«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي

«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on pinterest
Share on email
Share on whatsapp

«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي

🦋«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي
#روما #الثالثة #مفارقات #مقولة #روسية #القدس #العربي #منتوف #MANTOWF
[ad_2]

ثمة علاقة حميمة في التاريخ الروسي بين النظرة إلى روسيا كمخلصة العالم، أو بالأحرى “البقية الناجية” في هذا العالم، وبين تنكب روسيا بالكوارث. جزء أساسي من هذا التداخل بين ما للخلاص من مقام وما للكارثة يتصل بالشكل الإمبراطوري الذي اتخذته الهوية الدينية الأرثوذكسية في روسيا، وتوتر هذه الهوية في الوقت ذاته بإزاء هذا الشكل. يتواشج ذلك أيضا مع مسار جدلي للغاية اتخذته العلاقة بين الأرثوذكسية الموسكوفية والأرثوذكسية الكييفية.
فالأرثوذكسية الموسكوبية لم تكتف بتوكيد استمراريتها لمملكة روس كييف القديمة، أولى ممالك السلاف الشرقيين في اعتناق المسيحية والارتباط بالقسطنطينية في ختام الألفية الأولى بعد الميلاد، إنما، وبالتوازي مع انقلاب علاقة التابع والمتبوع بين الموسكوب وبين التتار في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، راحت الإمارة تنظر إلى عاصمتها، موسكو، بوصفها مدينة مقدسة، بل “روما الثالثة”. التنسب إلى كييف ومملكتها وأميرها فلاديمير الأول كان ضرورة “شرعية” لحصر الدم الملكي في السلالة الروريكية، ذات الأصل السكاندينافي، التي حكمت في كييف ثم في موسكو، مرورا بغير ذلك من المدن والأنحاء. أما التنسب لروما فكان بطاقة للدخول إلى “تاريخ الخلاص” بالمدلول المسيحي.
بعد عقود قليلة على سقوط القسطنطينية، وفي وقت كانت معظم الشعوب المسيحية الأرثوذكسية داخلة في المجال السلطاني الإسلامي وقسم تحت سيف الكثلكة، استطاعت موسكو أن تقلب العلاقة التبعية بينها وبين التتار المسلمين لصالحها. هذا المسار المعاكس لحال العالم الأرثوذكسي ككل أوجد الشعور الخلاصي الذي سيتنامى مع الوقت.
أسس أمير الموسكوب ايفان الثالث، لانقلاب العلاقة مع التتار من تبعية لهم الى استتباع لهم في القرن الذي يلي، مع حفيده إيفان الرابع أو الرهيب “غروزني”. لكن الزواج الثاني لإيفان الثالث هذا عام 1472 من ابنة شقيق آخر أباطرة القسطنطينية، زوي صوفيا باليولولوغ، هو الذي سيؤسس لمقولة “روما الثالثة”، باعتبار أن القسطنطينية هي “روما الثانية”. المفارقة هنا أن هذه الأميرة الرومية (البيزنطية) كانت تقيم في روما نفسها بعد فتح العثمانيين للمورة (اليونان)، وأن بابا الكاثوليك هو الذي خطبها لأمير الموسكوب طمعا في شده الى الكثلكة! هذا في مقابل سردية على طريقة قصص ألف ليلة وليلة، تصر على أن صوفيا رفضت كل ملوك وأمراء أوروبا ولم ترض إلا بمن هو على دينها الأرثوذكسي.
ستتعزز نظرة موسكو الى نفسها بصفتها المدينة الكونية المقدسة، روما الثالثة، مع اتخاذ حفيد صوفيا البيزنطية هذه، أي إيفان الرابع أو الرهيب لقب “قيصر” اللاتيني المصدر، المتحدر من الاسم الثالث لغايوس يوليوس قيصر، جريا على المتواتر عن بيزنطة (وفي ظلالها من استحلى هذا اللقب من ملوك البلغار والصرب)، مع أن اللقب الغالب على إمبراطور الروم كان “الباسيلويس”، أي الملك.

في ظل حكم آل رومانوف كما في ظل الاتحاد السوفييتي لاحقا لن يتوقف تاريخ مفارقات “موسكو روما الثالثة”، النظرة الى الإمبراطورية القيصرية ثم السوفييتية كاستمرارية للإمبراطورية البيزنطية

تمكن إيفان الرهيب من فتح قازان على الفولغا 1552 واستراخان 1559 قلب نهائيا العلاقة بين الروس والتتار لصالح الأوائل، وأعطى للقب القيصري زخما وهالة، وعبّد الطريق في المخيال السياسي الديني لما مفاده أن إمبراطورية الروم الأرثوذكسية التي سقطت في القسطنطينية بعثت على رؤوس الأشهاد من جديد في موسكو الصقيعية، وأنها يد المسيح في حركة التاريخ، وعلى هذا المنوال تتأسس القناعة اليوم بأن هذه الإمبراطورية الأرثوذكسية لا تنطفئ في لحظة أو في مكان، حتى تبعث بعد حين من جديد.
في المقابل، لم تكن موسكو بعد مركزا للكرسي البطريركي حين أخذت تنتشر مقولة أن موسكو هي القسطنطينية الجديدة وروما الثالثة. احتاج ظهور هذا الكرسي الى اضطراب الحكم، بعد انتهاء سلالة الروريك، نهاية القرن السادس عشر، ليتمكن إكليروس موسكو، مدعوما من بوريس غودونوف ذي الأصل المغولي، والمطعون في شرعيته كونه من خارج السلالة الملكية، بأن ينتزع من بطريركية القسطنطينية المسكونية إجازة بترفيع متروبوليت موسكو الى درجة بطريرك عام 1589. والقسطنطينية أساسا، وبما أنه لم يكرز إليها أي من رسل المسيح، كانت تحتاج الى مقولة إنها روما الثانية ليسوغ لها بكرسي بطريركي، لا يبدو أنه انوجد إلا ابان مجمع خلقيدون 451 م.
أغاظ تكريس موسكو كمركز بطريركي ارثوذكسي حكام بولونيا المتعصبين لنشر الكثلكة، وكان المتحد البولوني الليتواني آنذاك يسيطر على معظم ما هو الآن بيلاروسيا وأوكرانيا وقسم كبير من روسيا الأوروبية نفسها. نجح البولونيون في تغيير دين الليتوانيين بادئ ذي بدء، وعزموا على الشيء نفسه مع بقية أرثوذكس البلاد الروسية. فكانت “وحدة بريست” (تقع ضمن بيلاروس حاليا) عام 1596. وافقت فيها أكثرية الإكليروس الأعلى من المناطق البيلوروسية والأوكرانية (حاليا) الواقعة أن تتخلى عن الأرثوذكسية وتدخل في طاعة بابا روما، في مقابل احتفاظها بهرميتها الخاصة وطقوسها الشرقية ولغتها الليتورجية السلافونية. لكن هذه الوحدة أقامت القيامة ولم تقعدها. واجهها الإكليروس الشعبي والفلاحين وتجمعات القوزاق. وأخذ هؤلاء يرسلون في مناشدة موسكو. لكن موسكو كانت واقعة اذاك في مرحلة الاحتراب الداخلي ثم الغزو البولوني لها 1610 الذي حاول أيضا أن يبدل دينها. لم يستعد الموسكوب مدينتهم إلا بعد عامين من المجاعة والخراب وتفشي الأوبئة وأكل لحم البشر والحمية الدينية الأرثوذكسية ضد “اللاتين”، أي البولونيين – بما أنهم يتبعون للبابا ويكتبون لغتهم السلافية بالحرف اللاتيني وليس الكيريلي. استعادة المدينة جعلتها غيورة أكثر من أي وقت سابق على طابعها المقدس كروما ثالثة، وفي الوقت نفسه مصابة برهاب كبير بإزاء كل ما هو غربي.
وفي وقت حملت فيه روما والقسطنطينية في التاريخ الرمزي للمدن المقدسة بالمسيحية مدلولات “الكونية” أخذت تحمل موسكو مدلولا انطوائيا للكونية. أي أنها عالم بذاته. عالم الخلاص في مواجهة العالم الذي يئن تحت الخطيئة.
بعد رحيل البولونيين عن المدينة بسنة، أي عام 1613، استقر الرأي على ما سيصبح بالنتيجة سلالة قيصرية جديدة: آل رومانوف، اعتمادا على مصاهرة هذه الأسرة لإيفان الرهيب سابقا.
وفي ظل حكم آل رومانوف كما في ظل الاتحاد السوفييتي لاحقا لن يتوقف تاريخ مفارقات “موسكو روما الثالثة”، النظرة الى الإمبراطورية القيصرية ثم السوفييتية كاستمرارية للإمبراطورية البيزنطية. مفارقة “الكونية الانطوائية”، المحتارة بين نزعة إدارة الظهر لما هو واقع غربها وبين التطلع إليه.
هذه الحيرة ظهرت حيال مناشدات أرثوذكس حوض الدنيبر لقيصر الموسكوب لنصرتهم ضد البولونيين، وظل موقف موسكو مترددا من مد اليد الى أجداد الأوكران اليوم، رهبة من البولونيين، الى ما بعد انفجار التمرد القوزاقي الكبير على النبالة البولونية عام 1648. فتح ذلك لاحقا، وبخاصة بعد طلب اجتماع ملأ القوزاق عام 1654 قبول القيصر الكسيس دخولهم في طاعته، لما سيصبح عنوانه المسألة الأوكرانية لاحقا. لأن الموسكوب وجدوا في أوكرانيا هذه أمرين في وقت واحد: أرثوذكسية سلافية رفضت الكثلكة البولونية، بخلاف حال ليتوانيا. لكن أرثوذكسية متأثرة بالتغريب البولوني أيضا، وبارتباط أوثق مع الأرثوذكسية الرومية في السلطنة العثمانية. ووجدوا في كل أمر ما يغريهم وما يقلقهم. أرادوا الاستفادة من تفوق كييف، وبخاصة في أمور الدين والإدارة، ففجر ذلك أزمة داخل الأرثوذكسية الروسية نفسها بين المصرين على إيمانياتهم وطقوسهم قبل ذلك، وبين الراضين باكتساب علوم أهل كييف، وإصلاح مفاهيمهم الدينية لتكون أقرب الى الكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية.
لكن الإشكال لم يقتصر على الدين وحده، إذ نشأ أيضا الشعور المزدوج حيال الأوكران، بأنهم في أصل الهوية الروسية، ولم يتخلوا عنها تحت ضغط البولونيين، لكنهم عادوا و”خانوها” عندما صاروا تحت سلطان الموسكوب، لأن النزوة البولونية لم تستأصل منهم!
عزز ذلك من مفارقات “موسكو الثالثة”، الانطواء الشديد مع زعم الكونية في الوقت ذاته.
في المقابل، المتغيرات التي أتى بها بطرس الأكبر كانت في اتجاه التضحية بهذه الانطوائية لصالح الكونية. ارتبط ذلك بنقل العاصمة من موسكو الى مدينة جديدة متأوربة، أسسها فوق أرض بلطيقية جديدة: سانت بطرسبورغ. والاستعاضة عن لقب قيصر بلقب “الإمبراطور”، والغاء بطريركية موسكو، وهذه لم يعد إحياؤها إلا في أعقاب سقوط الحكم الملكي عام 1917.
لم تعد موسكو هي العاصمة بعد بطرس الأكبر، الى أن أعادها البلاشفة كذلك لظروف حربية محضة عام 1918 ولم تزل. ما بين بين، كانت يكاترينا الثانية تعيد إحياء مقولة روما الثالثة بشكل آخر نهاية القرن الثامن عشر، من خلال انتصاراتها على العثمانيين: بأن رغبت في استرجاع القسطنطينية نفسها، والمطابقة الكاملة بين إمبراطورية الموسكوب ومملكة الروم.

٭‭ ‬كاتب‭ ‬لبناني

«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي
أقراء أيضا
[ad_2]
افضل 40 تطبيق أندرويد مجانا بأداء خرافي

المصدر : منتوف ومواقع انترنت 👇«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي
[ad_1]
«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي
[ad_2]
«روما الثالثة»: مفارقات مقولة روسية – القدس العربي