ت + ت – الحجم الطبيعي

أمتعنا صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بواحدة من أروع قصائده في حب الخيل وكرامتها على قلبه النبيل بعنوان (خيلي) أعادت لنا صدى كثير من القصائد السابقة التي أبدعها سموه في عشق الخيل، وختم هذه القصيدة الأخيرة بالبيت التالي:

حَشَمْتَها دوم في ملكي وفي داري

ووصّيت حمدان يكرمها ويهتمّي

ونظرة الوالد لا تخيب، فما إن وصل البيت الأخير من قصيدة صاحب السمو إلى مسامع سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، إلا وجاء الردّ فخماً وجليلاً وسريعاً، فكتب قصيدة في غاية الرشاقة والجمال جعلها مجاراة لقصيدة والده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لتكون قصيدة سمو الشيخ حمدان تعبيراً عن الحب الكبير الذي يعمر جوانحه لوالده، وتجسيداً لخُلق الطاعة والتوقير لهذا الوالد الكبير الذي علّم أنجاله الكرام أصفى المناقب وأزكى الأخلاق والشمائل.

سليط شاعر معه يا صعب مشواري

يا فرحتي في مجارى فكرتي تمّي

يا رمز قاف القصيد وسِبعه الضاري

وشلون باطول روس جبالك الشُمّي

أما «سليط» فهو الاسم الرمزي الذي اختاره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لتنزيل بعض القصائد باسمه بين الحين والآخر، ويلحظ الناظر في هذه القصائد أنّها من الطبقة الفاخرة بحيث يشعر أحياناً بالأسف ويتمنى لو نزلت باسم صاحب السموّ الصريح كي تتلقاها الأقلام بالكتابة والتنوير وتضع هذا الإبداع بين يدي القراء، ولكن ذلك لا يحول بيننا وبين الاستمتاع بهذه القصائد الرائعة التي تُنشر تحت هذا الاسم المستعار، وفي هذا المطلع يؤكّد سمو الشيخ حمدان على المكانة الشعرية العالية لهذا الشاعر الذي يصعب مجاراته، ويكون السير معه محفوفاً بكثير من الصعوبات والتحديات، فهو شاعر متمرّس يفرح الشاعر المجاري له حين يستطيع كتابة شيء يجاري به شعر هذا الشاعر الذي هو رمز قاف القصيد ويتربع على عرش الشعر بين شعراء عصره، وتعلو قامته بين الشعراء مثل الجبل الأشم الذي يصعب على اليد أن تناله، لكن ذلك كله لا يكون حائلاً بين الشاعر ومجاراة والده الكبير القدر في الشعر والفروسية وكرم الأخلاق.

للخيل فرسانها، والقوس له باري

وما دام عين المشاعر ناظرت يَمّي

لرضاك شبّيت في ليل الشعر ناري

يا هِمّتي وِدّي أدرك غايتي هِمّي

في هذا المقطع وتحديداً في البيت الأول يؤكد سموّ الشيخ حمدان بن محمد على أصالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وعظيم منزلته في الفروسية وإحكام الأمور، فهو الفارس الذي يعرف قدر الخيل، وللخيل فرسانها الذين يعرفون قدرها ويعتلون ظهورها بكل شجاعة واقتدار، وهم أصحاب النظر السديد في شؤون الحياة فهم كالباري المتمرس الذي يعرف كيف يبري القوس كناية عن أصالة النظرة وعمق الخبرة حتى قالت العرب في شعرها في وصف هذه الحالة:

يا باري القوس بَرْياً ليس يُحسنه

لا تُفسد القوس، أعطِ القوس باريها

ثم يتلقّى سموّ الشيخ حمدان نظرة الوالد الكبير إليه حين أوصاه بإكرام الخيل بكل شكر وامتنان، فعين المشاعر والرضا قد نظرت إلى جهته، والنظر تكليف وتشريف، فما كان من سموّ الشيخ حمدان إلا أن أوقد جمر الشعر وشبّ نار القصيد وجعل أكبر همته في تحقيق رضا الوالد وتنفيذ وصيته الكريمة الجليلة.

يا نجم ياللي عن الانظار متواري

داعبتني بالقوافي وانجلى غمّي

أسقيتني من ظما يا كاسي العاري

وفاخرت بك جدّ أبوي وجدّي من أمّي

في هذا المقطع تعلو نبرة الفخر بهذا الوالد الجليل الرفيع الشأن الذي يعلو في سماء المجد مثل نجم لامع لا يظهر إلا بين الحين والآخر فهو كنجم سهيل الذي إذا طلع استبشر الناس بطلوعه وانكسرت سَوْرَة الحرّ وشدة اللهيب، وهو الشاعر المتمكّن الذي يحسن استخراج أفضل ما في نفوس الشعراء من المعاني حين يداعبهم في شعره، وإن سموّ الشيخ حمدان ليشعر بالفخر والمجد من كلمات والده الجليل فهي كالماء البارد على قلب الظمآن، وهي الكسوة الثمينة على جلد العاري المحتاج، ولأنّ ذلك كذلك فقد افتخر به وفاخر جميع أجداده من جهة الأعمام والأخوال الذين يتشرفون بنسب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فارس الوطن وشاعره وحادي ركبه منذ أكثر من خمسين عاماً من عمر هذا الوطن الأصيل.

والخيل من معجزات الواحد الباري

وفي مربط العاديات العزّ متنمّي

يقول عنها نبي الله وهو داري

في ناصيتها تشوف الخير متنّمي

أما الخيل وشأنها فهي واحدة من معجزات الخلاق العليم سبحانه، خلقها في هذا التقويم البديع وأقسم بها في كتابه تكريماً لشأنها حين قال:{والعاديات ضبحاً * فالموريات قدحاً* فالمغيرات صبحاً* فأثرن به نقعاً* فوسطن به جمعاً}، تنبيهاً على عظيم منزلتها بين مخلوقات الله البديعة، ورباط الخيل له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله وقد جاءت النصوص الكثيرة التي تحثّ على ارتباط الخيل في سبيل الله وهي مستفادة أصالة من قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}، وكذا أوصى بها نبي الله صلى الله عليه وسلم وجعل الخير كل الخير في ناصيتها حين قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) فالعزّ كل العز هو في الحفاظ على الخيل وإكرامها حيث تنمو الخيرات وتدرّ البركات.

أغلى من المال عند طوال الأشباري

راعيّها بالوفا والعزّ مِتسمّي

وِصاتك أمر علي يِنفّذ اجباري

واقول لك تمّ من قلبي ومن فَمّي

أما أصحاب المروءة وكرام الرجال فالخيل عندهم أغلى من المال ويقدمونها على النفس في بعض الأحيان، ويخلطونها بالعيال، وما أكثر القصص الدالة على شهامة العرب وإيثارهم للخيل وإكرامها لشدة تعلّقهم بها وكريم منزلتها لديهم، فلذلك كان كلّ من يرعى مكانتها جديراً باسم العزّ والوفاء، وكلّ من أهانها فلا كرامة له بين كرام الرجال، وإذا كان ذلك كذلك، فإنّ وصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لولده سموّ الشيخ حمدان قد تلقاها على الرأس والعين وجعلها أمراً يتمّ تنفيذه بكل قوة واحترام وتبجيل، وهو ما تمّ التعبير عنه في الشطر الأخير من هذه القصيدة الجميلة بقوله (وأقول لك تمّ من قلبي ومن فمّي).

اقرأ ايضاً

سِجالُ الفرسان.. قراءة في عالم الخيل

الخيل ؛ الحبيبُ الذي لا يُنسى