نحن وصلنا لدرجة أن الأرض الزراعية التي لدينا تحولت إلى قطعة أسمنت، ولولا التوجه لزراعة منطقة شرق العوينات في الصحراء الغربية لكانت تضاعفت ديوننا أكثر وأكثر.

الفضاء

منذ أيام التقط تلسكوب جيمس ويب الفضائي صورًا، ما النتائج المتوقعة لهذه الصور على دراسات الفضاء والكون؟

هذه الصور ستغير فكر علماء الفلك، لأنه كان من المفترض أن يرصد التلسكوب نهايات الكون، وآخر حدوده، لكن كانت المفاجأة التي رصدتها الصور، أنهم لم يجدوا للكون نهاية، ولا حدود، فكلما رصدوا نقطة أبعد، وظنوا أنهم سيجدون الظلام الذي يعني النهاية، فوجئوا بأن الاتساع لا يزال موجودًا، وأن هذا الكون ليس له حدود.

وكالة فضاء

معنى ذلك أن الصور كانت صادمة للعلماء؟

ليست صادمة، ولكنها كانت غير متوقعة، العلماء ظنوا أنهم سيشاهدون النهاية، فوجئوا أنهم كلما ذهبوا بالنظر لمكان أبعد، وجدوا أشياء كثيرة، وجديدة عليهم، وهذا يعني أن الكون يقول لهم، مهما بلغت معرفتكم، فأنا أملك أكثر، وأكثر، وعلينا نحن البشر أن نتفكر في ذلك، وأن نقول “سبحان الله”.

قمر صناعي

ما الجديد في أبحاث الفضاء ونتائجه المتوقعة؟

الأهم حاليًا، هو عمل تلسكوب جيمس، فهو الذي يمدنا بمعلومات جديدة عن الفضاء، وبعد عام، أو اثنان، من الآن، ستبدأ رحلات أخرى إلى القمر، ضمن مشروع “أرتميس” المُنتظّر، حيث سيسافر رجال – ولأول مرة نساء – إلى المنطقة الجنوبية للقمر، لأن هناك احتمالًا كبيرًا بوجود مياه هناك، وستنطلق هذه الرحلات من أجل التأكد من وجود مياه، وإمكانية استخدام هذه المياه، وهل يعني ذلك احتمالية وجود حياة هناك! هذا ما سيبحثه ويجيب عنه مشروع أرتميس المُرتقّب.

البحث العلمي

هل تدفع التغيرات المناخية في اتجاه تكثيف بحوث الفضاء للخروج من كوكب الأرض؟

نعم طبعًا، الدول الكبيرة مستمرة في البحث في هذا الاتجاه ونحن جزء من الكون ونمتلك وكالة فضاء مصرية وبالطبع نبحث ولابد أن نستمر في ذلك، وهناك وكالة فضاء في الإمارات إضافة إلى توجه دول عربية لعمل وكالة فضاء، فالدول العربية تتوجه إلى ذلك.

نصيحة الباز للطلاب لتحقيق أحلامهم

كيف تستثمر مصر في مجال الفضاء؟

سعيد جدًا بهذا السؤال، وأتمنى أن تصل إجابته للمسئولين، الهند لديها أقمار صناعية مخصصة لدعم إنتاج الغذاء للفلاحين، بحيث يمكن للفلاح أن يتصل بالقمر الصناعي ليرسل له صورًا لأرضه توضح مناطق النمو، والمناطق الفارغة، ومواضع نقص الماء، وحالة الأرض من حيث الجودة، ومناطق نقص السماد، وغير ذلك من أمور تُمكّن الفلاح من معالجة المشكلات في أرضه، حتى يحصل على محصول عالي الجودة، وأتمنى أن نصل لهذه المرحلة التي وصلت إليها الهند، بأن نستخدم في مصر الأقمار الصناعية لدعم الفلاح في الزراعة، أعلم أنها تأخذ وقتًا، وآليات، لكنها وسيلة أكثر من ممتازة لدعم الفلاحين، والإنتاج الزراعي، في أم الدنيا مصر”.

معامل كلية العلوم

كيف ترى مستقبل البحث العلمي في مصر وفي الدول العربية؟

ببساطة المستقبل كله يعتمد على البحث العلمي، ومن يفتقر إلى البحث العلمي لن تقوم له قائمة في تاريخ الأمم، لأنه سوف يختفي، ولذلك علينا أن نتفوق في البحث العلمي في مصر لنصل إلى غايتنا إن شاء الله.

نصيحة الباز للطلاب لتحقيق أحلامهم

لو أن أحد تلاميذك طلب منك روشتة ليصبح في موقع فاروق الباز الآن ماذا تقول له؟

كل زملائي يعملون معي الآن، وسيكونون أفضل من فاروق الباز نفسه، لأنهم يعملون على الدوام، دون توقف، وأنا فخور بهم، وجميعهم يعملون بنفس الطريقة التي أعمل بها، وهي “جمع العلم والمعرفة على الدوام”، والقيام بما يكفي من الأبحاث، وتعليمها للناس، وهذا هو الأهم في وجهة نظري، وقد حرصت عليه بعد أن تلّقَّنتَهُ كأحد أفضل الدورس التي لقَّنها لي والدي – الأزهري – عندما قال لي: “مَن يَعلَم عليه أن يُعلٍّم وإلا فلا نَفع في علمه”.

العالم المصري الدكتور فاروق الباز

وما نصائح حضرتك لمن يدرس في كلية العلوم التي تخرجت منها؟

ادرسوا جيدًا، واجمّعوا من العلم، والمعرفة، قدر المستطاع، ولا تتوقفوا عن البحث العلمي.

التعليم أساس التقدم

كثير من طلاب الثانوية العامة يجدون أنفسهم أمام كليات فرضتها عليهم رغبات وأحلام الأهل، ماذا تقول لهم؟

لا تبكوا على ما فات، ولا تنعوا عدم رغبتكم في الالتحاق بكلية بعينها، قولوا لأنفسكم نحن أمام تحدٍ، وسوف نثبت لأنفسنا أننا قادرون عليه وعلى النجاح، بل إننا سنكون ضمن قائمة أفضل الذين تخرجوا من هذه الكلية ورفعوا اسمها واسم بلدها في كل مكان، ويكفي أن تعلموا أنني كنت أرغب في الالتحاق بكلية الطب، وأن أصبح طبيب مخ وأعصاب، لكن لم تكن لديّ رفاهية الاختيار ووجدت نفسي في كلية العلوم، فقلت الحمد لله على كل حال، وقررت أن اجتهد في العلم والمعرفة والأبحاث، وأن أكون مميزًا في المكان الذي وضعني فيه القدر، وقد كان، أتعلمون لماذا؟ لأن العلم لن يخذل طالبه أبدًا، بل إنه يكافئه أضعاف سعيه إليه، ما يّهُم هو أن تأخذ ما أعطته لك الدنيا وتبذل قدر المستطاع من الاجتهاد والسعي لكي تكون في أفضل مكانة، قدر المستطاع”.

العالم المصري الدكتور فاروق الباز

بمناسبة ذلك، هل تنصح باستكمال التعليم في مصر أم خارجها؟

“تعليمي كان في مصر يا شباب”

إذن ما رأي حضرتك في التعليم المصري؟

لا يؤسفني سوى ذهاب قيمة مُعلّم الفصل، بل وغيابه أيضًا، مما خلق طريقًا للدروس الخصوصية، لم نكن نعلمه من قبل، ولم نسمع عنه، حيث كانت حصيلتنا المعرفية – قديمًا – تتمثل كلها في مُعلّم الفصل، كما كانت هّيبّته حاضرة داخل الفصل، وخارجه، فأتذكر حين كان يمر المُعلم في محيط تواجدنا، أنا وزملائي، كنا نقف صامتين، تكاد أنفاسنا أن تحتبس، حتى يمر المُعلّم، ويخرج من الشارع الذي جمعنا به، أما الآن، فقد غاب مُعلّم الفصل، وذهبت هيبته، وسيطر عليه الطالب بثمن الدروس الخصوصية، وأرجو من القائمين على منظومة التعليم المصري أن يتداركوا ذلك التغيير بمعالجتة، حتى يستعيد التعليم دوره، ويستعيد الطالب قيمة العلم، والمعرفة، ويستعيد المُعلّم مكانته، ووقاره، ويستعيد المجتمع عقولًا ممتلئة بالمعرفة، وطلابًا يملأهم حب العلم، والتعلم، الذي سيبدأ من حب الذهاب للمدرسة للقاء المُعلّم “مصدر المعرفة”.

أخيرًا.. نريد من دكتور فاروق الباز رسالة للشباب المصري وأنا أول المدونين لحروفها لانتمائي لهذه الفئة؟

اعتمدوا على أنفسكم، واستمروا في جمع العلم والمعرفة، لا يوجد شيء في الدنيا يصل بك إلى مرحلة تحترم فيها نفسك وتكون راضيًا عنها إلا القَدر الذي سوف تُحصّله من العلم والمعرفة، لا نقودًا ولا محسوبية ولا أي شيء آخر سيجلب لك هذا الاحترام للنفس الذي لن يأتي إلا إذا استمريت في جمع العلم والمعرفة على الدوام.