الحرب وموت الفلسفة | القدس العربي

الحرب وموت الفلسفة | القدس العربي

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on pinterest
Share on email
Share on whatsapp

الحرب وموت الفلسفة | القدس العربي

🍕 #مطبخ #الحرب #وموت #الفلسفة #القدس #العربي #منتوف #MANTOWF

الحرب وموت الفلسفة | القدس العربي
قناة الأبراج على يوتيوب متوفرة الان

[ad_1]

بدأت اتيقّن أن «موت الفلسفة» يعني موتا غرائبيا للعالم، وأن تحوّل الفلاسفة إلى مهرجين أو إلى مستشارين عسكريين، أو ربما إلى خبراء في مجال الصيرفة والعلاقات العامة، سيضع العالم أمام «كساد عقلاني كبير» حيث تتسع الأسواق التي تُباع فيها الأفكار، مثلما تتسع الأسواق والعطاريات التي تبيع كلّ ما يحتاجه الناس من الأوهام والسحر، وسيكون حديث «التنوير» نوعا من السخرية، إذ سيتم الاكتفاء بحديث السعادات الرأسمالية، وما يمكن أن تصنعه من رهانات قديمة على قيم الحرية، وعلى فرضية الإشباع، والقوة والرفاهية، رغم ما في ذلك من خداع وتضليل.
إن الموت الفلسفي يعني إحياءً للاستبداد، ولتكريس منهجي في تداولية السلطة والأيديولوجيا، فضلا عن تضخيم المؤسسات الحاكمة التي ستُهدد الحريات والإشباع، مثل أحلاف الناتو والاتحاد الأوروبي والدول السبع، ووزارات الدفاع، وجهات الأمن القومي، حيث تُسهم وبشكلٍ استثنائي في صناعة صيانات ثقافية وسياسية وأمنية، مثلما هو قيامها في صنع مرايا كبيرة، مُضللة، لا يرى فيها الرئيس أو الزعيم أو الجنرال سوى نفسه، إذ سيكون الآخر غائبا، أو مُقزّماً، وأنّ موته أو تهميشه سيكون مُباحا، وربما سيقوم بإنشاء مؤسسات لها أطر وظيفية يُديرها رجال أمن يعرفون بعض أسماء الفلاسفة، وفقهاء يدركون ما هو خفي في المُضمر الديني، وقضاة يقرأون القانون بوصفه سردية صالحة للتخيّل، وقصاصون يستعيرون أدوات الشهرزاد بخفة كبيرة..
فلاسفة الماضي صاروا في المتحف، فهم غاضبون دائما، لأنهم يكرهون الهيمنة، ويضعون خطابهم وفكرهم في سياق تسويغ هذا الغضب، بوصفه نقدا، أو تمردا، أو رفضا، أو حتى ثورة، وهو ما جعل سرديات فلسفتهم أكثر توجسا من السلطة، ومن فروضها التي لا تؤمن بسعادة الآخرين، وربما تنظر إلى السعادة بوصفها همّاً ميتافيزيقياً، وأن الثقة بالسعادة التي يصنعها المجال العام هي الخيار الذي يحتاج إلى مقاربةٍ تكون فيها الفلسفة مائزة، ومالكة لأدواتها الفاعلة في تغذية أفكار الغضب، وفي مواجهة الرعب الذي بات يجتاح العالم.
الذهاب إلى الماضي قد يكون حنينا، أو بحثا عن التعويض، أو لمواجهة الرعب الكوني، فما يحدث في العالم الغربي، أسهم في تعطيل فكرة التقدّم بما فيها فكرة الحوار، إذ أن الغرب يحاور الآن ذاته، أو أشباحه في المرآة، في الوقت الذي كان أصل الفلسفة قائما على الحوار، وهو ما كان يفعله أفلاطون الذي جعل من المحاورة جوهرا في طرح أفكاره، وحضور سقراط فيها جعلها أكثر إثارة، وأكثر توصيفا للوجود وللمُثل، ولحاجة الناس للمعرفة، لكي يستدلوا على وجودهم، ولكي يكون المواطن السياسي مواطنا ثقافيا أيضا، يعرف ما حوله، ويعي حاجاته، وبقدر ما كان أفلاطون جمهوريا بالمعنى المتعالي، إلا أنه ترك أفكارا قابلة للتغيير، وهو ما فعله أرسطو الذي أراد أن يمنح الفلسفة قوة أخرى، تجعل من الشعر والنحت والسياسة مجالات لتعزيز فاعلية المواطن الثقافي، الذي يشارك في صناعة العالم، وفي صناعة القوة، وهذا ما عززه في شخصية الإسكندر المقدوني، الذي جعل من فلسفة معلمه خيارا للقوة التي تجعل المواطن الثقافي مواطنا محاربا وعدوانيا، لأنه يؤمن بأنه نصف إله، وهذا النصف يجعله مدفوعا إلى السيطرة والعلو.

فلاسفة الماضي صاروا في المتحف، فهم غاضبون دائما، لأنهم يكرهون الهيمنة، ويضعون خطابهم وفكرهم في سياق تسويغ هذا الغضب، بوصفه نقدا، أو تمردا، أو رفضا، أو حتى ثورة، وهو ما جعل سرديات فلسفتهم أكثر توجسا من السلطة، ومن فروضها التي لا تؤمن بسعادة الآخرين.

تاريخ الفلسفة واجه خراب الاستبداد، وهروب الكثير من الفلاسفة إلى الأوهام، جعلهم أكثر وعيا بالخطر، ولكي لا يصطدموا مباشرة بالمتيافيزيقا، وأحسب أن فيلسوفا مؤسسا مثل ديكارت وضع المنطق والعلم والرياضيات جوهر رهاناته على إنجاع فلسفته في الكوجيتو، وفي التأكيد على فاعلية الذات المُفكرة أو المؤلفة، وهي الذات التي ترهن وجودها بفعل التفكير، وليس بالفكر، وتخضع للمنهج بوصفه طريقا لمعرفة الحقيقة، على نحوٍ يُجنبه مواجهة السلطة التي ترى في العقل جهازا كافرا، ولعل ما ذهب اليه كانط في نقد العقل، هو التورية الفاعلة لخلاصه من الموت، إذ يجد في النقد فعلا، يعزز خياراته في الحديث عن الأنوار، بوصفها ممارسة لتوظيف العقل في تحرير الإنسان من الميتافيزيقيا، أي العقل ما بعد النقد العملي أو النظري.. الفلسفة الآن في الخلف دائما كما يقول باديو، ربما لأنها تواجه استبدادات معقدة، استبداد السوق والسلطة والتسلّح، وهذا ما يجعل العقل النقدي محكوما بصراع عميق، وربما بإغواءات قد تدفعها إلى توظيف ما هو غير فلسفي لتنطلق، ولكي تكتسب قوة أخرى لا تجعلها تغادر النمط الرأسمالي المؤسسي والأكاديمي، فضلا عما يجعلها أكثر تمكينا في نقد العنف الثقافي، الذي بدأ يجتاح العالم، بما فيه العنف الديني، والعنف العنصري، والعنف الأيديولوجي، وكلها ستجعل من حديث الفلسفة بمعناها المنطقي كوميديا سوداء، إذ لا أحد سيصدّق الفيلسوف، مقابل حديث النجم التلفزيوني، أو ما يشبه الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وربما سيكون حديث طلاق جوني ديب وأمبر هيرد أكثر إثارة من أطروحات سلافوي جيجك عن أزمة التحليل النفسي والعنف السياسي، الذي يواجهه المواطن الأوروبي.
السؤال عن الكيفية التي ستتحول فيها وظائف الفلسفة سيكون موضوع جدل، واختلاف، مثلما سيكون سؤالا عابرا لكل تاريخ «الأكاديميات» التي عملت على صياغة التعالي الفلسفي، وعلى وضع الفلاسفة بوصفهم كائنات يتجاوزون الرؤساء والجنرالات، لأنهم ماكثون في المعرفة والخطاب، ولأن الآخرين عابرون، لكن يبدو أن الأمر لم يعد هكذا، فما بعد الحداثة صنعت أوهاما تكرّس فيها الزائل العمومي، ولم يعد الفلاسفة مُحصّنين من هذا الزوال والاستهلاك، لاسيما وأن ما يجري في هذه «المابعد حداثة» تحول إلى تشظٍ ورعب حقيقيين، قد يهددان أوروبا ورفاهيتها، ونمط ديمقراطياتها، وعلى نحوٍ يُعيد إنتاج المركزيات القديمة، تلك التي تؤمن بخيارات السيطرة والحرب والقوة وفرضية الغَلبة على الآخر المختلف.

الفلسفة وحرب أوكرانيا

السعي إلى لملمة «شبكات التمويل الرأسمالية» كما أرادها ذات مرة الرئيس ساركوزي، لم تكن فاعلة وحقيقية، لأنها اصطدمت بأزمة أخلاقية كبيرة، بدت مظاهرها مع السياسات الشعبوية للرئيس الأمريكي ترامب، وأن أي اندماج أوروبي أو غير أوروبي في هذه الشبكات سيكون متعسفا، وباعثا على صناعة الحرب، وهو ما حدث في أوكرانيا، إذ أراد الناتو بنسخته الأمريكية الزحف على شرق روسيا عبر أوكرانيا، فأيقظ التاريخ كله، مثلما أيقظ روح القيصر المخابراتي الذي ذهب إلى صديقه الفيلسوف الروسي السكندر غودين، ليجعله صانعا ومستشارا استثنائيا لسرديات حربه مع الغرب، وربما سيعطيه رتبة عسكرية، تُخوّله إعطاء حكمٍ في الشأن العسكري والأمني.


هذا الاصطدام كشف عيوب الرأسمالية، وعيوب الديمقراطية، وعيوب الفلسفات الحقوقية، وجعل العودة إلى جون لوك وإلى روسو محض سخرية، وحتى العودة إلى هيغل سيكون فاضحا، لأن مفهوم التعالي الأوروبي فقد جدواه في حربٍ بواعثها هي البحث عن الهيمنة، وحتى العودة إلى ماركس لن تُجدي نفعاً، لأنّ ماركس قد تنبأ بسقوط الرأسمالية، بسبب الصراع الطبقي، وليس بسبب الحرب، وهو ما بدا واضحا في تصريحات فلاديمير بوتين الذي قال» إذا أرادو هزيمة روسيا فليجربوا ذلك» وكأنه يقول إنكم ستعيشون محنة البرد والجوع والتضخم والصراع الاجتماعي وسقوط الحكومات، وهذه أول هزائم العقل الرأسمالي، الذي لم يعد قادرا على منح الرفاهية، وأن روسيا وفلسفة غودين ستنتصر على أوهام حداثتكم، لأنها تحمل معها كثيرا من أشباح ماركس، التي تحدث عنها التوسير…
صورة الفيسلوف الغربي بدت شائهة، وأن الحديث عن موتها سيكون مبررا، وباعثا على جدل صاخب، حول صدمة هذا الموت، وربما سيدفع في اتجاه إحياءٍ لفكرة جديدة، قد تنطلق من الصين ومن حكمتها الماوية، وليس من مطابخ الغرب الذي بدأ يطبخ في قدور خاوية.
الحرب في أوكرانيا، هي حرب داخل أسواق الحداثة، مثلما هي حرب داخل حدود المسيحية ذاتها، وهو ما يعيدنا إلى حرب الثلاثين في القرن الخامس عشر في ألمانيا بين الكاثوليك والبروتستانت، التي انتهت بخيبة الجميع، والبحث عن معاهدة – معاهدة وتسفاليا- لكي تحمي الناس والدول من الحروب الدينية، والتي هي حروب هيمنة أيضا.
سقوط حكومة بوريس جونسون في بريطانيا العظمى قد تكون جزءا من هذا الواقع الصاخب، فرغم التسويغات الداخلية لاستقالته من حزب المحافظين، ومن رئاسة الوزراء، إلا أن تردي الواقع الاقتصادي وارتفاع نسب التضخم، والخضوع الكامل لسياسة الولايات المتحدة كانت الأسباب العميقة لهذا السقوط، والذي سيهدد أوروبا بكاملها في الشتاء المقبل، لاسيما وأن أوكرانيا رغم تسليحها الغرائبي، لم تستطع أن تواجه الترسانة الروسية المرعبة، والتي ستعيد كثيرا من أراضيها إلى حاضة السوفييت القديمة.
ما يجري ظل بلا تغطية ثقافية، وأجهزة الإعلام الغربية هي وحدها التي تصنع البروباغندا المضادة، فالفلاسفة الأحياء أمثال، هابرماس وألن باديو وسلافوي جيجك ظلوا صامتين، وحديث المجال العام والعقل التواصلي فقد جدواه، وحديث السعادة والتغيير كما أراد باديو لم يكن نافعا، وأضحى حديث المواطن المهاجر أو المواطن اللاجئ هو الشيفرة التي ستفتح طلاسم التعمية الرأسمالية، فرؤوس الأموال مهددة، وأنظمة الرفاهية مهددة، والتعايش العمومي مهدد، والعالم محاصر بمئات الروؤس النووية، وسط موجة تعبئة وتسليح لم تعشها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، مقابل ذلك فقدت الفلسفة النقدية قدرتها على التظاهر والاحتجاج، ولم يعد هناك فلاسفة ثوريون مثل سارتر وفوكو ودولوز، ليقودوا تظاهرات كبرى ضد الحرب والعنف والتضخم، ولكي يعيدوا لأوروبا هويتها المستلبة..

كاتب عراقي

الحرب وموت الفلسفة | القدس العربي
أقراء أيضا
افضل 40 تطبيق أندرويد مجانا بأداء خرافي

المصدر : منتوف ومواقع انترنت 👇الحرب وموت الفلسفة | القدس العربي
[ad_1]
الحرب وموت الفلسفة | القدس العربي