ليست كلها سلبية.. ما مميزات الشخصية الانطوائية؟ – الجزيرة مباشر

على عكس ما هو متوقع، فإن ميول الانطوائيين الأكثر انفصالًا اجتماعيًّا تمنحهم مزايا اجتماعية كثيرة عن المنفتحين أو الأكثر تداخلًا مع من حولهم.

وأن تكون انطوائيًّا يعني أنك أبطأ في الاستجابة وأكثر تقييدًا، وبالمقابل أنت أقل اندفاعًا، ويرى المعالج النفسي ليون إف سيلتزر أن هذه الصفات تمثل جوانب قد تكون إيجابية في شخصية الانطوائي المعزول عادة.

ومضى الطبيب النفسي إلى التوضيح في مقالة على مجلة (سيكولوجي توداي) الطبية، أن الانطوائيين يمتنعون بطبيعتهم ومزاجهم عن التعبير عن شيء ما حتى يشعروا بالاطمئنان إلى أن ما سيقولونه يعكس بالفعل ما بداخلهم، وقبل السماح لأنفسهم بالتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، يفكرون فيها بحذر.

يميلون للخصوصية

ويرى الاختصاصي أن الانطوائي يمكن أن يكون قد طور هذه النزعة بشكل مفرط لأنه كثيرًا ما جرى الحكم عليه من الآخرين -ليس فقط على أنه غير اجتماعي- ولكن أيضًا بأنه غير مهتم.

ورأى المعالج أنه من الصعب على معظم المنفتحين فهْمَ ما الذي يجعل الانطوائي كذلك، وما يدفع السلوك الاجتماعي للمنفتحين يختلف اختلافًا جوهريًّا عما يحفز الانطوائيين.

نظرًا لأن الانطوائيين يقضون وقتًا أطول ويهتمون أكثر بأفكارهم فإن تواصلهم مع الآخرين يختلف بشكل ملحوظ عن المنفتحين.

وفي سعي المنفتح لتعزيز الشعور بأنه معروف، فإنه أكثر اندفاعًا في مشاركة كل ما يتعلق به علنًا.

ووصف سيلتزر المنفتحين بأنهم أكثر تشتتًا وأقل صبرًا من الانطوائيين، إذ يعدّ المنفتحون إخراج أفكارهم على الفور أمرًا بالغ الأهمية.

من ناحية أخرى، يكون الانطوائيون أقل رغبة في قطع كلام الآخرين لأنهم لا يشاركون في حاجة المنفتحين المنتشرة لمشاركة الأمور المتعلقة بهم.

يميل هؤلاء إلى الخصوصية ويجعلون أمور حياتهم قائمة على الاكتفاء الذاتي، وأحد أسباب كونهم مستمعين جيدين هو أنهم لا يشعرون بالإكراه ذاته لاقتحام المحادثة.

يمكن للمنفتحين مقاطعة الشخص الذي لديه الكلمة قبل أن تتاح لهم الفرصة لاستيعاب ما قيل للتو بشكل مناسب، يستطردون “أنا أيضًا” والتوسع في الحديث.

يوضح المعالج النفسي أن ذلك لا يعني أنهم متسرعون أو وقحون، لكن ما لا يمكن إنكاره هذا التمركز حول الذات الذي لا يمكن كبته لديهم.

مستمعون جيدون

على عكس المنفتحين، نادرًا ما يشار إلى الانطوائيين على أنهم مندفعون، إنهم لا يتحدثون من أجل التحدث ولكنهم يتحدثون عندما يعتقدون أن لديهم شيئًا ذا قيمة ليقولوه.

وبسبب هذا التردد، عندما يتحدثون فمن المرجح أن تحظى كلماتهم بمزيد من الاهتمام والاحترام، في حين يكون خطاب المنفتحين غير مخطط له إلى حد كبير، وتدفعهم ردود أفعالهم اللفظية غير المكتملة إلى تبادل الأفكار غير المكتملة التي لم تتبلور بعد.

وزادت المقالة، لذلك يمكن أن ينتهي بهم الأمر إلى توضيح ما قد يكون غير لائق أو مسيئًا، وبعد ذلك، قد يتمنون لو لم “يقفزوا على الإطلاق”.

وبافتراض أن مهاراتهم الاجتماعية الأساسية تعادل تقريبًا مهارات المنفتحين، فإن هذا الاختلاف الرئيسي يعمل على إبقاء اتصالات الانطوائيين أكثر أمانًا وأقل عرضة لسوء الفهم.

الانطوائيون هم بطبيعة الحال أقل كلامًا ومشاركة، وفي المواقف الاجتماعية يمكن أن يظهروا غافلين، لكن ما يحدث في الواقع هو أنهم حتى وهم يجلسون في صمت ويعلقون كلامهم، فإنهم منضبطون بصدق ويستمعون باهتمام.

ومن خلال الاستماع يتعلمون ما يحتاجون إليه بالترتيب (عندما يكونون مستعدين أخيرًا للتحدث) للمساهمة بشكل هادف في الموضوع الذي تتم مناقشته. وتكملة هذا الانتباه الذي يسهل تفويته هو براعتهم في الملاحظة، لأنهم أكثر وعيًا بالإشارات والقرائن التي غالبًا ما تُفقد عند المنفتحين، لا يحتاجون إلى التركيز على ما سيقولونه بعد ذلك أو الانطباع “العام” الذي يتركونه  فلديهم مساحة أكبر بكثير للملاحظة وما تشير إليه تعبيرات الوجه ولغة الجسد.

تفويت الفرص

رأى الطبيب النفسي الطريقة التي يؤخر بها الانطوائيون قراراتهم لأنهم يميلون إلى التفكير جيدًا في البدائل، يمكن أن تضر بهم في بعض الأحيان، إذ تؤدي بهم إلى تفويت الفرص التي من المرجح أن يغتنمها زملاؤهم المنفتحون.

وأضاف أن هناك درجات من الانطوائية يحددها كل من علم الوراثة والبيئة المبكرة، وخلص إلى أنه لا يمكن بشكل واقعي تأكيد أن سمات شخصية الانطوائي كلها إيجابية، تمامًا كما لا يمكن القول إن المنفتح هو العكس.

لكن السبب في اعتقاد طبيب علم النفس، أن الجوانب الإيجابية للانطوائية تتطلب مزيدًا من التركيز باعتبار أننا نعيش في ثقافة منفتحة في الغالب، إذ أصبح مفهوم الانطوائية نفسه مثقلًا بإيحاءات سلبية، مثل كون شخصية صاحبها باردة ومنغلقة ومتغطرسة ومنعزلة وحتى قاسية أو غير محبوبة.

وختم بالقول إنه على الرغم من تحيز المجتمع العرفي ضدهم، فإنهم لا يحتاجون إلى رؤية شخصيتهم على أنها تشكل أي نوع من العجز، بل يمكنهم وصف صفاتهم الأكثر انعزالية بأنها “هدايا” يمكن استخدامها بشكل مفيد في التفاعل مع الآخرين.